أولا : مقدمة :
ان مقدمة القصيدة ( اليوم هم ذلك اليوم ) فضحت مكنونها … فاليوم هو ليس ( هذا ) اليوم بل هو ( ذلك ) اليوم مما يعطي القصيدة بعدا زمانيا و مكانيا ،و مما يدخل شيئا من الياس المتأصل بحياة شخص ينتظر فناءه بأية لحظة . تحاول هذه الدراسة الوجيزة بيان البنيوية الاسلوبية للقصيدة و مدى دعمها للفكرة التي يريد نيرودا نقلها لذهن المتلقي .
ثانيا : من هو بابلو نيرودا ؟
الشاعر بابلو نيرودا هو شاعر تشيلي الجنسية ويعتبر من أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيراً في عصره، ولد في تشيلي عام 1904و يعتبر من أفضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم . كان ذو إتجاه شيوعي متشدد، كما يعد من أبرز النشطاء السياسين، كان عضوا بمجلس الشيوخ وباللجنة المركزية للحزب الشيوعي كما أنه مرشح سابق للرئاسة في بلاده. نال نيرودا العديد من الجوائز التقديرية أبرزها جائزة نوبل في الآداب عام 1971 . توفى عام 1973 .
ثالثا : القصيدة .
قصيدة ( هنالك يوم آخر ) هي احدى مجموعة قصائد غنائية سميت كانتونات و عددها ( 28 ) و كتبها خلال ايام قبل وفاته الوشيكة .. يحاول الشاعر من خلالها السفر لجذوره العميقة مستحضرا عبق تشيلي و شعبها و تاريخها … يشير برمزية لسكان تشيلي الأصليين ( الهنود الأراوكيين ) و كيفية استعباد الغزاة لهم حتى اصبحوا كقيثارة مغلفة بالكاربون .. القصيدة تمنح قارئها صورا من طفولة نيرودا و مشاهد و رائحة السوق .
ان القصيدة حبلى بالحنين للوطن ، و محاولة السفر الذاتي ( لكونه في وطنه ) سفرا يعبر الجغرافيا و الخرائط ليصل الى وطن بريء لم تدنسه أقدام الغزاة … هناك حيث يفترض أن تمطر السماء براءة و طهرا .
رابعا : الدراسة الاسلوبية .
ان كلمة الاسلوبية ( stylistics ) هي فرع من علم اللغة التطبيقي و الذي يعرف الأساليب و التنوعات المختلفة في اللغات . يعرف ويدوسون ( 1975 : ص 3 ) الاسلوبية بأنها دراسة النص الأدبي من ناحية لغوية . بينما كارتر ( 1989 : ص 14 ) يرى بأن الاسلوب يعتمد بشكل عام عاى المستويات اللغوية . و يقول ليتش ( 1969 ) بأن الاسلوب هو الطريقة التي يقال ، يكتب أو يؤدى بها شيء ما . و وفقا لكاندلن ( 1989 : ص 183 ) فان الاسلوبية هي طريقة لغوية لدراسة النصوص الأدبية . و نستنتج مما تقدم من آراء أن الاسلوبية هي تجسيد للوحدة بين الجوهر المعنوي و شكله البنيوي .
و أي دراسة اسلوبية تستند على مستويات تحليلية ثابتة و هي :
1- المستوى الكتابي . ( النقيط و التفريز )
2- المستوى الصوتي .
3- المستوى الصرفي .
4- المستوى المفرداتي .
5- المستوى النحوي .
6- المستوى الدلالي .
7- المستوى التداولي .
خامسا : هدف الدراسة .
تحليل المستوى المفرداتي أو القاموسي ( lexical level ) للقصيدة و تحديدا استخدامات الفعل الرئيسي بها لمعرفة مدى تناسب البنيوية اللغوية – من ناحية استخدام الفعل الرئيسي – مع الفكر التي يروم الكاتب اظهارها لقارئيه .
سادسا : التحليل
لقد قسم نيرودا قصيدته ( هنالك يوم آخر ) لثلاثة وصلات شعرية ( stanzas ) و تكونت الوصلة الأولى من ستة سطور ، بينما تكونت الثانية من تسعة سطور ، و تشكلت الثالثة من ستة سطور أيضا .
عدد كلمات القصيدة الكلي يتراوح بحوالي 162 كلمة .. تنوعت بكونها أفعال ، اسماء ، صفات ، ظروف ، ضمائر ، حروف جر ، اسماء اشارة …. الخ .
