في البدء أحب أن أقول لمن يفكر بعقله لابعواطفه : أنني ضد التسميات الطائفية أيا كانت ؟
ثم أنني مع بوصلة السماء ولست مع الهروب من تلك البوصلة الذي أصطنع لنفسه خيارات وهمية هي أقرب للسراب بقيعة ؟
ومن هنا سأسلط الضوء على ” مقولة تهميش أهل السنة في العراق ” التي كثر الحديث عنها بعد عام 2003 ووجدت فيها أجندات أعلامية هوايتها المفضلة , مثلما عملت لها أحزاب متهمة بأصالتها ومصداقيتها , وأقبل عليها أفراد لايميزون بين الناقة والجمل ؟
وأنخدع بها عوام الناس من الذين تغلب عليهم طيبتهم مما تجعلهم هدفا ثمينا لآصحاب النوايا المضللة والعقائد الفاسدة كما حدث لقسم من العراقيين مع تنظيم القاعدة الوهابي التكفيري , وهؤلاء القسم من أهلنا في العراق أصبح البعض منهم حاضنا لتلك المقولة ؟
وحدث لآغلب العراقيين بسبب تلك الطيبة وذلك ألانفتاح أن أصبحوا حواضن لآفكار وافدة أفسدت عليهم طيبتهم وشوهت أنفتاحهم , فحولت البعض منهم الى أعداء لمنهج السماء من خلال مقولة ” الدين أفيون الشعوب ” لذلك وقعت مجازر في مدننا الحبيبة وهي ” كركوك والموصل عام 1959 ” وحتى عندما ماتت تلك ألافكار في مهدها وتركها أهلها ظل البعض في العراق متمسكا بها عاشقا لها على قاعدة ” ومن الحب ماقتل ” ؟
وبنفس الفراغ الثقافي والروحي أحتضن فريق أخر من العراقيين في لحظة ألتباس ذهني بضاعة ألافكار القومية , حيث لم يميزوا بين :” الوجود ” و ” الرسالة ” وعدم التمييز هذا سهل على دعاة القومية أعتبارها رسالة وهو أستبدال معيب يدل على تعطيل العقل وأدواته المعرفية , وهكذا كان حزب البعث مزرعة للجهل وتراكم الغوغاء والفوضى التي دفع العراق وطنا وأهل العراق شعبا ضريبة قاسية جعلتهم مشردين في بقاع ألارض ثم محتلين توزع عليهم بطاقة ” النفط مقابل الغذاء ” التي ظلت ملازمة لهم حتى بعد أن أصبحت ميزانية بلدهم فوق ” 100 ” مليار دولار ؟
مثلما توزع عليهم فتات الديمقراطية منقوصة ومجزئة فأفسدت دنياهم وأخرتهم ؟
ومن ذلك الفساد في الرؤية والمفهوم وجدت مقولة ” تهميش أهل السنة ” حيزا لها بدأ يتسع بأتساع هوة الخلافات الموجودة في الطبيعة البشرية أولا , والمضاف اليها غزو ألافكار الضالة وقد مرت على العراقيين في العقود التي شهدت ظهور الدولة العراقية الحديثة والتي كانت قابلتها ” أي المولدة لها ” بريطانية المشؤومة حاضنة البروتستانتية التي ولدت منها الكنيسة الصهيونية المتطرفة التي أصبحت توأما للعقلية التوراتية التي أتخذت من أمريكا معقلا ؟
والقابلة البريطانية المشرفة على الولادة المشوهة للدولة العراقية الحديثة بلا حداثة هي التي أعطت الحكم للسنة في عملية فيها الكيد والخبث وليس فيها النصح والصلح , فجعلت ألاغلبية الثائرة مغبونة ومعزولة ثم ظهرت مهمشة حتى أعتدي عليها من عام 1968 الى عام 2003 والذين دخلوا من أهل السنة في حكم العراق بهيمنة بريطانية وتفاهم غربي لم ينصفوا أخوانهم الشيعة ولم يلتفتوا الى خطورة القسمة المضيعة للحقوق وألاعراف ألانسانية حتى كانت الموصل رهينة السلطنة العثمانية تعطى للعراق الملكي البريطاني بمشورة غربية تختزن النوايا السيئة لهذه المنطقة وشعوبها ومنها نقطة ألانطلاق العراق فكانت الموصل تحسب بحسابات طائفية مفادها حتى لاتنقص نسبة أهل السنة في العراق ؟
من تلك ألاجواء الملغومة ومن مناخات حكم صدام حسين بفساده وجاهليته الذي تشبث بأهل السنة في العراق على حساب أهل الشيعة في العراق الذين لم يعانوا من الحرمان فقط وأنما قتلوا ووضعوا خارج أنسابهم العربية , ونكل بهم في كل شيئ ورغم كل ذلك ظل الشيعة مرتبطين بوطنهم العراق حتى عندما وزعوا على مهاجر الدول ألاسكندنافية وأوربا وأمريكا وكندا وأستراليا .
وعندما حدثت أحداث 9|4|2003 وبدأ المحتل ألامريكي هذه المرة يلعب لعبة المكر الطائفي لم يجد من الشيعة قبولا مطلقا كما وجدته بريطانيا من سنة الحكم في العراق ولذلك قال الدكتور الشيخ أحمد الكبيسي من على منبر جامع ألامام أبي حنيفة “رض” في بغداد : جزاكم الله خيرا يا أخواننا الشيعة فقد كنتم نعم الرجال في صبركم وتعقلكم ” ويقصد بذلك أن البعض من أخواننا من أهل السنة كانوا يتوقعون أن ينتقم منهم الشيعة لما أصابهم من حيف وضرر لايمكن تصوره في أيام صدام حسين وخاله سيئ الذكر خير الله طلفاح والعصابة الجاهلة التي ألتفت حول صدام وأشاعت الخوف والرعب والدمار الذي لايوصف
وظهر جليا يومها أن أهل الشيعة في العراق لايضمرون لآخوانهم السنة ألا الحب والمودة نتيجة تربيتهم على مدرسة أهل البيت عليهم السلام والتي تركت فيهم أخلاقا حميدة ومفاهيم رشيدة رغم كل الشوائب التي دخلت على بعض عاداتهم وتقاليدهم والتي ترفضها مرجعياتهم مثلما يرفضها العقلاء منهم .
وعندما بدأت مسيرة تشكيل الحكم والدولة العراقية التي دمرها ألامريكيون بخبث وتعمد لم يستأثر الشيعة بالحكم لآنفسهم , فكان مجلس الحكم يضم نسبة معقولة من أخواننا السنة ولكن رفض بعض أهل السنة المشاركة في الحكم فوتت عليهم فرصا هم يعاتبون عليها ولايعاتب غيرهم من الشيعة , نعم حدثت أخطاء في مجلس الحكم وفي الحكومات الاحقة ولكن تلك ألاخطاء شملت الشيعة والسنة ولم يكن أهل السنة لوحدهم في مواجهة تلك ألاخطاء .
وعندما بدأت مسيرة ألانتخابات تخلف عنها أهل السنة أولا مما أثر على نوعية تمثيلهم وليس على نسبة تمثيلهم , ثم عادوا وشاركوا في ألانتخابات ولكنهم لم يحضوا بقيادات كفوءة حالهم في ذلك حال الشيعة .
