هل ادلكم على اسباب المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية
المستحدثة في العراق . وتدهور العلوم والفنون والنشاط الصناعي والتعليم
والصحة وغيرها من المسائل التي نعانيها . انها تعود الى انهيار الطبقة المتوسطة ، هذه الطبقة التي تتوسط بين الاغنياء والفقراء . والتي تضم الموظفين والمعلمين والضباط والاطباء والمهندسن والمحامين والادباء والفنانين وصغار التجار والصناعيين وغيرهم ممن لديهم موارد ثابتة او كافية للعيش بكرامة . . وهم من غير المحتاجين او المعوزين . ولايطمحون بالغنى الفاحش . هم قنوعين ومتدينين دون غلو لايمانهم بالله مع عدم اهتمامهم بتفاصيل الدين وليس لديهم اي عداء للطوائف و القوميات محبين لبعضهم كارهين الطمع . ولا ينتابهم القلق من الحاجة المستقبلية . ولا اللهاث وراء المال ، يعرف عالم الاجتماع ماكس فيبر الطبقة المتوسطة بانها الطبقة التي تقع في وسط الهرم الاجتماعي .ويتم التعامل معها بكونها رأس المال الثقافي للشعب
ان الطبقة المتوسطة هي طبقة المتعلمين والمثقفين التي تضبط ايقاع المجتمع . وتتميز بحبها للثقافة والفنون وهي مطبوعة بالطابع الاخلاقي والقيمي للمجتمع ولذلك تعتبر بيضة القبان لتوازن المجتمع
ومن الناحية الاقتصادية تعتبر الطبقة الوسطى اكبر ضمانة للتنمية الاقتصادية للدولة وهي الممول الرئيس الثابت للمشاريع الاستثمارية الصغيرة او المساهمة
نشأت الطبقة الوسطى في العراق في بداية تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وبالرغم من ان الحكم الملكي كان يستند بالدرجة الاساس على كبار ملاك الاراضي الاقطاعيين الا ان الطبقة الوسطى ظلت تتطور وتزدهر نتيجة تطور مؤسسات الدولة والتعليم على وجه الخصوص . وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ازدهرت الطبقة الوسطى نتيجة النمو الاقتصادي بعد تزايد واردات النفط وما رافقها من الميل الى الحداثة والنهضة الثقافية المضطردة . وفي وقت لاحق ازدهر الفن والادب وخصوصا الرسم والنحت والموسيقى والمسرح واعتبرت الطبقة الوسطى مركز التنوير الثقافي والحضاري للمجتمع العراقي . وقد ساهمت هذه الطبقة مساهمة فعالة في قيادة الحركات السياسية الوطنية والقومية في العراق وكانت على الدوام اساس كل تقدم علمي او ثقافي واعتبرت المحرك الاساسي لنهضة المجتمع العراقي الذي اوشك ان يصبح في مصاف الدول المتقدمة
ولكن الدوائر الاستعمارية والصهيونية ادركت خطورة الطبقة الوسطى في قيادة المشروع التنموي التقدمي في العراق ، فعملت على اضعافها اولا عن طريق الحصار الجائر خلال عشر سنوات . والذي ادى الى تضائل نفوذ هذه الطبقة نتيجة الضائقة المالية التي عانى منها اغلب افراد هذه الطبقة وادت الى بيع مقتنياتهم كماصرفوا كل مدخراتهم . وقد اعلن وزير خارجية امريكا الاسبق جيمس بيكر صراحة بانهم سيعيدون العراق الى عصر ماقبل الصناعة ، مما يثبت المخطط الكبير الذي رسم لتدمير البنية التحتية للعراق واستكمال تقويض الطبقة الوسطى لاعادة العراق الى زمن التخلف والظلام . وهم يعلمون جيدا اهمية هذه الطبقة في قيادة المجتمع العراقي نحو التحرر
والتقدم
لقد كان بامكان امريكا والضالعين معها في التحالف المشبوه تغيير نظام الحكم ببساطة ولكنهم آثروا الحرب وتدمير الدولة ومؤسساتها واعادة العراق الى نقطة الصفر
وكان من نتيجة ذلك ايضا سقوط العديد من الدول العربية كاحجار الدومينو
في اتون الفوضى والحروب الاهلية
ولم يكتفوا بذلك فقط بل جلبوا معهم اشخاصا من سقط المتاع لادارة الحكم من باعة السبح والمحابس المقيمين في الدول المجاورة ، ومن
كان يستجدي المارة قرب اعمدة الاشارات الضوئية في بغداد ، مع حفنة من المعتوهين والمرضى النفسانيين من حملة الشهادات في الدول الغربية لايهام الناس بخبراتهم الوهمية . . وبالمقابل غادر العراق اكثر من اربعمائة الف عراقي من كل الاختصاصات العلمية والفنية والادبية وهم قادة الرأي للطبقة المتوسطة التي كانت تقود المجتمع العراقي على مدى سنوات طوال . اما من
بقي في الوطن فقد اغتالته ايادي آثمة على وفق قوائم معدة سلفا من خارج الحدود ومازال مسلسل الاغتيالات مستمرا الى يومنا الحاضر
ان الضغط المتواصل على الطبقة الوسطى جعلها تنسحب من الحياة السياسية والاقتصادية وابتعدت كثيرا عن الحياة الاجتماعية . فاحدث انسحابها فراغا في مجتمع المدينة تم ملؤه بالثقافة الريفية التي اصبحت ذات ثقل سياسي واجتماعي ويقول المفكر العراقي فالح عبد الجبار ان القاعدة الاجتماعية المدينية تراجعت في عهد السلطة الحالية لصالح الريف ، فتم ترييف المدن ومنها العاصمة بغداد للقضاء على كل اشكال المدنية ولاستمرار حالة البداوة التي يستمد منهارجال الدين ورؤساء الاحزاب القوة والديمومة
ان اضمحلال وتشظي الطبقة الوسطى في العراق لايعني زوالها فان
الموروث الثقافي والاجتماعي لها مازال موجودا في ضمير الشعب ومازال الناس يتذكرون الرموز الثقافية والفنية التي رفدت العراق بابداعات حضارية راسخة
ولذلك فان الطبقة الوسطى في العراق مازالت قادرة على اعادة انتاج البنى التحتية الثقافية والحضارية للدولة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي ومن يريد اعادة العراق الى سكته الصحيحة للتطور والنهضة عليه اعادة تشكيل وانماء الطبقة الوسطى من خلال تعزيز وجود الدولةالفاعل . والعمل على تطوير الصناعة المحلية والتوسع في التعليم ومكافحة الامية . . وهذا يتطلب بالتاكيد قيادة حازمة مخلصة حريصة على ازدهار وتقدم العراق
، وما علينا الا تهيئة الظروف المناسبة لايصالها الى قمة الهرم من خلال الايمان بقدرات الشعب للنهوض من كبوته وياتي هذا الايمان من العمل على تجاوز هذه المحنة وتشكيل رأي جمعي بحتمية اعادة العراق الى وضعه الطبيعي كقائد للتغيير والتقدم في المنطقة