15 نوفمبر، 2024 11:45 ص
Search
Close this search box.

معجم المراقد المزيفة في العراق

معجم المراقد المزيفة في العراق

عرض/  نبيل عبد الأمير الربيعي
نحن نعيش اليوم زمناً ظلامياً دامساً, تزامن معهُ الاضطراب والجهل وانتشار الخرافات, ومما زاد من ظاهرة القبور والمقامات المزيفة من انتشارها على ارض العراق, فضلاً عن اتخاذ هذه القبور ثراءاً فاحشاً من المال النافع وجلب النذور والأضاحي والهدايا, ومما ساعد على الجهل والجشع لفئة باغية اتخذت من القبور المزيفة مصدراً للمال والجاه وسعياً لرخاء الحال,فزاد الجهل والمرض, وزادت ظاهرة الغيب الخارجي فوق ذلك زيادة اصبح الحالمون بوجود مثل هذه المراقد لهم دورهم ومزاعمهم التي تزداد يوماً بعد أخر, فتقام لهذه القبور المزيفة والمزعومة المشاهد, وتنصب لها القباب ثم تسمى مزاراً للإمام الفلاني فيزار من بسطاء الناس.
صدر عن دار قناديل لطباعة والنشر والتوزيع في بغداد للباحث عباس شمس الدين كتابه الموسوم والوثيقة المهمة تحت عنوان (معجم موجز للمراقد المزيفة والموضوعة والمنقولة والمجعولة في العراق), هذا المعجم يشمل جميع مراقد الديانات المزيفة في بلاد الرافدين, الكتاب دراسة اعيان القبور المنتشرة على أرض العراق فأصبحت في الآونة الأخيرة ظاهرة القبور المزيفة في وسط وجنوب العراق ومنطقة الفرات الأوسط, ظاهرة طبيعية, كان زعماء هذه القبور المزيفة والمجعولة يتخذون من مزارعهم أو دورهم مقامات ومراقد للأولياء من خلال حُلم أو رؤيا في المنام تدل على مكان القبر, ويبدأ صاحب الدار بتبليغ اهله وعشيرته وبعض رجال الدين المقربين له عن هذه الرؤيا, فيبدأ الداعمون لهذا المرقد المزيف في دعم مزاعم هذا الرجل, فيبدأ بجمع التبرعات لبناء هذا القبر ويعلى عليه القبة ليتخذ صاحب هذا المرقد دكاناً يعتاش عليه هو واهله وعشيرته, ثم يبدأ الخلاف والصراع على عائدية ملكية القبر والمال الذي جناه منه هذا المدعي بين أفراد العائلة والعشيرة, وتبدأ رحلة الناس المغفلين والبسطاء بزيارة هذا الضريح وتقديم النذور والهدايا وفي بعض الاحيان اقامة الرحلات الاسبوعية لزيارة صاحب هذا القبر المزعوم ودعوته عند الله ليرزق فلان أو فلانة المولود الجديد, ويحل عقدة فلانة لتحمل من زوجها فلان ويرحم فلاناً ويشافيه من مرض السرطان وما شابه ذلك. حتى تجاوزت اعداد القبور والأضرحة والمقامات لأئمة أهل البيت والأنبياء والأوصياء المزعومة (600) مرقد ومقام.
لقد قام الباحث الجريء عباس شمس الدين بتقديم هذه الدراسة المهمة والوثيقة التاريخية من خلال متابعة هذه المراقد والمقامات والتأكد من صحتها أو زيفها, ومن خلال مراجعة المصادر المهمة والتأكد من صحة نسبها, ففي هذا الوقت الصعب والحرج الذي يمر على العراق من حرب داعش وانتشار الفساد الاداري والمالي في وزارات ودوائر الدولة وفي ظل انتشار التطرف الديني والطائفي وانتشار ميليشيا الاحزاب المتنفذة, من الصعب أن يصدر بحث أو مقال في هذا المجال, إلا أن الباحث الجريء شمس الدين قد طرح هذا الموضوع من خلال كتابه للتصدي وفضح هذه المزاعم من ذوي النيات السيئة وممن اتخذوا هذه المراقد والمزارات والمقامات دكاكين وتجارة مربحة ليعتاش عليها ثراءً منقطع النظير في هذا الوقت الصعب.
يسيح بنا الباحث شمس الدين في كتابه هذا في مقدمة جميلة ورائعة وهو يبحث عن تاريخ طقوس و وسائل الدفن في عصور ما قبل الميلاد والعصور الاسلامية, وكيف كان الانسان في ذلك الوقت يدفن موتاه وطرق و وسائل الدفن. والسؤال المهم الذي طرحه الباحث شمس الدين في كتابه هذا حول هذه المراقد المزيفة والمزعومة, هو : (هل هذا قبر فلان؟ والكتاب برمته جواب بالنفي لكل من ورد اسمه في القائمة الطويلة التي زادت على ستمائة عنوان إلا في بعض الاستثناءات لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة, فثمة شكوك محيطة بها كافية لمنع النفي المتخم بالطمأنينة).
كتاب المراقد المزيفة عدّه الباحث شمس الدين معجماً موجزاً للمراقد المزيفة والموضوعة والمنقولة والمجعولة في العراق, وقد زادت في الآونة الأخيرة بعد عام 2003م في مختلف اصقاع العراق عدداً كبيراً من اشكال القبور المزيفة, بما يشكّل في كثير من الأحيان ضرراً تاريخياً واساءة لبقية المراقد المعلومة والموثقة تاريخياً لأهمية مكانتها في المجتمع والتاريخ الاسلامي, فقد احصى الباحث في كتابه قبور (بنات الحسن بن علي) في منطقة الفرات الأوسط وجنوب العراق وقد تجاوز عددها (19) قبراً, علماً أن بنات الحسن بن علي هُنَّ (5) بنات فقط ولم يزر الإمام الحسن بن علي ولا بناته ارض الرافدين, فضلاً عن اتخاذ مجلس محافظة بابل مدينة الحلة بعد عام 2003م اسماً آخر اطلق على مدينة الحلة وهو (الحلة عاصمة الإمام الحسن المجتبى), والسؤال الذي اطرحه, إذا الامام الحسن بن علي لم يزر العراق ولم يزر الحلة خاصة فكيف تم اتخاذ مثل هذا القرار في هذا الوقت من قبل مجلسها؟ هذا القرار اثار المجتمع الحلي واصبح محل سخرية من بعض الادباء والمثقفين والزائرين للمدينة, ويعدّ هذا القرار لحق بها الضرر واصابها مثلما اصابها من ظهور قبور مزعومة ومزيفة في الآونة الأخيرة, بل أكبر بكثير.
اصبح انتشار القبور المزيفة في الآونة الأخير واتخاذها دكاكين ليعتاش عليها اصحابها من عمدية وقصدية ونية مبيتّة, واختراع شخصية وهمية لا وجود لها, أو دراسة اسم الشخصية من اصحاب القرار للقبور المزيفة والاطلاع على انساب اهل البيت ليصبح قرارهم صائباً في هذا المرقد المزيف. كان لانتشار هذه القبور من خلال احلام حلم بها اصحابها كأن يكون طفل أو طفلة أو زوج أو زوجة صاحب هذا الحلم ومن ثم الاعتقاد واليقين بصحتها, واحياناً ينتج تزييف للقبر من خلال تشابه الاسماء أو الصفات التي ادت إلى تحريف في موضوعة القبر, فتشابه الاسماء قد كثر في منطقة الفرات الاوسط, ولهم قبور معروفة مع اسماء شخصيات معروفة, مما ادّى إلى نسبة هذا القبر خطأً إلى شخصية الأشهر بينها, مثل قبر النبي يونس وقبر النبي ايوب وقبر النبي شيت وقبر النبي ابراهيم الخليل, أما قبور الأئمة فمنها قبر عمران بن علي وبكر بن علي واحمد ومحمد بن الحسن وعون واولاد الكاظم وشريفة بنت الحسن فحدث ولا حرج.
اصبحت انماط مشهورة في منطقة الفرات الاوسط وجنوب العراق, وفضلاً عن المعابد البابلية القديمة التي اتخذت منها مقامات كمقام رد الشمس ومقام الخضر ومقام زين العابدين ومقام الغيّبة, لكن ظاهرة القبور المزيفة لا نعلم متى بدأت وفي أي عهد, إلا انها ازدادت في الآونة الأخيرة, وفي ايران تنتشر ظاهرة (امام زادة) أي (ابن الامام) وبالخصوص في القرى البعيدة حتى قفز عدد هذه المراقد في إيران من (1500) مرقد في عام 1979م إلى حدود (8000) مقام ومرقد وزادت إلى (10700) في نهاية عام 2008م.
مع كل ما يمر به العراق من جهل وتخلف وتردٍ للواقع التربوي والصحي وتدني الواقع الاجتماعي نجد الحكومات المتعاقبة على العراق منذ عام 2003م قد تسامحت مع هذه الظاهرة ظناً منها انها توزع الكتلة المتدينة عددياً على اكبر عدد ممكن من المراقد, وأن لا تكون هناك نقاط تجمع كبرى يجتمع فيها الناس, لكن المزورين ومهاراتهم المتعاظمة في الوثائق جميعها زادت من ذكائهم وصار اختراع القبر الزائف وسيلة وحيلة مربحة يبحثون عنها في كتب الانساب عن اسم لإمام فيها لا قبر له, ثم ينسبونه إليه, مستغلين جهل الناس, فضلاً عن انتشار ظاهرة البناء على الموضع الذي يغسل فيه الميت الفلاني, او بناء قبة وضريح لمرقد السدرة الفلانية او وساطة النقل (التراكتور) التي انتشرت اخيراً بعدّها تمنح المراد لمن يزور هذا (التراكتور), فتزداد القباب وتتعدد القبور.فهذا التمدد الخطير للقبور المزيفة فعلى اصحاب الشأن ولا سيما من القائمين عليه من مديرية المزارات والشؤون والأوقاف الدينية ان تتصدى لها وتحظرها وتزيلها, وتتحقق من مزاعم من اقامها, فضلاً عن مشاركة الآثاريين في هذا الشأن لأهمية الموضوع, والقيام بالتنقيب للتأكد من مزاعم هؤلاء المزيفين, ومن خلال العثور على القبور المزعومة كأن يكون الدليل القاطع قطعة رخامة أو حجر كتب فيها اسم وسنة الوفاة لصاحب المرقد ولإثبات نسبه, مما يستدعي التدقيق في هذه القبور المزيفة, والتتبع السيَّري لتاريخ صاحب القبر المزعوم, قد ينفي صحة النسب للقبر أو المقام, ومحاسبة القائمين عليها قضائياً, لأن هذه الظاهرة تعتبر خطيرة على تجهيل المجتمع وتخلفه ونحن نعيــش في القرن الحادي والعشرون.
المصدر/ المراقب العراقي

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة