خاص / بغداد – كتابات
تبدل المشهد بين يوم وليلة واستشعر العراقيون أن أملا بالتغيير يلوح في سماء بلاد الرافدين يشي بأن ثمة عهد جديد من التنوع والقرار المستقل في طريقه للعراق، وهنا يخرج علينا صوت العقل بأنه أبدا ليس أحق بجهدنا وخدماتنا وعملنا غير أوطاننا..
ليست صدفة
من هذا المنطلق عاد الشيخ خميس الخنجر إلى بغداد بعد غياب طويل .. عودة لم تكن عشوائية أو محض صدفة بل وضعت حساباتها جيدا ودُرست جميع خطواتها وحُضر لها قبل عدة أشهر وقت أن كثر الحديث عن عودته لبغداد دون تحديد مواقيت لتلك العودة.
خميس الخنجر سياسي ورجل أعمال عراقي يتمتع بعلاقات دولية واسعة وذو نفوذ في مدينة الفلوجة مسقط رأسه ومستقر عشيرته العيساوية منذ مئات السنين، أما الجناح الثاني لهذه العشيرة فهو مدينة العمارة التي تقع جنوب العراق .
كاد أن يفعلها في 2010
كاد الخنجر أن يصبح لاعبا كبيرا وأساسيا في العام ٢٠١٠ بعد أن فازت قائمته العراقية التي كان راعيا لها سياسيا وداعما لها ماديا وحصلت وقتها على ٩١ مقعدا.
كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تشكل أول وزارة عراقية بعد ٢٠٠٣ بلا محاصصة أو طائفية، إلا أن نوري المالكي حينها وقف ندا لها رغم تخطيها لقائمته بمقعدين، ومنعها من تشكيل الوزارة بعد أن استعان بتفسير المحكمة الاتحادية حول الكتلة الأكبر النيابية، ما تسبب في إقصاء “العراقية” وإبعادها من ممارسة أي دور في رسم الخارطة السياسية العراقية، فضلا عن ما رسخته من محاصصة وطائفية .
أسوأ فترات العراق
ليتولى “المالكي” رئاسة الوزراء للمرة الثانية في العام ٢٠١٠ وهي حقبة زمنية عدها العراقيون أنفسهم أسوأ فترة عاشها العراق من حيث تفشي الفساد في مؤسسات الدولة وضعف الأداء الحكومي.
وهي الأمور التي تسببت في تراجع كبير في الخدمات المقدمة للمواطنين رغم الأموال الطائلة التي أُنفقت على البنى التحتية والتي تبين فيما بعد أنها لم تكن سوى نفقات “وهمية”، وأن مئات المليارات من الدولارات من عوائد النفط قد أهدرت دون أن تحقق شيئا للعراقيين.
انتهت بظهور داعش وخرج المالكي من المشهد
ثم كان أن احتل تنظيم داعش لثلثي العراق في الأشهر الأخيرة من ولايته، ما مثل الضربة القاضية التي أطاحت به سياسيا وأحرقته كورقة لعب على الطاولة العراقية إلى الأبد.
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن فترة تولي المالكي للسلطة منذ العام 2010 إلى 2014 شهدت شدًا وجذبا كبيرين بين الأطراف السياسية، حتى بات العراقيون يسمعون يوميا عن أوامر إلقاء قبض بحق سياسيين؛ فقط لأن “المالكي” يرى فيهم خصومه!.
لتتسبب سياساته في خروج كبرى المظاهرات ومنها تتحول إلى اعتصامات ضخمة في الأنبار والحويجة والموصل.
أشعل الطائفية وأجج الاحتجاجات
وبدلا من أن يبدي “المالكي” حكمة في إطفاء واحتواء هذه التظاهرات راح يُشعلها نارا من خلال تصريحاته المستمرة التي تُهددها، وبالفعل قامت قواته بفض تلك الاعتصامات وقتلت من قتلت واعتقلت من اعتقلت، مما ساعد من اشتعال هذه المناطق.
في ذاك الوقت، كان “الخنجر” من أكثر المعارضين شراسة لسياسات المالكي الطائفية التي جعلت من المناطق الغربية رخوة في اختراق الاٍرهاب مناطقها، واستغلت داعش غضب أهالي هذه المناطق من سياسات “المالكي” ضدها مما سهل على ذلك التنظيم احتلال تلك المناطق ليبدأ فصل دامي جديد، لم ينته إلا بالقضاء على خطر داعش في نهايات العام ٢٠١٧ .
العبادي غير المشهد
مع الاضطرابات والإخفاقات التي تسبب بها المالكي، تولي حيدر العبادي قيادة العراق منذ عام ٢٠١٤ وهو ما كان له الأثر الإيجابي في احتواء غضب أهالي هذه المناطق ودفعهم للوقوف مع الجيش والحشد الشعبي في تحرير مناطقهم من “داعش”.
واتسمت فترة العبادي بالهدوء والحكمة في التعاطي مع احتياجات وهموم أبناء المناطق الغربية بعد أن وجدوا أنفسهم لعبة يتقاذفها من يتحدث باسمهم دون أن يحقق لهم شيئا، لتعيد سياسات “العبادي” مع هذه المناطق الثقة التي كانت مفقودة بينها وبين الحكومة خلال ثماني سنوات عجاف تولى فيها “المالكي” رأس الحكومة.
وقفة أهالي العراق إلى جوار الجيش والحشد بدلت المعادلة
إن انتصار الجيش العراقي والحشد الشعبي على تنظيم “داعش” ودحره وتحرير الموصل وتكريت والأنبار والفلوجة وسامراء والحويجة ووقوف أهالي هذه المدن مع الجيش وتحريرها من براثن الإرهاب كان له الأثر الإيجابي الكبير في إعادة أجواء الثقة التي كانت مفقودة لسنوات طويلة .
أجواء مناسبة لمشاركة الخنجر في دعم العراق
وفي ظل تلك الأجواء جرت الانتخابات، رغم التعقيدات والمشاكل الفنية والتقنية التي صاحبتها، وكان لخميس الخنجر حضورا لافتا فيها من خلال دعمه لها عبر رعايته لقائمة “قرار”، ورغم قراره الشخصي بالخروج من السباق الانتخابي إلا أنه بقي داعما لقائمة “قرار” التي حققت نتائج طيبة في هذه الانتخابات كنوع من رد الجميل لرجل قدم خدمات كبيرة للنازحين الذين هجروا مدنهم المحتلة.
صفحة جديدة .. أهلا بالتحالف مع “سائرون”
ولأن دوام الحال من المحال في السياسة، قرر “الخنجر” إعادة النظر في مواقفه السابقة من العملية السياسية التي كان ينتقد فيها المحاصصة والطائفية في إدارة البلاد، والعودة إلى العراق بعد ١٥ عاما من الغياب الطويل، معلنا بدء صفحة جديدة والعمل مع قائمة “سائرون” الفائز الأول في انتخابات العراق آيار 2018.
إذ أيقن الرجل أن “سائرون” تتبنى برنامجا سياسيا وطنيا بعيدا عن الطائفية والمحاصصة، وكان للمكالمة الهاتفية التي أجراها “الخنجر” مع مقتدى الصدر قبل عودته لبغداد بأيام ساهمت في الإسراع بهذه العودة والعمل من الداخل في ظل أجواء جديدة رآها الخنجر تبعث على التفاؤل والعمل المشترك بعيدا عن تأثيرات الخارج وتدخلاته في الشأن العراقي، خاصة في تشكيل الحكومة العراقية التي اتفق مع “الصدر” على ضرورة أن يكون قرار تشكيلها عراقيا مستقلا بعيدا عن إملاءات الآخرين.