24 سبتمبر، 2024 9:32 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. زهير كريم: وصل الأدب العراقي ولو بشكل محدود إلى العالمية

مع كتابات.. زهير كريم: وصل الأدب العراقي ولو بشكل محدود إلى العالمية

خاص: حاورته- سماح عادل

“زهير كريم” شاعر وقاص وروائي عراقي، من مواليد بغداد 1965، صدر له من الكتب (قلب اللقلق، رواية، دار فضاءات الأردنية 2011-صائد الجثث، رواية، فازت بجائزة دار أثر للرواية، وصدرت عنها 2014- ماكنة كبيرة تدهس المارة، مجموعة قصصية، عن دار المتوسط، وكانت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الملتقى 2017).

يعيش في بلجيكا حالياً، ويتميز أدبه بلغة عذبة متميزة، وبحس إنساني عالي.

إلى الحوار:

(كتابات) في مجموعة “ماكنة كبيرة تدهس المارة” في قصة “ليلة في فندق أميغو” عاش البطل الحرب التي دارت منذ زمن بعيد بخياله وأنهاها بطريقة طفولية.. هل للحرب نهاية؟

  • لا أعتقد أن الحرب تنتهي، في تلك اللحظة التي يتوقف فيها القتال الحرب لا تختفي إطلاقا، بل تنتقل وحسب إلى مكان آخر غير مرئي، حيث تعيد إنتاج نفسها على شكل ألم أو ندبة، تظهر هذه الندبة في كتاب التاريخ على شكل فصول ربما تُطلى بدهان البطولة، تظهر في الذاكرة، وفي عاطفتنا المعطوبة, في خوفنا  الدائم وفي اضطراباتنا, هكذا تعيش الحرب ولا تموت أبدا.

وفيما يتعلق ببطل قصة “ليلة في فندق اميغو”، هو مهاجر يحمل الحرب في داخله رغم المسافات، الحرب هي ثيمة النص التي عالجتها من خلال الدخول إلى الأسطورة، فنحن كما أعتقد نتاج الأساطير، ثقافتنا وعواطفنا  وعلاقاتنا مع الأشياء هي منتج أسطوري، وشخصية “جوليانسكي” في النص، هي شخصية أسطورية، صبي يقوم بإطفاء فتيل الحرب وإنقاذ المدينة من التدمير، هكذا تقول الحكاية التي حدثت في الرابع عشر الميلادي، وهو الآن رمز من رموز مدينة بروكسل، له تمثال أيضا  يسمونه “مانيكان بيس” أي الطفل البوال، يزوره السواح من كل العالم. إذن، لم تكن نهاية القصة طفولية، بل المعالجة كانت  تتضمن المزج بين الحلم والأسطورة، بين الحرب التي في الداخل، وبين الرغبة بالتخلص منها.

(كتابات) في قصة “جنازة آخر المحاربين” سخرية من المهووسين بالحروب.. حدثنا عنها؟

  • في الواقع، حاولت أن أقدم نموذجا ساخرا للعسكر في هذه القصة، فبطل القصة مهووس بالفعل بالحرب، وهو يمثل فكرة العقلية التي تجعل من بعض أنماط البشر ينحرفون بأفعالهم إلى منطقة منحطة، تخلو من الأخلاق والضمير، بالفعل كان نصا ساخرا، وهذه السخرية  هي محاولة لتفكيك فكرة أن يكون المرء، جادا  حماسيا في عداوة  الفن والجمال، بل أنه يحاول أن يفلسف الوحشية، ويجعلها هي الفن  الحقيقي.

(كتابات) وفي قصة “الجثة رقم 5” الحرب تخلف الجنون.. رغم أنك تعيش في بلجيكا منذ عشرون عاما إلا أن هاجس الحرب مازال يسكن أدبك لما؟

  • أحاول قدر الإمكان أن أعيد إنتاج الألم الذي خلفته الحروب، أعرض الحرب باعتبارها منتجا شريرا، إنها محاولة ضد النسيان،  فأنا أظن  بأن العالم يحتاج دائما  أن يتذكر، الفقد، الخراب، الفزع، والعتمة، والأحلام التي سقطت في الهاوية. هنا سوف يكون حذرا، أن لا يخدع مرة أخرى، أن لا يتورط  في قتال، ولأي سبب كان، حتى لو كان  هذا السبب يتعلق بالمقدس، فلا توجد، كما أؤمن، أية حرب مقدسة  على الإطلاق.

