19 ديسمبر، 2024 12:45 ص

اللجوء .. الى المنطقة الخضراء

اللجوء .. الى المنطقة الخضراء

لم يرتبط إسم المنطقة الخضراء تلك البقعة الجغرافية في وسط العاصمة بغداد والتي مارست منها سلطات الاحتلال بعد 2003 حكم العراق وكل الحكومات التي اعقبتها, بالخضرة ومايوحي اليه اللون الاخضر من بهجة وأمل, بل على العكس كانت تلكم التسمية رمزا لكل ما اصاب العراقيين من بلاء وفرقة وهوان, تلك المساحة التي تضم بين حدائقها ديوان الحاكم وسفارة أمريكا , وقصور كل السياسيين واصحاب النفوذ وتضرب من حولهم طوقا يحميهم من الشعب الذي يحكموه ..
إعتبر البعض نتائج الانتخابات العراقية فرصة وجب استغلالها للخروج من الحالة التي وصلت اليها البلاد وفرصة لمحاربة الفساد وللخروج والتقدم خطوة بعيدا عن الاحتقان كنتيجة حتمية للمشروع الطائفي .
تَصَدُّر قائمة سائرون التي يتزعمها السيد الصدر يعود بنا بالذاكرة الى فوز قائمة العراقية بزعامة د. أياد علاوي في 2010, ولكن الفيتو الايراني والضغط الامريكي كان لهما شأن آخر ترك تداعيات كارثية لازالت تعاني منها البلاد .
ليس هناك تصدر بالمعنى الحقيقي فالانتخابات افرزت اربع قوائم متقاربة في النتائج كانت على راسها سائرون, ولا تستطيع أي منها منفردة من تشكيل الحكومة, وما التصدر هنا سوى ضجيج إعلامي ودعائي, بعض القوائم الاخرى والتي حلت بالمرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد التي حصلت عليها ربما ستشكل ثقلا كبيرا ومؤثرا في ترجيح كفة التكتلات القادمة لتشكيل الحكومة وشكلها .
الاحزاب الكوردية مجتمعة رغم “تعددها” حصلت على أكثر من ستين مقعدا ولولا ذلك “التعدد” لكانت حصلت على أكثر من ذلك بكثير, ورغم ذلك فهو رقم سيكون له تاثير كبير إن قرروا ” الكورد ” مجتمعين ان يعملوا تحت مظلة جامعة, ويدعموا جبهة معينة واحدة بعينها, وهو امر ليس ببعيد, أن يسمو الاكراد فوق خلافاتهم, فلطالما راينا تلكم الاحزاب وعبر تاريخ النضال الكردي الطويل تضع خلافاتها جانبا إنتصارا للقومية والمصير المشترك .
ربما ستلجأ إيران الى إعادة نفس سيناريو انتخابات 2010 , والضغط باتجاه تشكيل جبهة من القوائم والاحزاب الموالية لها وبحماية المليشيات التابعة لها بهدف تشكيل الحكومة الجديدة وفرضها لتكون امرا واقعا على كل العراقيين وكما هي عليه الحال دوما .
لطالما وجد الامريكان والإيرانيون وسائلاً وسبلاً للتوافق حول ادارة شؤون العراق ومنذ 2003 ليبقى مثالا “للديمقراطية” وتدوال السلطة كل حسب مفهومه وبما يخدم مصالح الطرفين, ولكن ربما الحال مختلف اليوم عما كان عليه في الماضي من خلال التغيُّر في السياسة الامريكية تجاه ايران وانسحابها من الاتفاق النووي وأعادة العقوبات التي كانت مفروضه عليها, والتهديد بزيادتها وتشديدها, وهو أمر وكما يبدو لن ينصاع له النظام الايراني بل ربما سيمضي في مشروعه الى الامام وخصوصا بعد فوزه الكبير في الإنتخابات النيابية بلبنان والتي تمثل المحطة الاخيرة والمعلنة في مشروعه الجيوسياسي ” تصدير الثورة” , ومايتبع ذلك من الاستماتة في الحفاظ على المكاسب التي حققها النظام على الارض في سوريا بإعتبارها حلقة وصل مفصلية ومصيرية في نجاح مشروع الهلال الفارسي, وهو مايرجع بها للدفع الى وجوب تكريس إستمرار الحالة الطائفية والسياسية في العراق بشكل يضمن لها الولاء المطلق ..
