كانت ايران ولوقت قريب تمثل الشرطي أو السيد في منطقة الخليج, وتحت حكم الشاه والى نهاية سبعينات القرن المنصرم, كانت ايران تمثل القوة الخليجية العظمى المساندة لسياسات الغرب.
لم تك للغربيين أو العرب أي مشكلة مع ايران في تلك الفترة, فايران التي يحكمها الشيعي رضا بهلوي, ومن بعده ابنه محمد رضا بهلوي, هي دولة صديقة ومحببة لأعراب الخليج, ولأسيادهم من دول الاستعمار, ما دامها دولة لا ترعى العقيدة الشيعية بل على العكس كانت تطارد المتدينين.
تغيرت المعادلة بعد عام 1979, ونجاح الثورة الاسلامية في ايران بقيادة السيد الخميني, فالدولة الصديقة اصبحت عدو, وصارت شرا مطلق, وبدأت بوادر العداء لهذه الدولة الفتية, واُعِدَت الخطط لإيقاف هذه الثورة, والاجهاز على الجمهورية الجديدة, وكانت الحرب العراقية الإيرانية والحصار على ايران, أول الخطط العملية للحرب على هذه الدولة.
التحول في الموقف الغربي والعربي تجاه ايران يجب دراسته بعمق, لنعرف سبب هذا العداء وهذه الازمات المفتعلة في ايران.
لقد جاءت الثورة, وأهم شعاراتها كانت الموت لإسرائيل, وكلا امريكا, والدعوة الى التحرر من قيود الغرب, والمناداة بالحرية, وباستقلالية الشعوب, كما أن العقيدة الفكرية للثورة الاسلامية كانت عقيدة شيعية, تؤمن بالولاء لأهل البيت عليهم السلام, وهذه العقيدة هي عقيدة تحررية, تأبى الخضوع والذل, وهي –العقيدة الشيعة- لا تتلاءم مع ما موجود من عقائد في المنطقة.
بدأت الحرب بالحرب العسكرية والسياسية والفكرية على جمهورية ايران الاسلامية, وكان صدام اللعين قد مارس كل انواع الانتهاكات ضد هذه الجمهورية, وبدأ بتصفية المؤمنين ورجال الدين الشيعة, بحجة التبعية لإيران.
الاضطهاد الذي لاقاه شيعة العراق, كان اضطهادا مدعوما من دول الخليج والغرب, فاضطر كثير من العراقيين للهروب من العراق, وكانت ايران الدولة الوحيدة التي فتحت اذرعها لمظلومي العراق.
كان العراقيون معززون مكرمون في ايران, ومنهم من تزوج وبنى حياة عائلية هناك.
دعمت الجمهورية الاسلامية قضية الشعب العراقي, وساندت جميع الحركات السياسية المعارضة لصدام, ومدتها بالسلاح والمال, وبعد تخلص العراق من براثن البعث وجلاوزته, كان لإيران دور في مساعدة الشعب العراقي, بعد الهجمة البعثية الوهابية التكفيرية عليه, والمدعومة من الخليج والسعودية بالذات.
مواقف ايران تجاه شيعة العراق, كانت مواقف تنبع من الواجب العقائدي تجاه الموالين, وصحيح أن إيران كدولة لها سياساتها واجنداتها الخاصة, والتي قد تتقاطع احيانا مع سياسة العراق كبلد, إلا انها كعقدية هي بلد إسلامي موال لأهل البيت عليهم السلام, وهذا البلد يدار من قبل المراجع الدينين.
بعد الدعم الايراني للعراق, وفشل مخططات الغرب بفضل فتوى مرجعية النجف, عملت دوائر الغرب, على خلق هوة وفراغ بين الجماهير الشيعية العراقية والجمهورية الاسلامية, بتصوير ايران على أنها لا تريد مصلحة العراقيين, وانها السبب في تأخر البلد, وأنها عطلت مصانع العراق, لغرض تمشية مصانعها والاستفادة ماليا.
هذه المد الاعلامي الكاذب, قد انطلى على كثير من العراقيين, وكان للحركات العلمانية والمناوئة لإيران والبعثية الدور الاكبر في ترسيخ هذه الفكرة, حتى وصلت الجرأة ونكران الجميل لان تنطلق التظاهرات في بغداد وشعارها نفس شعار البعث “بغداد حره حره ايران بره بره”.
هذا الشق في الصف الشيعي, والشرخ الكبير, لا يصب الا في مصلحة أمريكا وأذنابها, وفي مصلحة دوائر التكفير والبعث. وللأسف انغمس شبابنا في هذه الفكرة, وانطلت عليهم, وهم لا يدركون أن أمريكا والحركات الوهابية إن تسلطت عليهم ستعيد ايام البعث السوداء والمقابر الجماعية من جديد.
مهما فعل وادعى بعض ممن يدعون التحرر, بدعاوى بالضد من ايران, ومهما حاولوا تصوير ايران على انها عدوة للشعب العراقي, إلا إن إيران ستبقى العمق الاستراتيجي لوسط وجنوب العراق, وهي ركن اساسي لدعم الشيعة العراقيين.