نصت المادة (59) من الدستور على :-
أولا- يتحقق نصاب إنعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه .
ثانيا- تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة ، بعد تحقق النصاب ، ما لم ينص على خلاف ذلك .
لم يحدد الدستور مقادير الأغلبية البسيطة ، والأغلبية ، والأغلبية المطلقة ، لغرض تمييزها عن المقادير الأخرى الواردة فيه ، والمستخدمة في مقاييس الرفض أو القبول بمقدار ( 1/5 و1/3 و 3/5 و2/3 و 3/4 ) ، المقابلة لمجموع عدد الأعضاء البالغ عددهم على التوالي ( 66 و110 و197 و 219 و 246 ) نائبا ، ولإختلاف مقادير الأغلبية بأنواعها والنصاب القانوني بين دول العالم المختلفة ، فإن تحديد مقدار الأغلبية المطلقة بمقياس (1/2 + 1) من مجموع عدد أعضاء مجلس النواب ، يستند إلى الأخذ بالعرف السائد لذلك المقدار ذو الإستخدام المزدوج ، بإعتباره مقياسا لتحقيق نصاب إنعقاد جلسات المجالس والإجتماعات من عدمها ، مع إحتمالات التغير بالزيادة أو النقصان ، تبعا لنوعية الإجتماع وأهميته من حيث البحث والقرار ، وأحيانا حضور الأشخاص ذو التأثير الفعال ، كما ويستخدم في ترجيح كفة الموافقة على إتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات لعدد من الحالات ومنها التشريعات .
إن ناتج تطبيق أغلب المقادير المذكورة آنفا هي عدد غير صحيح ، يتم جبره مثلما يحدد مقدار النصاب القانوني في حده الأدنى البالغ (166) نائبا من أصل (329) نائبا ، الذي يزيد على ناتج مقادير المعايير (1/5 و 1/3) ويقل عن ناتج مقادير المعايير ( 3/5 و 2/3 و 3/4 ) من عدد الأعضاء ، مما نرى إستبدالها بالأعداد الصحيحة والمقاربة لها بضمانة هيبة التصويت بمقادير (85 و 110 و200 و220 و 250 ) عند تعديل أو تبديل الدستور ، كما إن الأغلبية البسيطة تعني موافقة (140) عضوا فأكثر من عدد الحاضرين ، بعد تحقق النصاب بحضور الأعضاء البالغ عددهم (166) عضوا فأكثر .
كما لم يحدد النظام الداخلي لمجلس النواب المنصوص عليه في المادة (51) من الدستور ، لتنظيم سير العمل فيه ، مقادير الأغلبية بأنواعها الثلاثة ، خلافا لكل القواعد والصيغ والآليات المعتمدة في بيان تفصيلات التشريعات بنظام ، ولعل من غريب إصدار النظام المذكور ، أنه من غير رقم وبدون تأريخ إصدار(1) ، وبدون منطوق السند إلى أحكام المادة (51) المشار إليها أعلاه ، هكذا كان النظام إنطلاقا من المادة (1) وإنتهاء بالمادة (152) منه ، التي حددت البدء بالعمل به من تأريخ إقراره ( المجهول ) من قبل مجلس النواب ، وبدون تثبيت إسم رئيس المجلس الذي صدر النظام الداخلي في عهده ، بإعتبار أن ذلك من إختصاصات وصلاحيات مجلس النواب .
