17 نوفمبر، 2024 9:36 م
Search
Close this search box.

التسول … حاجة أم تجارة ديمقراطية

التسول … حاجة أم تجارة ديمقراطية

أصبحت ظاهرة التسول بعد الإحتلال ، من أمراض المجتمع وأدرانه الطافحة في الأزقة والشوارع والتقاطعات ، وتعدى ذلك إلى طرق الأبواب في كل الأوقات وخاصة عند مدفع الإفطار والأعياد ، وبغض النظر عما أنشأته مافيات الفساد من فرق المتسولين ، وإدارة شؤونهم بدءا من مسؤولية إيوائهم ومعيشتهم ونقلهم وتوزيعهم على مواقع منتخبة من خارطة التسول الإجباري ، ومن ثم إستغلالهم في كل مجالات الخسة والدناءة إجتماعيا وإقتصاديا وأمنيا ، نجد تنصل وتهرب السلطات من مسؤولياتها المحددة بما نصت عليه المادة (29) من الدستور ، حيث :-

أولا-أ- الأسرة أساس المجتمع ، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية .

ب- تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة ، وترعى النشئ والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم .

ثانيا- للأولاد حق على والديهم في التربية والرعاية والتعليم ، وللوالدين حق على أولادهم في الإحترام والرعاية ولا سيما في حالات العوز والعجز والشيخوخة .

ثالثا- يحظر الإستغلال الإقتصادي للأطفال بصوره كافة ، وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم .

رابعا- تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع .

وربما تكون نصوص الدستور صحيحة ومتطابقة مع متطلبات الواقع ، في ظل دولة قائمة بمؤسساتها وعلاقاتها التنظيمية على حسن السلامة الفكرية والرسوخ التطبيقي ، أما بعد إحتلال العراق في 9/4/2003 وحتى الآن ، فقد تم تفكيك كيان الأسرة بعوامل قذرة ، حين أتخذت المعتقلات والسجون العلنية والسرية بديلا عن بيت العائلة ، وسبيلا لتحقيق غايات وأهداف شاذة وهدامة ، وذلك بنزع روابطها وإبعادها عن مكان وزمان بنائها ونموها وتطورها الطبيعي ، كما تم تفتيت القيم الدينية بتحويلها إلى صور وممارسات سياسية مهلكة ، جندت لها السلطات كافة إمكانياتها العامة بهدف إستفزاز وإستنفار قوى الرفض لدى الآخرين ، كما ساعدت البطالة التي أصابت مقتل قدرات وإمكانات القوى العاملة ، على إنعاش الشعور بالإحباط من مستقبل غير واعد بتلبية حاجياته الأساسية ، مما زاد في نسبة إستخدام وسائل وسبل توفير المتطلبات بشكل غير سوي ، وبإتجاه بناء السيء من العلاقات الإجتماعية ، لإبتعادها عن المتعاهد من روابط نسيجها وتآلفها الإنساني والأخلاقي ، أما القيم الوطنية فلا أثر لها في ظل محاربة معاني ومفاهيم المقاومة الوطنية العراقية لقوات الإحتلال بكل أشكالها وألوانها وأنواعها ، وفي وسط بثت فيه الفرقة بين أبنائه عوامل إشعال نار الفتنة المذهبية في عامي 2006-2007 بشكل خاص ، ولربما قد يحصل في المستقبل ما يضرم نار حرب أخرى ، من أجل التفرد أو الحفاظ على مقاليد السلطة أيا كان شكلها أو نوعها ، ما دام هنالك من يستجدي رضا وود هذا أو ذاك من دول الجوار القريب أو البعيد على حساب مصلحة الوطن والشعب .

إن علينا النظر إلى معضلة التسول الإجباري من زاوية الفقر المدقع والتفكك الأسري الذي أحاط بالمواطن العراقي ، على الرغم من كونه من مواطني إحدى الدول الغنية ، التي نص دستورها قبل المادة (29) المذكورة آنفا ، ما نصت عليه الفقرة (أ) من البند الثاني عشر من المادة (19) منه بأن (( يحظر الحجز )) ، تمهيدا لبشائر الخير الذي نادى بها سعاة الشر والخراب الوطني ، مما يتحتم بيان خطأ حظر الحجز بالشكل المطلق الذي نص عليه الدستور ، لما في ذلك من عدم التجانس والتناسب مع ضرورات الحجز المحددة ، باعتباره من التدابير والإجراءات الإحترازية السالبة للحرية أو المقيدة لها ، وقد يكون سالبا لحقوق التصرف المادي ، وهو من العقوبات التبعية التي تلحق بالمحكوم عليه بحكم القانون ، ويستخدم بصفة الإيداع لغرض التدريب أو التأهيل بالنسبة للأحداث ، أو في دار للتشغيل أو ملجأ أو دار للعجزة بالنسبة للمتسولين ، أو يكون في مأوى علاجي أو إحدى المصحات للأمراض العقلية تجنبا لحصول الضرر العام أو الخاص ، بالنسبة للمصابين بأمراض عقلية أو نفسية خطيرة .

