بصدور قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2018 و المصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية أصبح تطبيقه ملزما لكل من يتعلق به الأمر وخصوصا الوزارات التي لديها مصاريف غير مبررة ومناصب لا فائدة منها وذلك لتقليل نفقاتها وتحويلها إلى أبواب صرف أخرى لها أهمية قصوى في ظل الأزمة المالية الخانقة التي أثرت على كل مفاصل الحياة في العراق.
إن ما حصل في وزارتي التربية والتعليم العالي لم يكن متماشيا مع قانون الموازنة الاتحادية بل خرقا صريحا للقانون كان يجب أن يحاسب عليه الوزير المختص خصوصا وأن الوزير هو الجهة المعنية بتنفيذ تعليمات قانون الموازنة وهو المسؤول الأول عن مراقبة أبواب الصرف في وزارته والتي قد تثقل كاهل الدولة وتزيد من أعبائها المالية في ظل الديون التي خلفتها حروب القضاء على داعش من جهة, ومن جهة ثانية, هبوط أسعار النفط وهو المصدر الوحيد الذي يعتمد عليه العراق في إدارة شؤونه المالية والاقتصادية.
وفي العودة لقانون الموازنة الاتحادية لعام 2018 النافذ, تشير المادة (26) خامسا/ د من ( على الجهات المختصة إعادة رؤساء الممثليات والبعثات العراقية الدبلوماسية من العاملين في المنظمات العربية والإقليمية والدولية إلى مركز الوزارة المعنية على أن يبقى التخصيص لموظفي الملاك الدائم والمستخدمين المحليين على حاله والذي تم إقراره في موازنة عام 2017 ويتولى سفير العراق في تلك الدولة إدارة شؤون الممثلية المالية على أن يتولى موظفو الممثلية أو البعثة تسيير الأمور الإدارية ويستثنى من ذلك بعثة العراق في نيويورك و الممثلية الدولية في جنيف), هذه الفقرة واضحة وصريحة ولا تحتاج إلى أي تفسير قانوني لأنه لا لبس فيها, لا في المعنى ولا في الدلالة, ولذلك كان لزاما على وزير التربية إعادة ممثل العراق لدى اليونسكو باللحظة التي نشر فيها القانون في الجريدة الرسمية قبل أكثر من شهر وتسليم مهامه للسفير العراقي في باريس لإدارة الشؤون المالية ولمن سيحل محله من موظفي الملاك الدائم فيما يخص الشؤون الإدارية كما فصلها نص القانون وعدم هدر المال العام لا سيما وأن المصاريف التي تتكبدها وزارة التربية شهريا على الممثلية تزيد عن الخمسين ألف دولار وهي كافية لترميم مدرسة متهالكة أو بناء مدرسة في منطقة نائية. فأين وزير التربية من هذا الخرق القانوني الصريح؟ وأين هيئة النزاهة من هذا التصرف؟
أما فيما يخص وزارة التعليم العالي, فتصرف وزيرها يعد خرقا قانونيا مضاعفا لأنه يدير وزارة التعليم العالي أصالة ووزارة المالية وكالة , الوزارة المسؤولة عن متابعة التصرفات المالية للوزارات الاخرى, حيث تشير المادة (26) خامسا/ب من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2018 النافذ (( الإبقاء على التخفيض في أعداد العاملين من موظفي الخدمة الخارجية في البعثات الدبلوماسية الذي تم بموجب قانون الموازنة لعام 2017 وعلى وزارات (الثقافة, التجارة, الدفاع, الصحة والبيئة, والتعليم العالي والبحث العلمي) غلق الملحقيات أو نقلها إلى مقر السفارات والإبقاء على التخفيض الذي حصل لعدد موظفيها في العام 2017)). وهذا النص صريح وواضح ولا يحتاج لأي تفسير وبذلك كان لزاما على وزير التعليم العالي وهو نفسه وزير المالية وكالة عدم فتح ملحقية جديدة وعدم إرسال موظفين جدد لأي سبب كان للعمل في الملحقيات الثقافية في الخارج أو العمل ضمن حدود عمل السفارة في ذلك البلد بل غلق الملحقيات الموجودة أصلا لكنه بدلا من ذلك أرسل موظفا ليفتتح ملحقية ثقافية في باريس كانت مغلقة أصلا في الوقت الذي توجد فيه سفارة معتمدة وفيها عدد كبير من الموظفين الدبلوماسيين القادرين على إدارة ملف الطلبة في فرنسا.
إن هذه الخروقات القانونية إن دلت على شيء فإنما تدل على عدم احترام القوانين وعدم تطبيقها وهذا الفعل يجرمه القانون ويحاسب عليه المقصر حتى ولو كان وزيرا وكان على الوزيرين المعنيين الالتزام بتنفيذ القانون بكل حذافيره وبدون أي تأخير لأن ذلك سيسبب خسائر مالية فادحة سوف تتكبدها موازنة الدولة المنهارة أصلا و لا أعلم أن كان ذلك التصرف قد تم بعمد في ظل انشغال أجهزة الدولة بأكملها بالانتخابات البرلمانية أم أنه تقصير إداري؟ وفي كلتا الحالتين فان الوزير هو المسؤول الأول والأخير عن التقصير لأنه الوحيد الذي يوقع الأوامر الوزارية وهو الوحيد المسؤول عن قراراته وتوقيعه وعلى هيئة النزاهة عدم السكوت عن تلك الخروقات ولأي سبب كان وعليها أن تفتح تحقيقا سريعا وجادا لمتابعة المقصر ومعاقبته.