تحالف سائرون وزعيمه الصدر يضم تيارت مختلفه ومتباينة في نهجها الفكري ولكنهم يشتركون في هدف معلن وهو الحرب على الفساد, وللتيار الصدري ذراع عسكري مسلح “سرايا السلام” لها تواجد فاعل في عدد من المحافظات, والسيد الصدر على علاقة وطيدة بايران ولكنه يرفض التبعية لها كما يسوق لنفسه ويؤكد دوما وفي كل المناسبات, فهو يدعو لمحاربة الفساد ومحاربة التحزب والطائفية وان تكون الهوية الوطنية هي المظلة الوحيدة والعلاج للخروج من كل الازمات والمشاكل, من خلال حكومة تكنوقراط او كفاءات وطنية, وتعهد أن تكون حكومة “أبوية” وربما يقصد بها ان ترعى كل العراقيين دون تمييز,تلك الثورة التي جعلته زعيما شعبيا لدى فئات كثيرة ومختلفة لتصطف معه بعض القوائم الاخرى والتي يتزعمها سياسيون ورجال حكم يدَّعون ان لديهم نفس الاهداف ولكن الشعب طيلة السنوات الماضية لم يرى منهم شيئا سوى الكلام .
هناك بون شاسع بين المعارضة والوعود الكلامية وواقع الحكم , وهو أمر شديد الخطورة والتعقيد , فلن يكون هناك أي ممارسة ديمقراطية او جبهة وطنية “قافزة” فوق الطائفية ومحاربة للفساد والتردي الاقتصادي والاجتماعي في ظل ..
– وجود قوة عسكرية موازية ورديفة للجيش كنموذج آخر للحالة اللبنانية.
– تمتع معظم الذين تلاحقهم ملفات الفساد بحصانات سياسية تحمي حرياتهم وتمنع مسائلتهم, والانكى من ذلك كله يرفعون اكفهم بوجه الشعب في تحد مستفز واصابعهم ملطخة بالحبر الانتخابي .
– غياب العدالة والشفافية وتسييس القضاء .
ربما يرى البعض ان الأمر يحتاج الى ثورة حقيقية على الواقع وليس عملية ترقيع أو تبديل وجوه وتبادل للأدوار فهذه كلها لن تؤدي سوى الى المزيد من الفوضى .
كل التحالفات التي ستنشأ بين القوى والقوائم بهدف الفوز بتشكيل الحكومة ستكون لها مطالب ومصالح وحقائب ومناصب وزارية ودبلوماسية وسيادية ومراكز نفوذ في مؤسسات ومرافق مختلفة , وهو أمر محتوم, وسيكون معوقا لاي خروج من الحالة المرضية المزمنه وهو ما تعيه وتلعب عليه جيدا كل القوى .
من سيتحالف مع من, هو الذي سينبيء بشكل ومضمون الحكومة القادمة ..
ولكن ورغم كل شيء فواقع الحال ينبيء ببداية مرحلة وصحوة جديدة في تاريخ العراق السياسي, فمقاطعة الانتخابات كانت تعبيرا حقيقيا عن تفاعل شعبي وجماهيري ياخذ شكلا اجتماعيا جديدا من اشكال التمرد ورفض الواقع وبطريقة حضارية وسلمية, وهي ثورة لاجل التغيير لها جذور وممتدة وعميقة نتيجة الظلم الاجتماعي وغياب ابسط اشكال العدالة الاجتماعية والتي غابت طويلا, فقد شبع الشعب وسأم من كثرة الشعارات وأكشاك الوطنيات .
مؤيد رشيد / كاتب وباحث