و عند احصاء عدد الأفعال وجدت الدراسة ما يلي :
1- عدد الأفعال في القصيدة كلها بلغ ( 20 ) فعلا رئيسيا من مجموع ( 162 ) كلمة … أي بنسبة ( 12.3 % ) .
2- عدد أفعال الوصلة الاولى بلغ ( 6 ) أفعال رئيسية من مجموع ( 33 ) كلمة … أي بنسبة ( 18.1 % ) .
3- عدد أفعال الوصلة الثانية بلغ ( 9 ) أفعال رئيسية من مجموع ( 70 ) كلمة … أي بنسبة (12.8 % )
4- عدد أفعال الوصلة الثالثة بلغ ( 5 ) أفعال رئيسية من مجموع ( 59 ) كلمة … أي بنسبة ( 8.4 %)
5- عدد الأفعال الرئيسية يساوي ( أو يقارب ) عدد السطور في كل وصلة شعرية … فالوصلة الأولى عدد سطورها ست و هو نفس عدد أفعالها . و الوصلة الثانية عدد سطورها تسع و نفس عدد أفعالها . و الوصلة الثالثة عدد سطورها ست و عدد افعالها خمس .
سابعا : الاستنتاجات
1- ان الفعل هو العمود الفقري للجملة الانكليزية … و عندما يغيب هذا العمود فان الجملة تنهار . و يعرف الفعل بأنه كلمة تستخدم لوصف حدث ، حالة ، أو ظهور ما ( راندولف كويرك : 1973 : ص 26 ) . و الفعل بدلالته المعنوية هي الحركة و الحياة التي تمنح للجملة .
لقد لعبت الأفعال دورا محوريا في عكس الحالة المعنوية للقصيدة .. فالوصلة الاولى كانت هي اتفاق على كتم السر و أمل بحياة جديدة فلذلك كانت نسبة الفعل الرئيسي أكبر مما تليها من وصلات رقم ضآلة القدر قياسا بعدد الكلمات .
اما في الوصلة الثانية بدأت نسبة الأفعال الرئيسية بالانحدار لنكتشف بأن الحالة السوداوية للكاتب في تفاقم معلنة أن الشمس – رمز الحياة – و برغم وضوحها الشديد الا انها مسنة جدا و هو تبشير بالفناء .
أخيرا ، الوصلة الثالثة ، و تصل بها نسبة وجود الأفعال لأدنى مستوياتها عاكسة خمول تدريجي للنشاط و الحركة و سريان قادم للموت الوشيك … ان السماء لا تمطر ماءها الصافي كعادتها بل ماءا اسودا مربك و مرغم لا يتناغم و رغبة الشاعر العليل بتجديد عظامه السقيمة في مملكة الحبيبة .
2- لقد صيغت القصيدة بحبكة لغوية نادرة و تناسب عدد أفعال كل وصلة شعرية مع عدد سطورها و هذا دليل جلي على عبقرية نيرودا في سباكة سطوره و كلماته .
المصادر :
1- Carter ( 1983 ) What`s Stylistics and the Teaching English ? , London : Longman .
2- Leech , G.N. ( 1969 ) A Linguist Guide to English Poetry , London : Longman .
3- Quirk , R. and Greenbaum,S. ( 1973 ) A University Grammar of English , Longman : London
4- Widdowson, H.G.( 1975 ) Stylistics and the Teaching of Literature , London : Longman .
5- www.poemhunter.com
6- https://ar.wikipedia.org/wiki
ترجمة النص بقلم الباحث
اليوم هو اليوم الذي حمل
الضياء اليائس منذ أن مات .
لا تدع القاطنين يعرفون :
فالندعه بيننا ،
يوم ، بين جرسك و سري .
اليوم هو الخريف المتوفى في الأرض المفقودة
الذي يأتي لزيارتي عابرا الخريطة
من البركان الجليدي ، ليعود لي .
ليعيد المياه لمجاريها
مستلقيا فوق ذروة طفولتي .
اليوم حين أن تشرع الشمس بأشعتها
لتروي الحكاية ، واضحة جدا ، مسنة جدا ،
المطر المتساقط بميل كالسيف ،
المطر الذي يطرب له قلبي القاسي .
أنت ايتها الحبيبة لا تزالي نائمة في شهر آب
مليكتي ، سيدتي ، رحابتي ، جغرافيتي
قبلة من طين ، قيثارة يغلفها الكاربون ،
أنت ، رداء انشودتي الدائمة ،
اليوم تولدين من جديد
و قطر السماء الأسود يربكني و يرغمني :
يجب أن أجدد عظامي في مملكتك ،
يجب أن أنجز مهماتي الدنيوية .