(كتابات) هل يعيش الوطن داخل الكاتب المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟

  • الوطن، هو فكرة ليست متعالية، أو مقدسة، إطلاقا، بل هو مكان، أي مكان تتشكل فيه بحكم وجودك على أرضه، جزء من عاطفتك، وثقافتك، معارفك الأولى، وتتسلل إليك أساطيره أيضا، فطبيعي أن يكون للوطن الأم، مكان في داخل الكاتب أينما ذهب. ومن الطبيعي كذلك أن يكون جزء من شريط  أحلامك،  يعبر عن مشاهد من المكان الأول.

بالنسبة لي أنا مرتبط بالوطن الأم، فهو يمثل لي جذرا، وهنا أيضا في بلجيكا، أشعر أني استكمل عاطفتي، استكمل  تشكلي كإنسان، ولا أشعر إطلاقا بإشكالية أو اضطراب، جزء مني هناك، وجزء هنا، وأنا متصالح  جدا مع فكرة الوطن، بمعناها الوجودي، وليس المعنى المقدس.

(كتابات) في رواية “قلب اللقلق” لما اخترت أجواء واقعية سحرية؟

  • طيب، لم يكن ثمة قصدية في توظيف أسلوب معين في كتابتها، قلب اللقلق كانت محاولتي السردية الأولى، ظهرت بهذا الشكل، بكل هفواتها، بكل  نقصانها، وبكل تلقائيتها أيضا.  لا أظن أن الواقعية  السحرية واضحة في النص، دعيني اسميها التعبيرية.

حسنا، كان الشعري طاغيا في النص بشكل عام، ربما كان هذا السبب هو  من جعل السرد يبدو وكأن فيه قصدية لتوظيف أسلوب الواقعية السحرية، الشخصية نفسها كانت شاعرية، لكنها واقعية أيضا، واقعية جدا،  لحد الآن لو قدر لك أن تكوني في بعض مناطق بغداد، سوف تلتقين بالتأكيد باللقلق بطل الرواية،  هو كائن واقعي، حاولت أن أضيف له شيئا من الخيال كي يبدو شخصية روائية،  تشكلت فيها أصوات متعددة  لتعبرعن موقف  أخلاقي، أنا أحب اللقلق، الشخصية الروائية، ربما لأن فيه مني ومن أصدقاء وناس أعرفهم.

(كتابات) في رواية “صائد الجثث” رفض للوحشية التي يهلك بها الإنسان أخيه.. ورصد للتناقضات في عالم البشر.. حدثنا عنها؟

  • بعد 17 عام  من الغياب، كانت زيارتي الأولى لبغداد مثل الحلم,  لكن هذا الحلم سرعان ما تحول من طبيعته الرومانسية إلى كابوس، فبغداد كانت تعيش أقسى أيامها، الحرب الأهلية, وكان محبطا جدا، أن أرى نفسي داخل كابوس. قضيت شهرين هناك، وعندما عدت  إلى بروكسل، كان قد هيمن على حياتي الحزن، حزن المدينة  الموحشة، وملأت رأسي قصص الموت والدم، والألم.  ثم بعد ثلاثة  أعوام، كانت فكرة أن أكتب رواية عن سنوات الرعب قد نضجت، وكان في داخلي رغبة  بالصراخ، أن أصرخ  بوجه الجميع، بوجه العبثية والقساوة، أن أصرخ بوجه الموت، هذه هي القصة الكاملة  لرواية “صائد الجثث”.

(كتابات) لك لغة مميزة تلعب فيها السخرية دورا هاما.. ويصفك البعض بأن لك قاموسا خاصا.. هل اجتهدت لعمل لغة خاصة بك؟..

  • فيما يتعلق بالسخرية هي طريقة أخرى للتعبير عن موقفك من العالم، البعض يجد أن الجدية والصرامة تعبر عن حقيقة هذا العالم، فكل شيء فيه خاضعا للتنظيم  والدقة، بالنسبة لي أرى أن ثمة عبث كثير يحيط بنا، وعندما أنظر للعالم، أعجز تماما عن الحوار معه  بجدية، إنها شيء قاتل ووهمي، ما يجب أن نحاور به الأشياء، هو أسلوب  السخرية.

فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال أعتقد أن الكاتب، أي كاتب، يحاول أن  يشتغل في منطقة لا يشترك فيها مع الآخرين، هذه المنطقة تكون الفضاء  الذي يتحرك فيه، حيث لا يرى القارئ شريكا له، هنا يتحقق جزء من رغبة الكاتب بالتعبيرعن ذاته المتفردة، الكتابة فعل فردي، وأعتقد أن الجميع يبحث له عن منطقة اشتغال خاصة به، اللغة بالطبع هي جزء من طبيعة  الحيز الذي ينوجد فيه الكاتب.

(كتابات) لما اتجهت لكتابة الرواية بعد كتابة الشعر فترة من الزمن؟

  • في البداية، لم أتخيل قط، لم أفكر حتى أن أكون في منطقة أخرى خارج منطقة الشعر، وفي الأوقات القليلة التي فكرت بها بكتابة قصة قصيرة مثلا، كنت أصاب بالرعب، كنت أقرأ كثيرا بالطبع، الرواية  والقصة القصيرة، لكني كنت قارئا وحسب. وفي لحظة ما، كنت  أفكر بالحكايات التي تجمعت في رأسي، فقد حدث أن قمت برحلة غرائبية، كانت حكاية من النوع  الضاغط،  أقصد أنها حكاية تدفعك لضرورة كتابتها، ثم بدأت بالكتابة، استغرق تفريغ هذه الحكاية عام كامل، وبوتيرة متواصلة، لساعات يوميا. وفي النهاية، وحدت نفسي  أكتب شيئا لا ملامح له، لا ينتمي لشكل معين، لا للرواية ولا السيرة  الذاتية، ولا لأدب الرحلات، لكنه على كل حال، كان تمرينا طويلا  وشاقا، منحني الشجاعة أن أكتب روايتي الأولى، “قلب اللقلق”.

(كتابات) هل يشهد العراق نهضة ثقافية وأدبية في رأيك.. ولما؟

  • أعتقد أن السرد في العراق انفتح على عوالم عديدة، أنتج، خلال خمسة عشر عاما، كما هائلا من النصوص السردية، كان بعضها مهما، وحصل الكثير من الكتاب العراقيين على جوائز مهمة، في الرواية والقصة القصيرة، وصل الأدب العراقي ولو بشكل محدود إلى العالمية، أقصد هنا بعض الجوائز المهمة، مثل “الاندبندت” و”البوكر مان”، هناك روائيون في العراق، وكتاب قصة، وشعراء،  أعتقد أن العراق يتعافى أدبيا، ويقدم أدبا ناضجا وعميقا.

(كتابات) تتبنى على صفحتك على “فيسبوك” بعض كتابات الشباب.. ما رأيك في كتابات الشباب وما أهم ما يميزها؟

  • في الواقع، لست عرابا لأحد، ولست في موضع من يتبنى شاعرا آخر، لا أؤمن إطلاقا، بتوصيفات مثل الشاعر الشاب، أو الكاتب الكبير، أظن القضية كلها تتعلق بالنص، هناك نص كبير، ونص  سيء، وهذا التصنيف لا يتعلق بالضرورة بالعمر، هناك شباب بالعراق يكتبون نصا شعريا وسرديا هو أهم بكثير من بعض الكتاب  المنشغلين بالكتابة منذ خمسين سنة،  وعلى كل حال، أنا احتفي بالنصوص الجيدة، ربما منحت الأولوية لأصدقاء في بداية مسيرتهم  الإبداعية، هذا صحيح، لكني في النهاية احتفي بالنص الذي أجده جيدا، النص الذي يفرح القلب.

(كتابات) ما هي راوفد تكوينك الفكري.. ومن هم الكتاب الذين تفضل؟

  • نحن نتحدث هنا عن مسيرة طويلة، هي مسيرة العلاقة مع الكتاب، قرأت كثيرا، في الأدب والفلسفة والتاريخ وأنواع أخرى من  المعارف، ربما بدرجة أقل، لكني أقرأ باستمرار، البدايات كانت بسيطة مثل كل قارئ جديد، ثم تتطور مع الوقت، حتى تصل إلى مرحلة  الانتقاء، قرأت في التراث وفي الوقت ذاته، قرأت في الأدب العالمي.