ولعل أغرب ما نص عليه النظام هو أن ( يعاد النظر بهذا النظام ، وتغير المواد التي تتعارض مع الدستور ، بعد إجراء التعديلات والمصادقة عليها ) حسب نص المادة (150) منه ، ولا ندري كيف يمكن للمشرع أن يدون في النظام الداخلي للسلطة التشريعية ، موادا تتعارض أحكامها مع الدستور ؟!، قبل إعادة النظر فيها وتغييرها بالتعديل أو بالتبديل المطلوب قبل الإصدار ومن ثم نشرها في الجريدة الرسمية للنفاذ ، كما إن التعديل أو التبديل بعد صدور أي تشريع ، من موجبات الضرورات التشريعية اللازمة والمنسجمة مع وقائع المستجدات ، ليس لأن مواد النظام تتعارض أو تخالف أحكام الدستور فقط ؟!، وإنما لمواكبة التشريع لما ينبغي إتخاذه من إجراءات التعديل الصحيح والسليم ، مع كل ما يعنيه النص الوارد في المادة المذكورة من مخالفة دستورية وقانونية ، تستوجب إستدعاء تطبيق نص المادة (148) منه بأسرع ما يمكن من الوقت ، ولكن على غير هدى ما جاء فيها من أن ( يجوز إجراء تعديلات على هذا النظام بناء على إقتراح هيأة الرئاسة أو خمسين عضوا من أعضاء المجلس وبموافقة أغلبية عدد الأعضاء ) ، لما في نص المادة (150) من إقرار لا مثيل له في تأريخ المخالفات الدستورية ، من قبل سلطة تشريعية لا تدرك مدى خطورة الإستخفاف بالتشريعات ، ولا تقيم وزنا لإنتهاك الحرمات الدستورية ، حين تشرع نظاما داخليا تتعارض أحكام مواده مع الدستور ، وتتماهل في تعديله ، بل وتعرقل تعديله بشروط إجراء التعديلات بناء على إقتراح هيأة الرئاسة أو خمسين عضوا من أعضاء المجلس ، وبموافقة ( أغلبية ) عدد الأعضاء التي لم تحدد مقاديرها ؟!، ولم نلمس منها شيئا على مدى ثلاثة عشرة سنة عدة وعددا ولحد الآن ؟!. (2)
وبدلا من معالجة الخلل المذكور وتحديد مقادير الأغلبية بصورها الثلاثة ، يطلب مجلس النواب بكتابه المرقم (1/3/226) في 3/10/2007 من المحكمة الإتحادية العليا ، تفسير تعبير ( الأغلبية المطلقة ) الوارد في المادتين ( 76 / رابعا ) و (61 / ثامنا/أ ) من الدستور ، وفيما إذا كانت تعني أغلبية عدد أعضاء المجلس أو أغلبية عدد الأعضاء الحاضرين عند تحقق نصاب الانعقاد المنصوص عليه في المادة (59/أولا) منه . وحيث وضع الطلب أعلاه موضع التدقيق والمداولة توصلت المحكمة الإتحادية العليا إلى التفسير الآتي (3) :-
عرف دستور جمهورية العراق الصادر عام 2005 ، تعابير متعددة للأغلبية المطلوبة من أصوات أعضاء مجلس النواب عند أداء مهامه ، وذلك تبعا لدرجة أهمية الموضوع المطروح للتصويت في المجلس ، فقد تطلب في المادة (61/ ثامنا / ب / 3 ) منه الحصول على أصوات ( الأغلبية المطلقة ) لعدد أعضاء مجلس النواب عند سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ، أما في حالة سحب الثقة من أحد الوزراء فلم تتطلب المادة (61 / ثامنا / أ ) منه إلا الحصول على ( الأغلبية المطلقة ) وهي غير ( الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ) الوارد ذكرها عند سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ، لأن النص قد ذكرها مجردة من ( عدد الأعضاء ) وهي تعني أغلبية عدد الحاضرين في الجلسة بعد تحقق النصاب القانوني للانعقاد المنصوص عليه في المادة ( 59/أولا) من الدستور ، ولو أراد واضع الدستور الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء لأوردها صراحة كما فعل في المواد (55) و(59/أولا) و(61/ سادسا/ أ) و (61/ سادسا/ ب) و (61 / ثامنا / ب / 3 ) و (64 / أولا ) من الدستور .
مما تقدم خلصت المحكمة الإتحادية العليا الى الرأي الآتي :-
إن المقصود ب ( الأغلبية المطلقة ) الواردة في المادتين (61/ ثامنا/ أ) و (76 / رابعا ) من الدستور هي أغلبية عدد الأعضاء الحاضرين في الجلسة بعد تحقق النصاب القانوني للانعقاد المنصوص عليه في المادة (59/أولا) منه . إنتهى .
إن تفسير المحكمة الإتحادية العليا الوارد في أعلاه ، أضاف مفهوما آخر لمعنى الأغلبية المطلقة الوارد في عدد من مواد وفقرات الدستور ، في ضوء عدم وجود عبارة ( عدد الأعضاء ) أو السابقة أو اللاحقة لعبارة (الأغلبية المطلقة ) ، ومن غير تحديد المقدار المناسب بالعدد الصحيح والمطلوب ، مما يستدعي إعادة النظر في تحديد الحالات التي يتم إخضاعها لهذا النوع من التصويت ، ومن ثم تبويب ذلك والكشف عنه في النظام الداخلي لمجلس النواب ، دون تركه لإجتهادات أعضاء مجلس النواب أو المحكمة الإتحادية في قابل السنين والأعوام ، أو النظر في إعادة التفسير من جهة تبسيط الإجراءات الإدارية عند إتخاذ القرار ، وذلك بتبني تحديد معايير وموازين الأغلبية بأنواعها الثلاثة بمقادير محددة للإستخدام ، غير القابل للتغيير والتفسير والإجتهاد الذي لا نراه مجديا بشكل كبير ، لوجوب إنطلاقه من محددات تطابق التسمية مع الممارسة العملية التطبيقية ، التي تشترط تحقق النصاب بمقدار زيادة نصف عدد أعضاء المجلس بعضو واحد فقط ، ومن ثم إعتماد مقادير مختلفة ومطلوبة لثلاثية الأغلبية ، لغرض إتخاذ قرار الرفض أو القبول للموضوع المعروض للتصويت بقوة فاعلة ومؤثرة ، وعلى الشكل التالي :-
1- الأغلبية البسيطة :- وتعني تحقق التصويت بموافقة (140) عضوا فأكثر من عدد أعضاء مجلس النواب الحاضرين ، بعد تحقق النصاب القانوني البالغ (166) نائبا فأكثر .
