15 نوفمبر، 2024 10:01 ص
Search
Close this search box.

بعد تراجعه في الانتخابات البرلمانية: إلى أين يتجه تيار المستقبل اللبناني

بعد تراجعه في الانتخابات البرلمانية: إلى أين يتجه تيار المستقبل اللبناني

إعداد/ محمد عمر
انتهت الانتخابات النيابية في لبنان يوم 6 مايو 2018، محدثة الكثير من المفاجآت خاصة أنها أول انتخابات منذ عام 2009، وجاءت بعد ظروف داخلية وإقليمية معقدة، وكان يعول عليها في إعادة ترتيب البيت اللبناني سواء من الداخل أو طريقة التعامل مع الخارج في ظل اتساع حالة الاستقطاب بالمنطقة خاصة بعد ثورات الربيع العربي.

وكان من أبرز الخاسرين تيار المستقبل اللبناني الذي يقوده رئيس الوزراء سعد الحريري، حيث يعتبر الممثل الأبرز للكتلة السنية، ليحصل على 21 مقعدا فقط من بين 128 مقعد، متراجعاً بذلك عن البرلمان السابق الذي حظي فيه بـ 33 مقعداً، وقد دفعت هذه الخسارة الحريري لإعادة ترتيب تيار المستقبل والإطاحة بالكثير من قيادته، لمواجهة نفوذ وكلاء إيران، فقد فاز حزب الله وحركة أمل وحلفائهما بأكثر من نصف مقاعد البرلمان.

نظرة تحليلية على نتائج الانتخابات

أظهرت نتائج الانتخابات، مشاركة ضعيفة بلغت 49.2% متراجعة عن الانتخابات السابقة التي سجلت 54%، رغم أهميتها وطول الفترة التي ظلت فيها البلاد محكومة من قبل برلمان منتخب منذ 9 سنوات، إلى جانب الأزمات الداخلية والخارجية التي عصفت بلبنان وتسببت بها قوى سياسية كان متوقعا أن يقل تمثيلها خلال هذه الانتخابات.

وتشير النتائج إلى أن تيار المستقبل حصل على ٢١ مقعدا، من أصل 27 مقعدا مخصصة للسنة، فيما حصد سنة آخرون ومنهم متعاونون مع حزب الله على المقاعد الأخرى، ورغم ذلك سيظل تيار الحريري محتفظا بمنصب رئيس الوزراء، لكنه سيكون أضعف أمام خصومه، لأنه سيخضع للابتزاز والمقايضة خلال تشكيل الحكومة، إلى جانب مشاريع القوانين التي سيصدرها أو البرلمان أو التي تقدمها الحكومة وتتطلب موافقة البرلمان، الذي يسيطر فيه حلفاء حزب الله وحركة أمل على 67 مقعداً.

وليس المستقبل الخاسر البارز في هذه المواجهة، لكن التيار الوطني الحر، الذي ينتمي إليه رئيس الدولة ميشيل عون ويتزعمه جبران باسيل وزير الخارجية، فاز فقط بـ ٢٠ مقعدا، لم تكن حظوظه أفضل من غيره، فقد كان يعتمد على ممثل للصوت المسيحي بقوة، لكن حقق حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع مفاجأة كبيرة بحصوله على 16 مقعداً بعد أن حصل في الدورة السابقة على 8 مقاعد فقط، ليكسر بذلك هيمنة حزب التيار الوطني على الصوت المسيحي، ويعتبر جعجع من المعارضين لحزب الله وللنفوذ الإيراني.

وخلال تصريحات له، أكد جعجع أنه سيضغط من أجل وضع سلاح حزب الله تحت سيطرة الحكومة والقضاء على الفساد، وأن يكون كل السلاح تحت إمرة الجيش اللبناني، مؤكدا دعمه للحريري لرئاسة الحكومة، وبهذا سيقوي جعجع موقف الحريري خصوصا وأنه مؤيد للمملكة العربية السعودية ولتقارب لبنان مع الدول العربية، مما سيمثل ضغطا على موقف حزب التيار الوطني الحر الذي يتحالف مع حزب الله، حيث قد يدفعه ذلك لتقليل تحالفه مع حلفاء إيران حتى لا يفقد الصوت المسيحي لصالح القوات اللبنانية، خاصة في ظل الضغط الأمريكي الخليجي على حزب الله ووضع الكثير من قادته على قوائم الإرهاب وهو ما يصعب من مشاركتهم في الحكومة الجديدة.

ومن بين الرابحين في السباق الانتخابي، حزب الله الذي حظي بـ14 مقعدا وحركة أمل الشيعية التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري وفازت بـ 16 آخرين، محققين تقدما عن الانتخابات السابقة، فالحزب حصل في انتخابات 2009 على 12 مقعدا، بينما الحركة حصلت على 12 فقط، وليس هذا فحسب بل حقق حلفائه الآخرين تقدما ملحوظا، فالحزب السوري القومي الاجتماعي حصل ثلاثة مقاعد، المؤيد لسوريا بدلا من اثنين في البرلمان السابق، وتيار المردة فاز بـ 4 مقاعد بدلا من 3 في البرلمان السابق، بجانب شركاء آخرين لتصل حصيلة تحالفهم إلى 67 مقعدا أي أكثر من 50 % من مقاعد البرلمان، وهو ما يمنحهم قوة في منع تمرير أي مشروع قانون أو الموافقة على أي تشكيل حكومي وجعل الحكومة المقبلة تحت طائلة الابتزاز.

أما حلفاء تيار المستقبل وهم “تحالف 14 آذار/مارس”، كانت نتائجهم منخفضة مقارنة بـتحالف “8 آذار/مارس”، المؤيد لسوريا وإيران، فحزب الكتائب حصل على ثلاثة مقاعد مقارنة بـ5 في الانتخابات السابقة وذلك بقيادة سامي الجميل، بينما رفع تيار العزم رصيده من مقعد العام الماضي إلى 4 في الانتخابات الحالي بزعامة نجيب ميقاتي، إلى جانب آخرون، لكن في المجمل تفوق عليهم تحالف “8 آذار”.

وهو ما ينذر بمواجهات صعبة وتوازنات وموائمات قد تستغرق وقتا طويلا لوضعها، وإعادة لبنان مجددا إلى الحالة التي شهدتها من أجل انتخاب رئيس للبلاد حيث ظل البرلمان لأكثر من عامين غير قادر على اتخاذ هكذا خطوة، إلى أن تم التوافق على عون حليف حزب الله في أكتوبر 2016.

دوافع إعادة هيكلة تيار المستقبل

بعد الخسارة التي مني بها تيار المستقبل، اتخذ الحريري قرارات إعادة هيكلة وترتيب تنظيمه السياسي حتى لا ينهار في مواجهة خصوم داخلين وخارجين، فبعد ظهور النتائج بأيام، بدأ الحريري في خطته الطارئة، حيث تقدم نادر الحريري مدير مكتب سعد الحريري، باستقالته وهو ابن عمته، من منصبه، وعين محمد منيمنة، مدير مكتب رئيس الحكومة بالوكالة بدلا منه، كما أقيل مسؤولين آخرين،من بينهم منسق عام الانتخابات وسام الحريري، ومدير دائرة المتابعة في مكتب الحريري ماهر أبو خدود.

واعترف رئيس الوزراء اللبناني بوجود ثغرات في تيار المستقبل، وتعهد بالمحاسبة للجميع، وهذه الخطوة نجد أنها جاءت بعد ضغوط شعبية، التي وجهت رسالة للحريري تؤكد فيها انها غير راضية عن أداء تياره، وتقديمه تنازلات كثيرة لحزب الله وحلفائه، دون الحصول على تنازلات مقابلة أو تحقيق تقدم في ملفات الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية.

وبخلاف الضغوط الشعبية، توجد أيضا ضغوط دولية وإقليمية على الحريري، لإعادة تقييم سياسته التي أسهمت في صعوط تحالف “8 آذار”، فللمرة الأولى منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 عاد أفراد واحزاب مؤيدة للنظام السوري إلى الواجهة السياسية خلال هذه الانتخابات، رغم تورط حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا، الذي لقى اعتراضات داخلية وخارجية، بما يعني استمرار رهن لبنان بالصراعات في سوريا، وهو ما سيرتد سلبا على لبنان ككل وليس حزب الله وحلفاؤه فقط المنخرطون في هذا الصراع وغيره في ظل الاستقطاب الواسع بالمنطقة.

وحاول سعد الحريري تحسين وضعه قبل حلول الانتخابات والضغط على الرئيس ميشيل عون وحزب الله، حينما أعلن استقالته في نوفمبر 2017، من السعودية، احتجاجا على التدخل الإيراني في الشأن اللبناني والمنطقة العربية، وتعاون حزب الله شريكه في الحكم مع طهران في هذا الأمر، وتخوف كثيرون أن تنسف هذه الاستقالة التفاهم الذي جرى عام 2016 وسمح بتشكيل الحكومة واختيار ميشيل عون رئيسا للجمهورية.

