لأربيل وبالذات شقلاوة ، منزلة خاصة لديّ ، فهي مهرب من الضغط النفسي والتلوث وسوء الخدمات أكثر من كونها واجهة سياحية ، بلدة جميلة جدا ، جمال أناسها الطيبين للغاية والكرماء ، حقيقة ان الفرق شاسع بين جو بغداد الحار والمغبر والملوث ، وبين جوّها البارد الندي والنقي ، بطبيعتها المتنوعة الساحرة والخضراء ، هذا هو الواقع ، ولست بصدد إصدار دعاية سياحية ، فمنغصات الطريق إلى هناك لا تُحتمل ، لهذا عدل الكثير من البغداديين ، عن السفر إلى هناك ، وربما إقتصر فقط على الشركات السياحة .
من شبه المستحيل أن تصل سيارتك إلى وجهتها سالمة ، إذ يتحول الطريق ، من متعة للقيادة في الطبيعة الرائعة ، تلك المتعة التي نسيناها في أجواء بغداد المزدحمة والمليئة بالمنغصات ، يتحول إلى رعب حقيقي ، وكأنك مندمج في لعبة فيديو عنيفة ، إلا إنها حقيقية ! ، لن تستطيع أن تشيح بوجهك عن الطريق لثانية واحدة ، فالطريق الذي يسلكه البغداديون عادة إلى أربيل هو خلال كركوك ، لكن الرعب يبدأ من منطقة الحسينية وحتى ما بعد طوزخورماتو ، إنه طريق مليء بالمفاجآت من حفر وتصدعات وتشويه شديد سببته سيارات الحمولات الكبيرة ، بشكل يجعلك تضطر مرارا إلى ترك مسرب الذهاب لتمشي عكس السير في مسرب الإياب ، لا توجد اي لافتة للتحذير ، بل ان بعض اللافتات تعطي ممعلومات مغلوطة حول المسافات المتبقية ! ، لم أكن أعتقد أن إهمال الحكومة ، وإستخفافها بالناس قد وصل لهذه الدرجة ، ووسط كل هذا التوتر ، ترى صور المرشحين الأشاوس في كل مكان ، وكأنها لوحات تحذيرية غير سارة ، وهو ما كان فعلا ، فبعد وصولنا إلى كركوك بشق الأنفس ، سلكنا طريق التون كوبري إلى حيث أربيل ، لكنا وجدناه مليئا بأكوام التراب ، ودون لوحة تحذيرية أيضا ، فما كان مني إلا أن أعود إدراجي ، فعلمت أن الطريق الرئيسي من كركوك إلى أربيل مغلق منذ أحداث كركوك ، وعلينا سلوك طريق الدبس- مخمور ، وكان هذا الطريق ذو الشارع الواحد بمسربين للذهاب والإياب ، اسوأ من سابقه ، وفيه ضياع كبير للجهد والمسافة والوقت ، وبعد نحو الساعتان والنصف ، وقد أخذ الطريق من سيارتي ما أخذ ، وصلنا لحدود أربيل .
تداولت وسائل الإعلام خبر إلغاء نظام الإقامة السيء الصيت للوافدين إلى كردستان بعد أحداث كركوك في تشرين اول 2017، ومنها كلام السيد العبادي عندما وصفها بغير المنصفة ، وقابلنا هذا الإعلان بإرتياح كبير ، وكانت خيبة أملنا كبيرة ، فما إن وصلنا لحدود أربيل حتى فوجئنا بحشود بالمئآت ، تقف أمام ثلاثة شبابيك من أصل عشرة فالباقي مغلقة ، وذلك على منفذ أربيل من جهة مخمور ، في سقيفة تحتوي على ساحبات هواء ، لم يشغلونها طيلة فترة إنهماكنا للحصول على بطاقة الإقامة السحرية رغم الجو الخانق الممتلىء بأنفاس المراجعين ، والبالغة أربع ساعات ونصف ! ، ودون توفر حتى مرافق صحية ، رغم إستيفاء مبلغ 10 آلاف دينار على كل وافد ، وهذه المرة مبلغ إضافي يبلغ 5 آلاف دينار كرسوم على دخول السيارة ، كان المشهد مزيا للغاية خصوصا للمرضى وكبار السن ، ومعاملة الأسايش الخشنة ، ودفعهم للناس وعبارات تهديداتهم باللغة الكردية ، ولا يمكنك أن تطلب منهم شيئا لأنهم لا يفهمون العربية ، أو أنهم لا يريدون أن يفهموا ! ، ومن الطبيعي جدا أن ترتفع وتيرة التذمر ، بسبب المعاملة السيئة للغاية التي ينتهجها الأسايش وكأننا أسرى ، فأقسم معظمهم أن لا يعود إلى أربيل ثانية ، او انهم تجرعوا المر لأجل العلاج أو العمل ، ووصل بي التذمر والسأم إلى أن أعود لبغداد ، رغم استيفائهم لأجور الإقامة .
هكذا تنفسنا الصعداء ونحن ندخل أربيل ثم شقلاوة ، طريق استغرق أكثر من 12 ساعة ، شقلاوة بإناسها الطيبين ، وجميعهم يجيد اللغة العربية ، لأنها بلدة قائمة على السياحة ، ومعظمهم أعرب عن نذمره من اساليب السلطات ، لأنها ضربت هذا القطاع الحيوي بالصميم ، هكذا نسينا عجرفة السلطات القائمة على الإقامة وتصرفاتهم الخشنة ، منذ الساعات الأولى لدخولي شقلاوة …
وفي الواقع فقد أختصرت طيبة هؤلاء الناس ، شهامة ذلك الرجل الكردي الطيب ، الذي صادفته في إحدى محطات تعبئة الوقود في أربيل في طريق العودة إلى بغداد عندما سألته عن الطريق إلى مخمور ، فطلب مني اللحاق به خلف سيارته ، وعند وصولنا لمفترق طريق ، طلب مني ترك سيارتي والجلوس في سيارته فقد كان المطر غزيرا قبل يوم واحد فقط من موعد الإنتخابات، فمد لي يده مصافحا وهو يقول (أنت عربي ، على رأسي ، ثق نحن نحبكم لأن نبيّنا عربي) ، هكذا أعطاني معلومات دقيقة ووافية عن الطريق.