في (الارق استراحة النوم)
النص الشعري مغامرة وجدانية مهمتها(التطهير)على رأي ارسطو وتقديم الحقيقة صوريا على رأي الواقعيين.. بمنهج فني يعتمد الاقناع في التعامل الفكري والعاطفي..انه اختراق الثابت وتجاوزه بوساطة ذات منتجة لمشاعرها ورؤاها لتحقيق هدف الشعر الذي هو (رؤية ما لايرى) على حد تعبير رامبو.. بتوظيف وسائل تعبيرية مكتنزة جماليا ومتجسدة بشكل رمزي ودلالي يقترن بالواقع ليكون نوعا من المعادل الحياتي للوجود الانساني الذي تأخذه اللحظة صوب الفناء..
والشاعر مقداد مسعود في مجموعته الشعرية(الارق استراحة النوم) التي اسهمت دار ضفاف في نشرها وانتشارها/2017..يجمع ما بين المتعة الادهاشية والمنفعة الفكرية كرسالة يتبناها في مضمار الشعر من خلال التساؤلات التي تطرحها صوره الشعرية المحتضنة للهم الذاتي والذات الجمعي الآخر باعتماد اللغة الايحائية والتكثيف والايجاز الجملي ابتداء من العنوان المفتاح التأويلي والايقونة الدلالية الخالقة لنصها الموازي المضاف بفونيماته الثلاثة المكتظة بالتفاصيل الحوارية السابحة ما بين الصحو والنوم(الرؤية والرؤيا) المعبران عن الحالة النفسية والكاشفان عن البعد الانساني المتصاعد في ارقى تجلياته وسلوكياته ببناء فني معنى ومبنى..
يغمرني نعاس بثياب صيفية
فأرى ذلك العصفور يفتح جناحيه كمظلتين
ويرسم انصاف دوائر..مثل مصباح يدوي يترامش
حينها يطمئن نومي..
لن امتص الملح من اصابعي ورفقتي
في
قطار
حمولة
ظهيرة
صيف
1963 /ص40
فالنص ينبثق من موقف انفعالي وتوتر نفسي يتكىء على حقول دلالية (زمان/مكان/حدث/شخصية..)..مع تكثيف العبارة وعمق المعنى بالجنوح نحو التركيز للتعبير عن اللحظة بتوظيف التقنية الانزياحية واستنطاق الرمز بوصفه(اداة فكرية معبرة عن قيم غامضة تسهم في تصعيد التكنيك النصي)..فينسج الشاعر عوالمه عبر فضاءات منفتحة على آفاق دلالية مشبعة بها الذاكرة المنتجة التي تتشابك فيها الالفاظ الخالقة لجملها المشهدية التي تتجاوز واقعها(بانزياح معيار اللغة) على حد تعبير جان كوهن..فضلا عن خروجها عن فضائها العلاماتي الى فضائها التأويلي وهي محملة بوجعها الذاتي وندائها الخفي باعتمادها الفعل الحركي(يغمر/يرسم/يدوي/اختنق..).. اضافة الى انسنة الاشياء القائم على انعكاس الحالة النفسية وسمو التجربة بتحويل المشاهد الى رؤيا..
اشتريت مظلة..
ورحت ادربها عند الفجر..مع هلال مكتبتي
وفي نزهات مساءاتي
…………………………….
…………………………….
الآن تشير الاصابع نحو كهل وتقول الافواه
وحده هذا الطفل المجنون
يحمل مظلة لشخصين.. /ص73
فالمقاطع النصية تتسم بالوعي الفكري والنزعة الدرامية وتجاوز النسق المتداول باعتماد البناء المشهدي القائم على لغة الاستعارة والمجاز والمخيلة المتدفقة التي تحول الفكرة الى صورة مع غوص في اعماق الذات..فضلا عن توظيفه تقانات فنية متجاوزة للتفصيلات والاستطرادات الوصفية كسيميائية التنقيط التي تشكل نصا صامتا تتعطل فيه دلالة القول وتستدعي المستهلك(المتلقي) لملىء بياضاته ليكون مشاركا في بناء بعض عوالم النص وفك مغاليقه بلغة تشكل وسيلة وغاية في حد ذاتها والتي يعمل الشاعر على تفجير طاقتها الايحائية والانزياحية كي يكشف عن وظيفتها الجمالية..
انتقل مع ربيع 2003 الى آذانهم فانتعش وادي السلام
بشواهد الحروب والتواصل الاجتماعي
في المقبرة الجديدة
اصطدم قبر
بكتفي الايسر وانا احاول المرور بين قبرين
فاذا بالصدمة جاءت من صديق
نسيني ثلاثين عاما لانني لم اضمد جرحه السياسي…
ليلتها زارني في فندق البلال..وحين سالته: كيف عرفت مكاني؟
اجابني:انت اخبرتني وانا تنازلت
لمن لا يملك قبرا /ص120
فالنص يتميز بدينامية حركية مع رؤيا للزمن وتأكيد على المكان باعتباره مكون ثقافي ووعاء فكري حاضن للفعل الشعري والذاكرة..فيسجل المنتج(الشاعر) لحظته التي تتمحور اشتغالاتها على الحدث اليومي بتعابير جمالية معتمدا العبارة الموجزة..المشحونة بالخيال والحركة المرئية المؤطرة بوحدتها الموضوعية.. وحيثيات دلالية تنبثق من المفردة الرامزة بوصفها لفظ مكتنز الدلالة في سياق يبذل فيه المنتج جهدا استثنائيا في هندسة تراكيبه الجملية الخالقة لصوره من خلال اشتغاله بحركة ذهنية واستثمار العناصر البلاغية(مجاز/استعارة..)..اضافة الى توظيفه تقانة الاستذكار والتذكر والرمز المتوهج بنغمه..المتألق في سياقه..
وبذلك سجل الشاعر حضوره الواعي المنسجم مع تنامي المؤثرات النفسية والحسية في مجمل تعبيراته النصية..كاشفا عما جاء به كروتشه الايطالي(ان العاطفة بدون الصورة عمياء والصورة دون عاطفة فارغة جوفاء..)..