برز في انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2018 خيار المقاطعة كخيار منظر له لا كخيار طائفي أو قومي وإنما كخيار لحل مشكلة الخلل في الأداء والفساد والتوافق السياسي، فخيار المقاطعة كان حاضراً في كل انتخابات عملياً وفي بعضها نظر له طائفياً أو قومياً أو كلاهما ولكنه هذه المرة كما قلنا طرح بصورة مختلفة بعض الشيء.
بعيداً عن نظريات المؤامرات –ولكن ليس ذلك نفي لها ولا تشكيك بكل أحد- فإن خيار المقاطعة ليس حلاً للمشاكل المطروح هو كحل لها لذا قلنا إنه “خيار مخلل” ونقصد “فيه خلل” واختيار العنوان هكذا للملاطفة والجذب لا أكثر.
أهم سؤال ينبغي طرحه هو:
هل مقاطعة الانتخابات ستقضي على الفاسدين في العملية السياسة أو تقلل من تأثيرهم أو تسحب منهم الشرعية؟
وما نقدمه من إجابة على ذلك السؤال هو النفي وللأسباب الآتية:
اولاً: لا يمكن إفشال العملية السياسية من خلال مقاطعة الانتخابات ولا توجد تجربة واحدة في العالم تم من خلالها تغيير إيجابي ولو طفيف من خلال مقاطعة الانتخابات بحسب تتبعي .
ثانياً: العملية السياسية وإن كان فيها خلل على مستوى القوانين والاداء ولكنها منطلقة من دستور تم التصويت عليه ولا يمكن تجاوز ذلك بسهولة وتغيير الدستور والقوانين لا يمكن أن يتم من خلال المقاطعة وإنما من خلال بوابة مجلس النواب نفسه!
ملاحظة: أنا لم اصوت على الدستور واقمت ندوات سنة 2005 للاعتراض عليه لكني ملزم حالياً باحترامه.
ثالثاً: العراق ليس كأي بلد كما تعلمون، العراق تعمل فيه فواعل ومؤثرات دولية متناقضة ومتناحرة وبالتالي لن يقف هؤلاء متفرجون لتحقيق هذا الحلم الذي تتحدثون عنه.
وهذا ليس استسلام ولكنه واقعية وعلينا أن نعمل ضد هؤلاء ولكن بطرق نافعة لا بهذه الطرق المضمونة الفشل.
رابعاً: ليس في الدستور ولا القوانين العراقية ولا الدولية ولا العرف الديمقراطي أي ضابطة لنسبة المشاركة لأنه وفقاً للدستور العراقي وأغلب دساتير الدول فالانتخاب حق وليس واجب وبالتالي لا يمكن الاحتجاج قانوناً على إن نسبة المصوتين منخفضة وبالتالي فإن الانتخابات غير شرعية.
خامساً: الاحزاب والشخصيات المتسلطة الفاسدة التي يراد ازاحتها لديها جمهور جهوي وجمهور متردد تحركه بأدواتها المعروفة وهؤلاء سينتخبون بنسبة كبيرة وبالتالي فإن المقاطعة تزيد حظوظ فوزهم على حساب من ليس له جمهور خاص أو جمهوره الخاص صغير أو لا يعتمد أساليبهم كدفع المال أو الوعود الانتخابية الكاذبة لجذب الاصوات يعني أنتم بالمقاطعة قضيتم كلياً على فرص فوز أي شخص من خارج دائرة المتسلطين.
سادساً: تزوير الانتخابات وإن كان أمراً وارداً ولكنه أكيداً ليس بهذه الصورة المبالغة بها والدليل إن نفس من يتكلمون عن التزوير مشتركون في الانتخابات!
سابعاً: المقاطعة لا يوجد ضامن على كون الاستجابة لها في المناطق المختلفة متساوياً وبالتالي هذا سيغير ربما -إن كانت الاستجابة واضحة- الخريطة الانتخابية لصالح جهات ستستغل ذلك وتروج له طائفياً أو مناطقياً.
ثامناً: لنفترض إن العملية السياسية سقطت بسبب المقاطعة وماذا بعد ذلك؟ ما هو برنامج المقاطعين؟! شخصياً لم اطلع على اي برنامج! وعدم وجود برنامج يعني فوضى واضطراب وعدم وجود خطة ورؤية واضحة.
تاسعاً: نحن لسنا أمام خيارين لا ثالث لهما كما يصور المقاطعين أما انتخاب الفاسدين أو مقاطعة الانتخابات وإنما نحن امام خيارات أخرى منها البحث عن مرشح مناسب ودعمه أو جهة مناسبة ودعمها أو فرض برنامج انتخابي شعبي -كما اسميته وروجت ولا زلت- على جميع المرشحين ممن يطلبون الدعم وفق شروط سنبينها، وقطعاً هذا لا يعني الخلاص من الفاسدين وإنما تصحيح جزئي معقول ضمن المستوى المتاح وممكن في الانتخابات القادمة-أو مع توقع تأجيل الانتخابات- البحث شعبياً عن مرشحين محتملين وحثهم على الترشيح ودعمهم، واعلم جيداً عن هيمنة الفاسدين ورؤساء الاحزاب والكتل والتأثيرات الخارجية ولكنها ليست مانعة كلياً للعمل الصحيح.
عاشراً: يمكن لمن لا يقنعه كل ذلك عدم الذهاب للانتخاب أو الذهاب وإبطال الورقة لكي لا يكون شريكاً في اعطاء الشرعية لعملية سياسية فاسدة كما يريد دون الحاجة للدعوة للمقاطعة أو الترويج لها.
والله من وراء القصد علماً إني لست مرشحاً في أي انتخابات حالية أو مستقبلية واتكلم بدافع الحرص على مستقبل البلد والناس والمقاطعة برأيي خيار فوضوي لا فائدة من وراءه ولعله في أصله تم بتوجيه من جهات متنفذة ولا يعني هذا طبعاً التشكيك في كل المطالبين به إذ الكثير منهم ممن نحسن الظن بهم ولكن قد يتبنى المرء خياراً دون تدقيق.