ثمة قراءة لظاهرة النفور والغضب الجماهيري (المظاهرات) والتي عجت بها محافظات العراق الغربية والجنوبية مؤخرا ,وقد عبر الكم الكثير منها عن مبتغيات عامة قانونية ومنها وطنية غير دستورية أفرط خلالها مؤيدون ,وفرط اخرون ممن وقفوا ندا لها .
وعلى الرغم من ذلك فهي لا تخلو من قراءات موضوعية هادفة تتقصى جوانب الأخفاق في العملية السياسية ونقد السائد من السلوك الفوضوي للبرلمان العراقي والجهة التنفيذية للحكومة وقد تمخضت هذه التظاهرات نتيجة الأرهاصات في العملية السياسية والسلوك الغير صحي لواقع لم يتحمل الأهمال والفساد من حكومته المنتخبة وما يتخللها من تلاعب بمقدرات البلد ,
ونتمنى من الجميع قراءة هذه الظاهرة بعيدا عن الأنفعالات والميولات بأعتبارها حدثا بالغ الأهمية في واقعنا العراقي ينبغي الأستفادة منه وتوجيهه بشكله الصحيح بعيدا عن التدخل السافر من قبل دول الجوار ومحاولة نقل ما يحدث في سوريا الى العراق وبالطبع فهي مهمة شاقة على البعض بأعتباره يقدس الأخفاقات في سلوك الجماهير وعلى البعض الأخر كونهم يرون فيها عبثا لا يجدي نفعا او ربما يعود عليهم بالضرر .في البداية لابد ان نتفق على ان هذه الظاهرة لها خلفياتها التأريخية التي سببت حدوثها بأعتبارها تتحرك ضمن نسق معين يتفاعل بتوفير العوامل الملائمة وعلى ذلك لابد من قرائتها بأعتبار شيئين اثنين هما.
– قراءة التأريخ بأعتباره كلا لا يتجزأ, حيث يمثل تأريخنا المعاصر واحدة من مراحله التي لا تنفك عنه بمستوى امتثال الأشكالية التي يعيشها الفرد المعاصر هي نفس الأشكالية التي عاشها اقرانه في الحقب التأريخية المنصرمة ولكن بتبادل الأدوار والنتائج .
– لذا ما يتمخض عنها من غضب عارم نتيجة المصادرات التي يبديها الأخر المستبد وسلبه لحقوق الشعب أخذ يشكل حاجزا نفسيا يقف دون التسليم والأيمان بأصلحية أجهزته بكل قطاعاتها بل تعدى ليشكل رقابة فعلية لسلوك العدد الكبير ,من البرلمانيين والوزراء الذين لا يفهمون ماهي السياسة ولا يدرون ماذا يعاني المواطن البسيط’ فيما يحكم التباين في الأدوار عاملي الزمان والمكان وهو في ذاته لا يؤكد فوضوية الجماهير , وأنما يعكس لونا من الأخفاقات السلطوية حيث تكررت مأساة الشعب العراقي مرة اخرى على ايدي من تعذبوا بنيران النظام السابق.
الثاني ان الأنبثاق الحقيقي للأحتجاج هو مصادرة الحريات في ممارسة الأدوار السياسية والأجتماعية والأيديولوجية ,خلال حقب مختلفة وأدوار متباينة وعدم تناغمها مع أيديو لوجيات الأخر المستبد ,بيد انه لا يمنع ان يحصل ضمن المنظومة نفسها وهو امر جلي بين ,فالعديد من علمائنا تلقوا الهجوم من اقرانهم قبل ان يتلقوه من خصومهم البارزين , على هذين المحورين يمكن ان نلحظ ان ظاهرة الأحتجاج أمر له مقوماته التأريخية وأثاره النفسية التي تتفاعل مع الأجواء الأستبدادية والتي كونت جدلية بينها والتظاهرات , التي تنشط في الأجواء ذاتها .
فالكفاح بالبندقية والقلم والتظاهرة والمنبر خلال الحقب التأريخية المتفاوتة تشكل تراثا غنيا لأحتجاجاتنا المعاصرة ,
وقد افرطنا على كونها مظلوميات هدفها الأول والأخير تفعيل المشاعر بغية هطول المدامع واننا امة مظلومة ,
ولكن استعراضنا للتاريخ يبرر لنا مواقفنا الأخفاقية , فقرائتنا للتأريخ ولتراثنا بالذات قراءة خاطئة وهو امر يشاركني فيه الكثير .
فحتى نصوغ التراث بأعتباره كلا لا يتجزأ ثم العمل على الأستفادة من المواقف المنصرمة لتصحيح المسارات الجماهيرية وأجتناب المنعطفات التي وقع فيها أقراننا الماضون للأستفادة نفسها وهو خلاف القراءة الجزئية التابعة للميولات والمبتغيات الذاتية والتي تفسر الوقائع تبعا لنتاجاتها لتبرير الهزيمة مرة ,ولتضليل التقاعس اخرى .
ودون ريب فأن تحقيق الثورة – الثورة بكل اشكالها السياسية والأجتماعية والثقافية والفكرية –مقرون بتوفير العاملين السابقين (التراث والمعاصرة) والأول ثابت كونه مواد أولية للأستخدام فيما يحكم الثاني التأخير بأعتباره حلقة الوصل بين التراث والثورة .
وما يجري على ساحتنا العراقية اليوم هو عدم السعي نحو تصحيح الخلل الموجود في الألية المتبناة لتحقيق الثورة .
وطريقة التفكير التي يعتمدها العاملون والتي تفتقد في منهجها الى أدنى مراحل الموضوعية .
فأصبح كل شيء في العراق مباح او هكذا اصبح مع مرور الزمن ,فحرمات الناس وحريتهم ومنازلهم وأموالهم وغير ذلك كلها مباحة مستباحة .
والحرية نعمة تمتع بها العراق لسنوات قصيرة حتى زادت عن اللازم فأنقلبت الى كارثة وناقوس خطر للمواطن المسالم .
فأن قالوا قبلنا ((أعطونا السلام وخذوا كل ما يدهش العالم))
فأننا اليوم نقول بأسم الشعب العراقي للذين يريدون قتل العراق وشعبه وتحويله الى اتون مشتعل يحرق جميع من يعيش فيه ((أعطونا السلام وخذوا كل شيء حتى الحرية )) وشتان ما بين الحرية الحقيقية والفوضى المسماة بالحرية التي يمارسها العراقي على أخيه في الوطن الواحد.!!!!!!