لكن شعريا، أثر بي “السياب” كثيرا، وفي السرد “ديستوفسكي”، أحب  “إيتالو كالفينو” في القصة، وأحب “ميلان كونديرا” في الرواية، أذهلني “هيرمان هسه” في  رواية “سدهارتا”، وآلمني كثيرا “بوتزاني” في  “صحراء التتار”، رغم ذلك لا يوجد بشكل دقيق كاتب محدد استحوذ على اهتمامي الكامل بالقراءة.

قصائد لزهير كريم..

أعرف أنك لم تعد هنا

شيء كهذا موجع جدا،

شيء يجعلني يائس،

ولا أظفر بغير الحسرة عليك،

يشبه الأمر ما يحصل للحقل

عندما تعبره السحابة،

أو للتربة التي يغمرها النسيان.

لقد خرجت ولم تخبرني،

وكان لديك بعض الوقت،

هذا مؤكد!!

لكنك لم تفعلها،

أردت فقط أن تقطع لقطة الوداع من غصنها

كما لو أنك لصّ مجوهرات

يخاف لمعان الحقيقة،

وكان بإمكانك أن تجعلني على الأقل،

ألقي مخاوفي للمرة الأخيرة

هذا يجعلني أبدو

كمن تواطأ مع الغربان التي تحط

في الحديقة،

يائس وفارغ اليدين,

وكنت أتمنى بمثل هذه الظروف الخطرة

أن اكرر وصاياي…

وأولها أن ترفع صوت الموسيقى

إنها تبطل الشر،

و أن تقبل زوجتك الجميلة،

الثمرة الناضجة

التي تركتها ملقاة على السرير.

كنت أريدك أيضا

أن تقرأ شيئا من كتاب الشعر

المنسيّ على الرف ّ

لقد كان كفيلا حسب ما أظن

بتلطيف الجوارح من عبث الكراهية،

والنظر إلى زهرة العالم

بعين عاشق يكره النهايات المحيرّة.

وكنت أتمنى أن تأكل من الصحن الذي أمامك،

الصحن المليء بالفاكهة والخضار

والذي تركته عرضة للغبار،

والحشرات

وأن تنسى قبل كل هذا

صخب الأسلحة التي خلف السور،

الصخب الذي لا يهدأ

وأن تتذكر المقابر الواسعة التي لن تشبع

أبدا من جثث الجنود،

أنهم يتألمون،

ولا تريد أن تسمعهم

رغم ذلك…

هم يتألمون من فرط الشوق

إلى حبيباتهم الأرامل،

المستلقيات كأعشاب طرية

غالبا ما تجفّ على الأسرة،

بانتظار الرجال الغائبين،

الشبّان الذين سحرتهم عند حلول الظلام

أناشيد الموت التي

تقود إلى النهايات الغامضة.

***

ما كان يربكني

……

ما كان يربكني حقا،

أن تملأ

كلّ هذه المصائب سيرته،

تتهاوى أحلامه بين عينيه،

دون أن يكلّف نفسه باقتراح نظرة آسفة

كان يلقي ابتسامته الغامضة

ويمضي،

كمن يطوي صفحة أخرى من كتابه

ويتأهب للركض كأيّ عداء

على بداية الخط.

هذا السيد المغرم

بالسير عكس الريح

يبدو أنه أدرك

جوهر هذه النزهة

وربما كانت في يده خرائطها الآمنة

فحين يمشي بسيقانه الزاهية الطويلة

في دمه تجري لذة من يخرج للتوّ

من الظلمات إلى النور

بينما خلف ظهره

نباح كثير

ونصوص تحتفي بانحطاط العالم

وذات مرة

كان على وشك الموت،

لكنه لم يستغيث

كما يفعل الخلق،

أبتسم لرحيله الوشيك

ابتسم وحسب

كما لو أنه يمرر

تلك الموعظة الغامضة

عن الحياة،

باعتبارها نزهة قصيرة

قصيرة جدا

ولذيذة عكس ما نتخيل.

***

أبحث في خطوط الحرب

….

أبحث في خطوط الحرب

عن الله،

كما لو أنني أحلم بإزالة أقنعة مروّعة

عن قلب العالم

وفي رؤوس الجنود،

أبحث عن العقائد،

كمن يحاول الإشارة لموضع الفخ

بإشعال القناديل،

وفي ضمير هذا الشعب التائه

أبحث عن ثغرة للخلاص،

حيث تزدهر هذه الدراما المملة،

السيرة المصنوعة

من الحماسة والندم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة