وماذا بعد، دخلت المظاهرات والاحتجاجات الأسبوع الثالث باندفاع اكبر عما بدأت به وبمشاركة كبيرة وبشعارات واضحة وبسقوف أعلى من المطالب وبتأيد متزايد من العراقيين في الجنوب والشمال بالرغم مما قيل وسيقال حول هذه التظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت بعض المحافظات العراقية ووصل مداها قلب العاصمة وربما تصل ارتداداتها باقي المحافظات، من أنها لم تكن عفوية وان تم الإعداد لها مسبقا وان التحضيرات اللوجستية تثبت هذا الادعاء وان هذه التظاهرات تحمل أجندات دول إقليمية، وإنها ذات صبغة طائفية فئوية ومسيسة من جهات من داخل العملية السياسية أوجهات محظورة من خلال الشعارات والصور والأعلام التي رفعت ،إلا إن الواقع يقول أنها فرضت نفسها على الشارع وولدت أزمة خطيرة اشد من كل الأزمات التي عصفت بالعملية السياسية وهي تنذر بتداعيات في غاية الصعوبة ربما تؤدي إلى انهيار العملية السياسية أو تهديد السلم الأهلي لحساسية الموقف في ظل وضع امني هش. صحيح دخل على خط الأزمة بعض العقلاء والحكماء لتعديل مسار التظاهرات وتوظيفها إلى مطالب مشروعة وتخفيف حدة الخطاب الطائفي والفئوي مثل العلامة عبد الملك السعدي والسيد مقتدى الصدر ومشاركة شيوخ عشائر من الجنوب إلا إن الأزمة لازالت متصاعدة.
من كان يلعب على عامل الوقت في انتهاء الاحتجاجات أصبحت الصورة أمامه كاملة وتيقن أن الوقت لم يعد لصالحه، ومن كان يهمس في إذن رئيس الحكومة من جهابذة المستشارين بأنها فقاعة زائلة حجب وجه بيديه خجلا.
والسؤال الذي يجب أن تحضر له إجابات حقيقية ،لماذا استمرت المظاهرات والاعتصامات كل هذه المدة والإصرار على البقاء إلى النهاية ؟ ومن كسب الجولة المتظاهرون أم الحكومة ؟
يمكن القول بان الإعداد الجيد والتنسيق بين ساحات التظاهر والاعتصامات والانضباط العالي ساعد على ديمومتها ، بالرغم من إن وسائل الأعلام عدا القليل قد تجاهلها وخاصة في الأيام الأولى من انطلاقها إلا إنها استطاعت أن تتجاوز المواقف لتكون الحدث الأول في الأسابيع الماضية وغطت على كل نشاطات الحكومة والبرلمان ، مما أعطى دافعا قويا لمنظمي التظاهرات بالاستمرار ، وكانت المشاركة الواسعة التي قد تكون قد فاجأت حتى المنظمين عامل مساعد آخر.
الحكومة بخطوات بطيئة حاولت تستوعب الأزمة من خلال تشكيل لجنة الحكماء التي قامت ببعض الإجراءات وخاصة المتعلقة بالمعتقلات إلا إن التعتيم الذي أحاط باللجنة يؤشر على ارتباك حكومي واضح فضلا عن عدم استطاعة اللجنة أن تجعل من نفسها وسيط مقبول فتاهت بين الشكاوى والمقابلات والملفات . ثم قامت الحكومة بإرسال ممثلين عنها من المسؤولين المنحدرين من تلك المناطق لبيان المطالب وتهدئة الوضع وكان هذا سوء تقدير من الحكومة لان سبق وان بينا في مقال سابق بان هذه التظاهرات قد وقعت نهاية القائمة العراقية وان رموزها أو من كانوا رموزها لم يعد لهم صوت يسمع. وربما تيقنت الحكومة ذلك مؤخرا حين شكلت لجنة وزارية برئاسة النائب الأول لرئيس ا لوزراء للالتقاء بالمتظاهرين ومحاولة أيجاد الحلول المناسبة وفق القانون والدستور. والمتابع للأحداث يتبين له بان المتظاهرين كسبوا الجولة بسبب بطئ الحكومة وارتباكها وعدم إدارتها للازمة كما ينبغي وبالمقابل كسبت المظاهرات شرعية مطالبها من خلال التنظيم والإصرار وخاصة بعد حظيت يتأيد المرجعية الرشيدة ومطالبتها الحكومة بتنفيذ المطالب المشروعة . نزع فتيل الأزمة يتطلب الإسراع في إجراء الاصطلاحات بكل جدية من قبل الحكومة ومجلس النواب والسلطة القضائية قبل أن تستفحل وتلحق الأذى بالعراق والعراقيين.