22 نوفمبر، 2024 10:28 م
Search
Close this search box.

التقارب الإسلامي- المدني في المنظور السياسي

التقارب الإسلامي- المدني في المنظور السياسي

فرضت إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة على الفكر العربي-الإسلامي منذ بداية القرن الماضي، وظهورالحركات العلمانية في المجتمعات الغربية وتصديرها نحو البلدان العربية والاسلامية نتيجة الحركات الاستعمارية وتأثر الثقافات وعوامل التطورات السريعة التي شهدها العالم وتأثر بها لطرحها كخيار بديل الاحتكار للسلطة الدينية او السياسية ، ثم عادت لتبرز مجدداً وبقوة أكبر في المنطقة العربية، وهذا نتيجة لمجريات الحراك العربي والتطورات المتسارعة التي شهدتها المنطقة العربية المسماة ب “الربيع العربي” حيث شكل الجدل حول الدولة والإسلام السياسي وما تشهده الأجواء السياسية من صراعات بين القوى الاسلامية -العلمانية وبعض تياراتها المتشددة،وتدخلات القوى الاقليمية وتجاذباتها على المشهد العربي ،ولا يزال قلب الصراعات الدينية والإيديولوجية والسياسية،والتنظيمية، المتفجرة بالأحداث والاوضاع الخطيرة والمعقدة . نتيجة محاولة الانفراد بالسلطة او الهيمنة على حساب الاطراف الاخرى الرافضة .

وبات من الصعب الوصول إلى تحول أو انتقال ديمقراطي سلمي وبناء مؤسسات دولة تشريعية وتنفيذية بدون إشراك مختلف التوجهات الفكرية المناهضة للاستبداد، بمختلف مرجعياتها الأيديولوجية من اجل اسقاط الاستبداد و بناء دولة المؤسسات الديمقراطية.

واصبحت بذلك مسألة التقارب الإسلامي- العلماني ضرورة وطنية آنية ذات أهمية قصوى في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها المنطقة، لتجنب مختلف السيناريوهات الكارثية التي تحيل إما على استمرار الاستبداد الحاكم في السلطة أو فرضية العنف و متاهة اللاستقرار التي باتت تتخبط فيها بعض دول المنطقة ذات المكونات الطائفية والقومية والمذاهب الفكرية الاخرى واصبحنا امام خيارين اما الاقتتال وحفر مقبرة للأخر، واما التوافق الوطني برؤية اخلاقية ووطنية في ظل وطن واحد وشعب واحد وكتلة عابرة لمفهوم النزعة الطائفية والسياسية والحزبية وهذا ما نشهده اليوم من حالة توافق وتقارب اسلامي -علماني شهدته لبنان متمثلة في حركة حزب الله والتحالفات المنضوية معها والتيار الصدري والتحالفات العلمانية المنضوية معه تحت شعار “حب الوطن من الايمان”

ان قيام التحول الديمقراطي في العراق الجديد يشير إلى مرحلة جديدة تم من خلالها تفكيك النظام الشمولي أو التسلطي السابق، وبناء على أنقاضه نظام ديمقراطي جديد ، وعادة ما تشمل عملية الانتقال مختلف عناصر النظام السياسي مثلا، البنية الدستورية والقانونية ، والمؤسسات السياسية وأنماط مشاركة المواطنين في العملية السياسية ، لكن تلك العملية لا تتم بشكل بيروقراطي دون مشاركة المجتمع المدني في صياغة معالمه الأساسية ، وقد تشهد مرحلة الانتقال صراعات ومساومات واضطرابات كما لوحظت من الناحية التطبيقية واثارها وتداعياتها الخطيرة .

إلا أن ذلك لايسد فجوة الخلاف الايديولوجي ولا النسق الديني الشرعي والنظرة الدينية الشمولية تجاه تلك الأحزاب والمذاهب العلمانية بشتى افكارها وتوجهاتها ولا النسق السياسي العربي بأكمله، فلا زالت أحزاب وتيارات سياسية وجماعات إسلامية متشددة، تنظر الى تلك الحركات العلمانية في شموليتها كظاهرة الحاد وكفر، وأن كل يساري أو ليبرالي زنديق، كما أن العديد من هذه الحركات تختصر الديمقراطية في المسألة العددية، وتعتبرها ماهي إلا وسيلة للوصول إلى السلطة

وبوتيرة مختلفة، نجده عند التيار الاستئصالي من العلمانيين، أن كل الإسلاميين بمن فيهم المعتدلين، إرهابيين وظلاميين ويخدمون أجندات أجنبية معينة. لذلك فليس كل العلمانيين ديمقراطيين وليس كل الإسلاميين عادلين

أن تدبير مرحلة ما بعد الاستبداد والحكم الدكتاتوري والفشل الإداري وسوء استخدام السلطة تحتاج إلى توافقات وطنية تسمو فوق الحزبية تصب في المصلحة العامة وتقتضي تنازلات ضرورية وملحة وفق متطلبات المرحلة للعبور من الازمة والتداعيات والمشكلات التي تعيق حركة النهوض بالمشروع الوطني،وان التوافق ما بين الأطراف في ظل المرحلة الراهنة يتطلب رؤية وطنية سياسية ناضجة للخروج من تبعات الظاهرة الطائفية السياسية والفكرية وبناء الدولة العراقية وفق معايير الحق والفضيلة والإصلاح ووفق الدستور لضمان حقوق الجميع في دولة قوية ذات سيادة وطنية ومشاريع اقتصادية وخدمية تنشر العدل والمساواة في ربوعها وتحقق متطلبات الشعب في العدالة الاجتماعية والرفاهية.

أحدث المقالات