ما عُدنا نسعَد بسماع هكذا أخبار، وما عادت تُطربنا بيانات صادرة في هذا الخصوص عن هيئة النزاهة أو سواها من مؤسسات الدولة المعنيّة، فالأمر سيّان أصدَرَ الحكم على فاسد من مسؤولي الدولة أم لم يصدر.
دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة أعلنت للتوّ عن صدور حكم غيابيّ بالسجن سبع سنوات في حقّ كلّ من محافظ ديالى الأسبق،عبد الناصر المُنتصر بالله محمد المهداوي، والمدير السابق لإحدى القنوات الفضائيَّة في المحافظة) (لم تفصح عن اسمه مداراة له، في ما يبدو، واكتراثاً بما يُمكن أن يلحق به من عار!)،”لإلحاقهما الضرر بالمال العام بأكثر من مليار دينار”.
الدائرة أوضحت، في معرض حديثها عن تفاصيل الحكم الغيابي الصادر عن محكمة جنايات ديالى الأولى في حقّ المدانينِ الهاربينِ، قيامهما بالإضرار العمد بمصالح وأموال المحافظة، إذ قام المتَّهم الأول بمنح المتَّهم الثاني صلاحية إجراء التفاوض مع الشركة المنوط بعهدتها مشروع تجهيز وتشغيل القناة الفضائية، مبينةً أنَّ المتَّهم الثاني قام بإبراء ذمَّة الشركة من أي تلف أو عطل للمواد خلافاً للضوابط؛ ممَّا تسبَّب بإلحاق ضرر بالمال العامّ يُقدَّرُ بـ(1,119,525,000) مليار دينار، وإلحاق الضرر بالمال العام تعبير بديل ملطّف للغاية للفساد الإداري والمالي ونهب المال العام.
المهم أنّ هذا الحكم سيكون كأنّه لم يكن، فبموجب أحكام قانون العفو العام الذي شرّعه مجلس النواب منذ سنتين ثمّ عدّله العام الماضي، في وسع المدانين الفارين الحضور أمام المحكمة وإعادة المبلغ المسروق والحصول على حكم جديد يبطل مفعول حكم الإدانة. بل سيكون في امكانهما العودة الى وضعهما السابق وكأنّ شيئاً لم يكن مثلما حصل مع مسؤولين سابقين، نواباً ووزراء ومحافظين وسواهم، فقد أعاد هؤلاء المبالغ التي سرقوها أو تلاعبوا بها، بعد أن استثمروها وحققوا منافع كبرى منها مكنتهم من شراء عقارات داخل البلاد وخارجها والمشاركة في مشاريع غير استثمارية مما يحقق أرباحا سريعة وكبيرة كشركات الصيرفة والفنادق والملاهي، وحصلوا على أحكام بمثابة أحكام براءة مكّنت البعض منهم من العودة إلى مناصبهم السابقة.
معلوم أن قانون العفو توافقت فيه إرادات القوى الأكثر فساداً مع القوى الأكثر رعاية للإرهاب والإرهابيين لضمان إطلاق سراح عناصرهم الفاسدة والإرهابية المُدانة. وها أن البعض من الذين شملهم العفو، فاسدين وإرهابيين، قد ترشّحوا على قوائم هذه القوى للوصول الى مجلس النواب لمواصلة فسادهم وإرهابهم محميّين ومستقوين هذه المرّة بالحصانة البرلمانية..!
يتعيّن علينا، بعد هذا كله، رفع القبّعات لمسؤولي هيئة النزاهة،لأنهم ما لبثوا يعاندون وينخدعون بجدوى ملاحقة الفاسدين ومحاكمتهم التي لم يعد لها أي معنى في ظلّ قانون العفو السيّئ..!