2- الأغلبية :- وتعني تحقق التصويت بموافقة (180) عضوا فأكثر من عدد أعضاء مجلس النواب الحاضرين البالغ عددهم (200) عضوا فأكثر .
3- الأغلبية المطلقة :- وتعني تحقق التصويت بموافقة (280) عضوا فأكثر ، من عدد أعضاء مجلس النواب الحاضرين بمقدار (300) عضوا فأكثر .
إن التقسيم المقترح ينطلق من التفرقة بين مقادير الأغلبية بأنواعها الثلاثة ، وبينها وبين مقدار الحد الأدنى لتحقق النصاب اللازم لإنعقاد الجلسة البرلمانية ، الذي لا يتناسب وتسميته بالأغلبية المطلقة نتيجة حصول التصويت بفارق الزيادة على النصف بمقدار (1) واحد فقط ، مما يعني بقاء (163) صوتا بين رافض وممتنع ، وهو ليس بالعدد القليل في حسابات القرار التشريعي وعدم مراعاته أو الأخذ به ، مع ضرورة التأكيد على تصنيف الموضوعات على وفق أهميتها ودرجة التصويت المناسبة لها ، وإعتبار المنسحبين من الجلسة بعد تحقق النصاب ، من عدد الحاضرين المصوتين لصالح أغلبية المصوتين على الموضوعات الخاضعة للتصويت في تلك الجلسة بالموافقة أو الرفض ، منعا لعرقلة سير العمل النيابي التشريعي والرقابي بالإنسحاب ، وضمانا لتنظيم إستمراره بعمله بشكل مضطرد وفعال ، وعدم فسح المجال للتلاعب بمقدرات الشعب من خلال الحضور الكيفي لجلسات المجلس ، وتجسيد وترسيخ مفهوم خدمة الشعب بإنجاز المهام بالدقة والسرعة المطلوبتين ، لأن كتابة وتطبيق الدستور يتطلبان قدرا عاليا من الدقة في الشكل والمضمون ، وتحقق النصاب ضرورة واجبة وملزمة لا يمكن التخلي عنها ، مع إعتبار تغيب أعضاء أي كتلة أو كيان أو حزب عن أي جلسة وبدون عذر مشروع ، أو لأي سبب من شأنه أن يؤدي إلى عدم إكتمال النصاب ، أو عرقلة أو تأجيل التصويت أو تأخير إستكمال مناقشة أي موضوع ، حضورا مستوفيا لشروط إكتمال النصاب القانوني حكما ، ومجزيا للتصويت إلى صالح أغلبية المصوتين بالرفض أو بالقبول ، وبهذا نكون قد أزحنا عن طريق إنجازات مجلس النواب ، عقبات ومعوقات غير منتجة سياسيا ولا مهنيا ، ما دام هنالك مجال للمناقشة والحوار المؤثر في تغيير إتجاه التصويت نحو الأحسن أو الأفضل ، بدءا من الإلتزام التام بحضور جلسات المجلس ، والعمل المتقن بمستوى ودرجة الوفاء والإخلاص المطلوبين ، مع عدم السماح بغلبة عدد الأصوات على أساس العناد أو المكابرة أو تحقيق أهداف وغايات سياسية غير مهنية ، حيث يكون الرفض بعد الفهم مطلوبا ومقبولا ومستساغ ، ولكنه بدون ذلك مرفوضا ومعيبا ، لأن عدم العلم بما تم التصويت عليه من قبل أعضاء مجلس النواب المنسحبين أو الغائبين ، يشكل عيبا جسيما في إقرار التشريعات الصادرة . كما ليس في مصلحة مجلس النواب – ديموقراطيا- أن يستهين أعضاؤه بإجتماعاته فلا يحرصون على حضورها بإنتظام أو لا يشاركون فعليا في إتخاذ القرارات ، نكتب ذلك وغيره ، ونضعه أمام أنظار أعضاء مجلس النواب الجديد ، مساهمة متواضعة ومشاركة بسيطة ودعما للرأي الآخر ، من أجل الإصلاح والتغيير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشر النظام في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4032) في 5/2/2007 .
2- تم طبع كتيب النظام للمرة السادسة في بغداد سنة 2013 ومن دون تعديل ؟!.
3- قرار المحكمة الإتحادية العليا رقم ( 23 / إتحادية / 2007 ) في 21/10/2007 .