من المفارقات الكبيرة والكثيرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أنّ الاعتراضات والتحفّظات والاحتجاجات على النتائج وعلى إدارة الانتخابات نفسها وعلى النظام الانتخابي برمّته لم تقتصر هذه المرة على القوائم الصغيرة الخاسرة، فالقوائم الكبيرة كانت في مقدّم المعترضين والمتحفّظين والمحتجّين.
في الانتخابات السابقة كان الطعن في النتائج يأتي دائماً من الصغار، أما الكبار الذين كانوا يأخذون حقّهم وحقّ غيرهم (الخاسرين) من الاصوات، فكان لهم الفوز الكاسح والضحك على الخاسرين ملء الأشداق، مطمئنين الى أن كلّ شيء تمام التمام وفي صالحهم .. من قانون الانتخابات الذي شرّعوه على وفق ما يريدون ويضمن لهم الاستئثار بالسلطة والنفوذ والمال، الى المفوضية التي شكّلوها وتحاصصوا مناصبها بأنفسهم، الى النظام الانتخابي الذي وضعته مفوضيتهم.
بعد أكثر من مؤتمر صحافي سعى الخاسرون في انتخابات الأسبوع الماضي الى عقد جلسة لمجلس النواب الموشكة ولايته على الانقضاء لتسجيل تحفّظهم واعتراضهم واحتجاجهم رسمياً، لكنّهم لم يفلحوا في تأمين النصاب ..
قائد جبهة الاعتراض والتحفّظ والاحتجاج كان هذه المرة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، وهو من أكبر الخاسرين في الانتخابات الاخيرة .. والجبوري سجّل أداءً سيئاً في الدورة البرلمانية الحالية، لجهة عرقلة مناقشة وإقرار القوانين المتجاوبة مع مصالح الناس، وتمشية القوانين المناهضة لمصالح الناس بالسرعة الفائقة ومن دون التثبّت من عدد الاصوات التي مع والتي ضدّ.
الجبوري كاد أن يبكي وهو يتحدّث عن الحيف، بل الضيم، الذي لحقه في هذه الانتخابات، ولام مجلس المفوضية لوماً شديداً، وكشف عن أنه تحدث “بقوة مع مفوضية الانتخابات التي أبلغتهم أن الإجراءات التي تُتّبع غير صحيحة، وهناك عملية تعمية وإلغاء للأصوات موجودة”. وتحدّث عمّا أسماها مؤامرة تستهدفه شخصياً “هناك مؤامرة مستهدفتنا بشكل مباشر، كما أن هناك إعدادأ لخطة موضوعة غاياتها متعدّدة متنوعة، وتمّ كشف الكثير من خيوطها وأدواتها وسيتمّ التحدّث بها بشكل صريح أمام الرأي العام”.
سبحان مغيّر الأحوال من حال إلى حال..!
بيد أنّ السيد الجبوري لم يشأ أن يقترب من واقع أنه وقادة آخرين لكتل وجماعات سياسية نافذة في العملية السياسية منذ 2003، كانوا ممّن يتحمّلون المسؤولية عن تشريع قانون للانتخابات لم يضمن أبداً إجراء انتخابات عادلة ومنصفة وشفافة، ويتحمّلون المسؤولية أيضاً عن الإصرار على تشكيل مفوضية الانتخابات على وفق نظام المحاصصة المناهض لمبادئ الدستور وأحكامه، بل هم أيضاً وراء الرفض الباتّ لإضافة قضاة الى مجلس المفوضين ولمشاركة القضاة في الإشراف على العملية الانتخابية.
واحدة من أجمل أغاني التراث العراقي أغنية :
يا حافر البير لا تغمّج مساحيها
خاف الفلك يندار وإنتَ تقع بيها
ولقد دار الفلك بالفعل الآن، وسقط في البئر العديد من الذين تحمّسوا في حفرها عميقاً ..!
تشريع قانون جديد للانتخابات ونظام جديد للانتخابات، وتشكيل مفوضية جديدة للانتخابات تكون مستقلّة حقاً وفعلاً من أولى مهمّات مجلس النواب الجديد.