ولا نعلم سببا وجيها لحظر الحجز ومنعه مع وجوب المحافظة على الضرورات الخمس للإنسان ( الدين والنفس والعقل والعرض والمال ) ، إلا إذا تجاوزت الحكومة حدود الحاجة الضرورية واللازمة لذلك ، على الرغم من زيادة حجم البطالة وعدد العاطلين بشكل مضطرد ، مع إنتشار المجانين والمتسولين في شوارع ومدن العراق ، بسبب الإهمال الشديد لدور الرعاية العامة والخاصة ، ومأساة المودعين في دار الحنان قريبة الصورة للأذهان بعيدة عن النسيان.

لقد قسم قانون العقوبات الجرائم من حيث طبيعتها إلى عادية وسياسية ، ومن حيث جسامتها إلى جنايات وجنح ومخالفات ، وقد يجهل الكثيرون ومنهم كتبة الدستور ، أن قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969(1) ، يعاقب وبموجب مواده (390/391 /392) على التسول بالحبس لمدة لا تزيد على شهر واحد لمن أتم الثامنة عشرة من عمره وكان له مورد مشروع يتعيش منه ، أو كان يستطيع بعمله الحصول عليه ، ووجد متسولا في الطريق العام أو في المحلات العامة ، أو دخل منزلا بدون إذن أو محلا ملحقا به لغرض التسول ، وبالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر ، إذا تصنع المتسول الإصابة بجرح أو عاهة ، أو استعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الخداع لكسب إحسان الجمهور ، أو كشف عن جرح أو عاهة ، أو ألح في الإستجداء ، ويجوز للمحكمة استبدال عقوبة السجن بالإيداع المذكور فيما تقدم ، ويطبق على من لم يتم الثامنة عشرة من عمره أحكام مسؤولية الأحداث ، كما يعاقب بذات العقوبة من أغرى شخصا لم يتم الثامنة عشرة من عمره على التسول ، وتكون العقوبة لمدة لا تزيد على ستة أشهر إذا كان الجاني وليا أو وصيا أو مكلفا برعاية أو ملاحظة ذلك الشخص ، وفي كل الأحوال والأوقات لا ينبغي حظر الحجز لأي سبب كان ، لما يشكله من تشجيع على إشاعة وإنتشار مظاهر الإدانة التي لا تليق مع أبسط مقومات النهوض والتقدم الإجتماعي والحضاري ، لبلد يسعى إلى تجاوز كل تلك الخروقات بسلطة القانون وسلطان القضاء .

أما من الناحية الدينية والشرعية ، فإن ما تعرض له القانون من حالات تتطابق ونهج الشرع الحنيف في النهي ، كما نحن مأمورون بعدم نهر السائل ، إلا إننا ملزمون بالبحث عن شديد الحاجة والعوز ، من الذين تحسبهم أغنياء من التعفف ، والأقربون أولى بالمعروف ، وعلى أن لا نتبع ذلك بالمن والأذى ، وعلى (الدولة) القيام بواجباتها بالشكل الذي يؤمن تنفيذ النصوص الدستورية والقانونية ، بدقة تتناسب ومسؤوليتها التأريخية في التربية وإحترام التقيد بالنظام العام والآداب ، بدلا من إجازة توجه عناصرها إلى ممارسة التسول الديمقراطي ، حين يسمح للمرشح في الإنتخابات بالتسول وبالتوسل الذليل أو بالوعد الكاذب أو بشراء صوت الناخب الفقير أو الساذج بدراهم معدودة ؟!، أو بالإعتداء على الحق العام بتزوير الإنتخابات ، بشتى وسائل وأساليب التضليل والغش والخداع ، إلى حد القبول بسقوط آخر قطرة حياء إستقرت على الجباه خجلا من الحياء ، ومن ثم السير في وسط الناس بدون أدنى صفات وسمات الخجل والحياء المطلوبين بحدهما الأدنيين ، وإن أصبح الفائز الخاسر نائبا أو وزيرا أو صاحب شأن في تيار الصدفة والفرصة الأخيرة ؟!، وما تخبط وفوضى الخاسرين من أعضاء مجلس النواب في شهرهم الأخير ، إلا سقوط بمهاوي ما صنعوه وعلى أيدي من منحوه الثقة قبل وخلال وبعد الإنتخابات ، وإلا صب للزيت على نار نتمنى أن تلتهم أرواح وأنفس وأموال أولهم وآخرهم ، وأن يجنب الله سبحانه وتعالى ، تداعيات مكر توسلهم وتسولهم وتشبثهم وتمسكهم بما لا يستحقون ، وأن يخرج العراق وشعبه الأصيل من بين قبضة أيديهم سالمين …

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (1778) في 15/9/1969 .

أحدث المقالات