دخل وسطاء كثيرون لمنع انهيار السلام الهش في لبنان، ليتراجع الحريري عن استقالته ويعود إلى لبنان مجددا، ضاغطا بقوة على خصومه لإلزامهم بسياسة النأي بالنفس عن التدخل في قضايا المنطقة، لكن يبدو أن الخصوم لم يلتزموا بالأمر، ولهذا كان لابد العمل من خلال مسارين، الأول وكان يفترض فيه تحقيق الحريري وحلفاؤه نصرا كبيرا على قوى “8 آذار”، من أجل الضغط شعبيا وسياسيا، لكن هذا لم ينجح، وهو ما يتطلب إعادة النظر في سبب هذا الفشل وإعادة ترتيب تيار المستقبل لأن المرحلة المقبلة ستشهد مواجهة مفتوحة مع إيران ووكلائها وقد بدأتها واشنطن بالخروج من الاتفاق النووي.

أما المسار الثاني قائم على محاصرة حزب الله من قبل الخارج، لهذا فرضت الولايات المتحدة ودول الخليج عقوبات جديدة على حزب الله يوم 16 مايو الجاري، استهدفت قياداته ومصادر تمويله، وذلك من أجل ممارسة المزيد من الضغط على الحزب وحلفاؤه.

مآلات تشكيل حكومة لبنان الجديدة

لن يستيطع تيار المستقبل في الوقت الحالي، الخروج على الترتيبات السياسية التي حكمت لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975 وانتهت في 1990، مخلفة حوالي 120 ألف قتيل بخلاف المصابين والمهجرين، لهذا عليه التعامل مع قوى “8 آذار” بما فيهم حزب الله وهم كذلك عليهم الالتزام بهذا التفاهم، وقد اعترف بذلك مؤكدا أن قضية الحزب إقليمة وأكبر من لبنان ذاته.

لكن ما يمكن للحريري فعله هو الضغط على شركاء حزب الله اللبنانين مثل التيار الحر، لأنه يساعد في منح حزب الله شرعية كبيرة داخليا، فقضية الحزب لن تحل بشكل نهائي طالما بقيت إيران داعمة له، فهو لم يخدم مشروعها في لبنان فقط وإنما في اليمن والعراق وسوريا.

ويجري الآن بالفعل التفاهم بين الكتل السياسية للتشاور حول الحقائب الوزارية وهو الأمر الذي لن يكون سهلا، فهناك قوى حصلت على مقاعد أكثر وستطالب بتمثيل أعلى داخل الحكومة فمثلا سيكون هناك خلاف متوقع بين حزب القوات اللبنانية والتيار الحر على الحقائب السيادية المخصصة للمسيحيين، ومثله مع حزب الله أمام المستقبل.

وختاما يمكن القول إن تيار المستقبل، سيكون موقفه صعبا خلال تشكيلة الحكومة المقبلة، فوجود الحريري في منصب رئيس الوزراء لن يمنحه السيطرة عليها، بل سيكون مجرد مدير لهذه التوازنات، وهو ما يستلزم إعادة ترتيب صفوف التيار للتعامل مع هذه المرحلة، إلى جانب الاستعداد للانتخابات المقبلة، التي قد يطول أمدها مثلما حدث مع هذه الانتخابات التي جاءت بعد 9 سنوات، وهذه الهيكلة لن يكون أمام الحريري رفاهية للقيام بها بل ستكون من ضمن مطالب حلفاؤه وداعميه الإقليمين لاستمرار دعمه أمام خصومه بالداخل.

المصادر

(1) جعجع: من حق «القوات» حقيبة سيادية، الحياة، 19/5/2018، الرابط.

(2) الحريري يقيل مسؤولين ويطلق ورشة تقييم ومحاسبة لتياره، الشرق الأوسط، 14/5/2018، الرابط.

(3) تحليل لنتائج انتخابات 2018: حسابات الربح والخسارة، 8/5/2018، الرابط.

(4) سر فوز حزب الله الانتخابي، مركز روابط، 16/5/2018، الرابط.

(5) حنين غدار، ماذا يعني فوز «حزب الله» في الانتخابات بالنسبة إلى لبنان؟، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى،8/5/2018، الرابط.

(6) الانتخابات اللبنانية.. تيار المستقبل يخسر ثلث مقاعده، الحرة، 7/5/2018، الرابط.

(7) عقوبات سعودية وخليجية وأميركية على قادة «حزب الله» اللبناني، الشرق الأوسط، 17/5/2018، الرابط.
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة