المجال الذي أمارس عملي فيه جعلني اكثر قربا لما يدور في خفايا الانتخابات وتوجه الكتل السياسية واستعداداتها المعلنة وغيرها، ومعرفتها للنتائج مسبقا لاسباب عدة ابرزها القاعدة الجماهيرية التي تستند عليها، وماقدمته خلال 15 عاما، فضعف الإقبال بحقيقته لم يكن نتيجة مفاجأة للعديد من قادة الكتل السياسية ومنهم السيد نوري المالكي الذي شرح لِنا “مشكورا” اسباب وقوع “الحروب الأهلية” وربطها بالتعداد السكاني ورفض بعض المكونات لنتائج الانتخابات.
لكن السيد المالكي خرج علينا صبيحة الاقتراع العام وهو يرفع إصبعه “البنفسجي” محذرا من تعطل اجهزة التصويت الالكتروني لتزوير الانتخابات لصالح بعض القوى السياسية، وبعد اقل من ساعتين على انطلاق عملية التصويت تعطلت العديد من الأجهزة وأغلقت مراكز اقتراع في بغداد والمحافظات، صحيح من قال “رب صدفة خير من الف ميعاد” فكلام صاحب مقولة “بعد ماننطيها” جاء مطابقا للحقيقة، لكنها ليست الحقيقة التي يبحث عنها المواطنون انها “الخوف من الخسارة” ونظرية المؤامرة التي روج لها خلال السنوات الثمان “العجاف” ولكونه خسر جميع أوراق اللعبة اصبح يبحث عن حيلة “للتزوير” من خلال بث إشاعة الخوف من اجهزة التصويت الالكتروني، التي تعرضت العديد منها للعطل لأسباب عدة وفرت خدمة مجانية لمن اطلق تلك الإشاعة.
لكن المفاجأت لم تتوقف عند نوع التصويت، فكان ضعف اقبال الناخبين ضربة اخرى تلقاها الفاسدون بعد ان جعلت المرجعية الدينية المشاركة في الانتخابات أمرا اختياريا وليس “تكليفا شرعيا”، وزيادة وعي الناخب بسبب حجم الخذلان الذي تركته الانتخابات الماضية منذ 2005 وحتى 2014، حين ما كان الاختيار يتم على أساس الطائفة والعشيرة ومبدأ “تلاقفوها” جميع تلك العوامل ساهمت بشكل مباشر بإعلان “الخسارة” المبكرة للعديد من الوجوه التي رافقت العملية السياسية منذ 2003، وجعلتنا امام تجربة جديدة اجتمع فيها المدني (العلماني) والإسلام السياسي في قائمة واحدة لاول مرة، في رسالة واضحة عن وجود رغبة صادقة في التغيير سواء كانت عن طريق المقاطعة او الذهاب باتجاه التحالفات العابرة على الأقل “للطائفية”.
ياسادة ماحصل في هذه الانتخابات كان ردة فعل طبيعية ضد “الفشل” وضياع المدن ومشروع ما يسمى بـ”التسوية السياسية” الذي سمح بعودة القتلة واصحاب “المنصات” والمحرضين على الفتنة، وتقديمهم كمرشحين وممثلين لمحافظات انهارت وأصبح مواطنوها بين نازح ومهاجر بسبب خطاباتهم التي كانوا يتغنون بها عبر وسائل الاعلام الداعمة للارهاب، فهل يعقل ان يختار الضحية جلاده ليطالب بحقوقه بدلا عنه، او يمنحه وسيلة جديدة للاستمرار بتعذيبه، فكانت النتيجة خسارة كبيرة و “مذلة” للأصوات “النشاز” التي كانت تتغذى على افتعال الأزمات، لتصعد من رصيدها على حساب أمن واستقرار “عُبَّاد الله”، كما شكلت صدمة لأطراف اخرى فحجم الأصوات التي حصل عليها تيار “احنه كدها” لا تعادل ربع الاموال التي صرفت على الدعايات الانتخابية، في حين اصبح قادة المجلس الاعلى الاسلامي ارقاما في سجل المتقاعدين بعد ان قرر الشعب عزلهم مع اسامة النجيفي وسليم الجبوري واحمد المساري.
الخلاصة… ان المعركة الانتخابية لم تحسم بعد فمنصب رئيس الوزراء ليس بالضرورة ان يكون من نصيب التيار او التحالف الذي سيحرز اعلى الأصوات، لان الفصل سيكون للكتلة الأكبر والخضوع للتوافق الداخلي والخارجي، الذي رسم خلال السنوات الماضية شكل الحكومة ورئيس الوزراء…. اخيرا.. الفرصة كبيرة امام التيار الصدري وزعيمه لتطبيق شعارات الإصلاح والتغيير، ورسم صورة عن تحول المنافسة الانتخابية الى مهمة وطنية لخدمة الناس، وليس صراعا للبقاء في السلطة…