يدرك المتفحص لقوله تعالى (الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف) السر العظيم في ربط عبادة الله تعالى بالأمن الغذائي والنفسي . فالذي يتحقق له الأمن عليه أن يتوجه إلى سبحانه تعالى بالشكر ، لأن الأمن من أعظم النعم ، وفقدان الأمن يعني الخوف والاضطراب والحيرة والقلق والشك . وقد ربط القرآن الكريم الأمن بالأيمان في قوله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) . فكل الأمن للذين آمنوا. ومفهوم المخالفة يقضي بأن الأمن لايتحقق لغير المؤمنين، وعليه فإن المدخل الحقيقي لتحقيق الأمن هو الإيمان . أما الوسائل التي تستخدم لتحقيق الأمن دون النظر إلى الأيمان ، فهي وسائل قاصرة غير مجدية ، والواقع يشهد بذلك:-
ـ أمن أي بلد لايتحقق بالمزيد من رجال الأمن رغم أهمية وجودهم ولكنها وحدها لاتكفي ولاتحقق الغرض.
ـ فرض حظر التجوال لايحقق الأمن لأنه أسلوب غير قابل للاستمرار.
ـ الضغط الاقتصادي لايحقق الأمن بل يزيد الطين بلة.
ـ عدم احترام المواطن في بلده والحديث معه بغلظة والتعامل معه بشكل فظ لايجلب الأمن للبلاد بل يكثر من عدد الحاقدين.
ـ أمن البلاد لايتحقق بمنع القول والتعبير والإرهاب النفسي.
التجارب الأمنية في كثير من البلدان تجارب فاشلة حتى في أرقى الدول صناعة وعلماً . كل من زار الغرب يعلم سهولة الجريمة وقلة قيمة الإنسان . مدن كثيرة لايستطيع الإنسان التجوال فيهل لأنه يكون عرضة للاغتيال والسرقة . واختراق الأمن في تلك البلاد يكون من العصابات والمجرمين والمنحرفين . أما في بلداننا النامية/المتخلفة، فإن بعض الحكومات يكون لها دور في ذلك الاختراق . ولقد رأينا بل عشنا كيف اغتالت حكومة البعث خيارات الشعب العراقي الديمقراطية ، ورأينا كيف يتحول الشاب المتدين الواعي الوطني إلى مواطن سلبي كرد فعل على تطرف السلطة التي اقتحمت بيته وانتهكت مبادئه الوطنية وأهانت كرامته وداست على شخصيته.
إذا توفر الحكماء والعقلاء الذين ينظرون إلى البعيد ويقيدون أفعالهم وأقوالهم بثوابت مجتمعاتهم وأوطانهم واستراتيجياتها .. فإن الأمور ستكون بإذن الله بخير . أما إذ وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ، الساعة الدنيوية قبل الأخروية ، انتظر اختلال الأمن النفسي والاقتصادي والاجتماعي . وصدق الله العظيم (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا).