19 ديسمبر، 2024 1:51 ص

الانتخابات والمقاطعون

الانتخابات والمقاطعون

هذه المقالة ستتضمن موضوعين، «الانتخابات والمقاطعون»، ثم «الانتخابات والشيعة».

الانتخابات والمقاطعون:

مع احترامي لمن تبنى المقاطعة كحق دستوري، ومعبرا عن موقف واع ضمن حسابات، قد نختلف معه فيها، وقد تصيب وقد تخطئ، ولا أعني عدم المشاركين بسبب اللامبالاة، بل كلامي عن متخذي قرار المقاطعة عن وعي، وبسبب رفضهم لكل سيئات العملية السياسية من تسييس للدين وطائفية سياسية ومحاصصة وفساد مالي وإداري؛ أقول مع احترامي لهكذا قرار، قرار المقاطعة الواعية، إن المقاطعة لم تحقق هدفها. بل بتقديري إنها أضرت أكثر مما نفعت. لأني أحتمل إن معظم المقاطعين هم الرافضون للقوى السياسية المتنفذة السيئة. وبالتالي فهم يمثلون أصواتا ضائعة كانت ستكون لصالح القوى الديمقراطية العلمانية والمدنية الكفوءة والنزيهة. فإذا احتملنا أن نصف المقاطعين أي 23% من الناخبين كانوا سيصوتون لهذه القوى، سواء صوتوا للمرشحين الشيوعيين في (سائرون)، أو لمرشحي التحالف الديمقراطي المدني، لاسيما لمرشحي التيار الاجتماعي الديمقراطي، أو للجيدين من مرشحي تحالف تمدن، وتحالف الوطنية، أو المدنيين الكفوئين في (النصر)، لكانت المعادلة غير التي أفرزتها الانتخابات مع مقاطعة 56% من الناخبين. فقد خسرت بذلك القوى الديمقراطية العلمانية أو المدنية النزيهة والكفوءة أصوات 23% من الناخبين، أو بأي نسبة أخرى من مجموع الـ56% من المقاطعين أو عدم المشاركين، سواء أقل أو أكثر من الـ23% المفترضة التي تمثل النصف. طبعا الـ56% تشمل الذين أرادوا أن يشاركوا وحرموا من المشاركة لأسباب عديدة، سواء عمدا أو خطأ، ودون أن ننكر إن الانتخابات شابها ما شابها من شوائب التزوير أو العطل في الأجهزة أو غير ذلك.

شخصيا لست حالما، ولا مبالغا بالتفاؤل، بل لعلي فيما يتعلق الأمر بمديات المستقبل المنظور أقرب إلى التشاؤم مني إلى التفاؤل، ولكن الذي يعيش تشاؤم تشخيص الواقع، يجب ألا يتخلى عن تفاؤل إرادة التغيير والتصحيح والإصلاح.

الانتخابات والشيعة:

وحيث إننا علمنا إن أغلب المقاطعين هم من الشيعة، فهم قبل غيرهم مطلوب منهم أن يقوموا بثورة، لا ثورة بمعناها الحقيقي ضد النظام السياسي، بل ثورة بتصحيح مفاهيمهم، وثورة على السياسيين الذين أساؤوا إلى العراق وإليهم بشكل خاص، لأنهم ادعوا تمثيلهم وتمثيل مذهبهم ومصالح طائفتهم. وهذه الثورة يجب أن تتضمن، إن حريتهم وحقهم في إقامة شعائرهم ليسا مهددين، إذا لم ينتخبوا على أساس الانتماء الطائفي، وإن مقاطعة المقاطعين منهم، لن تصلح الحال. ليمارس شعائره بكل حرية من يشاء منكم، وليشرب الخمر من يشاء، ليصلِّ من يشاء، وليترك الصلاة من يشاء، ولكن لا هذا ولا ذاك يبني وطنا، يجب أن تعوا إن اللطم والبكاء على الحسين والمشي إلى الأئمة والصلاة والصيام حقوق مكفولة، لكن كلا منها يمثل شأنا شخصيا، وهكذا عدم ممارسة الشعائر، بل عدم الإيمان بها ولا الإيمان بالإمامة والعصمة والشفاعة، هو الآخر أي الإيمان بما يؤمن به المواطن هو شأن شخصي أيضا، وهو مكفول حمايته أيضا من الدولة حسب الدستور، وكذلك شرب الخمر وممارسة المحرمات الدينية مكفولة حريتها وهي شؤون شخصية. المحرم وطنيا ودستوريا هو التجاوز على الحق العام والصالح العام وعلى الحقوق والمصالح والحريات الخاصة للمواطنين الآخرين. وكم من قائل بأن حاكما (كافرا) عادلا خير من حاكم مسلم ظالم، مع تحفظي على نعت الكافر لغير المسلمين، ومع تحفظي على أن الانتماء أو عدم الانتماء إلى دين ما يمثل قيمة.

أنتم تشكلون أكثرية الشعب العراقي، وتخليكم سياسيا ووطنيا عن التمذهب، وبالتالي عن التشيع، دون تخليكم عنه عقائديا ومناسكيا، هو الذي يحفظ الوطن، ويحفظ مستقبلكم كما يحفظ مستقبل كل العراقيين، إخوتكم في المواطنة وفي الإنسانية عملا بمقولة إمامكم علي في عهده إلى مالك الأشتر «إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق».

وقد انتبه إخوتكم السنة لاسيما أهل الموصل إلى عدم فائدة التخندق الطائفي سياسيا، فكانوا الأكثر ابتعادا عن الطائفية. أنا لست شيعيا ولا سنيا، لكني حريص عليكم كمواطنين، كما حريص على السنة كمواطنين، وهكذا على مواطنينا المسيحيين والإيزيديين والمندائيين والبهائيين وغيرهم.

العلمانية الديمقراطية تصون الدين كحق شخصي لكل مواطن، ولكن تصون الدولة والصالح العام من تعريضهما للإساءة من خلال تسييس الدين وتسييس المذهب، ومن خلال أدينة ومذهبة السياسة. لكل ميدانه. السياسة بناء وطن، السياسة رعاية للمواطن بقطع النظر عن دينه ومذهبه وقوميته، السياسة ليست أصولا خمسة أو أصولا ثلاثة، ولا السياسة الشهادة بشهادتين ولا بثلاث شهادات، والسياسة ليست أركانا خمسة أو عشرة، ليست صلاة وصياما وحجا، والسياسة ليست زيارات ومشي على الأقدام ولطم وندب، السياسة تعني رعاية حرية كل ما ذكر، وهي تعني عدالة اجتماعية، وتعني رفع مستوى الفقراء، وتعني خدمات صحية، وتعني رعاية اجتماعية، وتعني خطة اقتصادية تنموية علمية، وتعني شبكة مواصلات عامة بالقطارات الحديثة بين كل مدن العراق، وشبكة مواصلات عامة حديثة داخل المدن، لاسيما المدن الكبيرة، السياسة تعني استثمار الطبيعة من أهوار وجبال واستثمار التراث والحضارة الضاربة في القدم لسياحة متطورة، وتعني السياسة علاقات حسنة مع دول الجوار وسائر دول العالم دون السماح بتدخلها في شأننا الوطني الداخلي، مع عدم تدخلنا في شؤونها، السياسة تعني الأخذ بالوطن على طريق التقدم في جميع المجالات، للحاق بركب الدول المتقدمة. وهذا ليس شغل الذي يصلي أو الذي لا يصلي، ولا شغل الشيعي أو شغل السني، بل شغل الكفوء النزيه الذي يهمه الوطن قبل كل شيء.

أحدث المقالات

أحدث المقالات