ولكن الخطأ الكبير الذي وقع فيه السياسيون من أهل السنة هو تبنيهم لمحاربة المسيرة الجديدة للحكم في العراق الذي أصبح قدرا من أقدار العراقيين الذين حرمهم صدام حسين من كل شيئ ودمر بلدهم وجلب الدول الكبرى لتكون صاحبة الشأن في العراق خصوصا بعد غزو الكويت ” العمل الطائش ” وعدم أعتراف صدام حسن بالمعارضة العراقية حتى أخر لحظة عندما تهاوت قواه العسكرية وألاقتصادية وأصبح مصير العراق معروفا بعد خيمة صفوان سيئة الذكر ؟ وأنا قلت وأقول ألان رغم فوات ألاوان : لو أن صدام حسين فعل كما فعل بشار ألاسد الذي ألغى قيادة حزب البعث وقانون الطوارئ وغير الدستور ودعا للحوار الوطني مع المعارضة والتعددية الحزبية حيث أصبح اليوم في سورية وهي تحت التدمير الدولي بأدوات عربية تركية , لو فعل صدام حسين ذلك مع المعارضة العراقية لبقي في الحكم حتى تسقطه صناديق ألاقتراع ؟ … ولكنه لم يفعل ذلك تعنتا وغباء وسلم العراق على طبق من ذهب لآهل ألاحتلال ؟ ومن هنا فأن المنصفين لايعتبرون الشيعة هم المسؤولون عن ألاحتلال ألامريكي للعراق , وما مساهمة بعض أحزابهم في المعارضة بأجتماعات لندن وفينا وصلاح الدين ألا نشاطا عرضيا من نشاطات المعارضة التي يسجل عليها بعض السياسيين الشيعة ملاحظات أكثر مما يسجلها ألاخرون .
أن مقولة تهميش أهل السنة في العراق بعد 2003 هي عقدة ناشئة من تراكم أنتسابي للسلطة بولاءات مدانة أسلاميا وديمقراطيا , أننا مثلا لاننظر الى كثرة وجود الضباط في الجيش العراقي محصورة في أخواننا من الموصل ثم من الرمادي , لاننظر لهذه النسبة بعقدة طائفية , ولكننا ننظر اليها من خلال عدم قدرة أولئك الضباط وهنا أقصد الغالبية منهم على المحافظة على الشعور الوطني العراقي وأنما أنجرفوا وراء هوس السلطة وطائفيتها فبدأوا يحاسبون الجنود على مدنهم وأسمائهم ويفرقوا بينهم بذلك مما أضعف رابطة خدمة العلم المحترمة وجعلوها محاصصة وأنتسابية طائفية وعشائرية ويتذكر الذين خدموا في الجيش لاسيما في التسعينات كيف كان كبار الضباط يفرضون على الجنود من المحافظات الوسطى والجنوبية جلب الرز والسمك مع المبالغ المالية كرشوة لهم حتى يغضوا النظر عن تغيبهم أو عدم حضورهم ألا أخر الشهر , ولذلك أصبح كبار الضباط من الموصل والرمادي يمتلكون أموالا طائلة وشركات كبيرة فضلا عن القصور والعقارات بما لايتناسب ومرتباتهم الشهرية في التسعينات ؟
ثم أن تواجد المسؤولين الكبار من أهل السنة في حزب البعث المعروف بفساده جعلهم يحضون بأمتيازات خيالية مع ثراء غير شرعي لاغبار عليه , ثم تورط أولئك المسؤولون بجرائم القتل وألابادة والمقابر الجماعية جعلت الكثير منهم ملاحقون قضائيا , وهذه الملاحقة حولتها ألاجندات الطائفية الحاضة في المنطقة الى أستهداف لآهل السنة فأنخدع فيها بسطاء الناس ومال اليها من لايعرف خبايا ألامور وعزفت على أوتارها فضائيات طائفية مثل الجزيرة والعربية والفضائيات الوهابية حتى أصبحت مقولة تتردد يوميا على طريقة ” أكذب أكذب حتى يصدقك الناس ” ؟ وألا كيف يعقل أن تطلق مقولة التهميش على طائفة كريمة من أهل السنة في العراق ومنهم في الحكم : رئيس مجلس النواب ونائب رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية وفي أول دورة كان رئيس الجمهورية من أهل السنة , ثم عندهم عدد كبير من الوزراء وعدد أكبر من النواب ولهم مناصب كبيرة في الدولة مثل رئيس مجلس القضاء ألاعلى ورئيس دائرة الرقابة المالية , وعندهم مجالس للحكم في المحافظات , وشريحة تمتلك كل هذه المناصب والعناوين في الدولة كيف يمكن أعتبارها مهمشة ؟ وهل يعقل مثل هذا الكلام ؟ نعم هناك أخطاء في الحكم يعرفها الجميع يعاني منها الشيعة كما السنة فلماذا تختصر تلك المعاناة فقط بألاخوة من أهل السنة ؟
أن التظاهرات في سامراء تطالب بأقليم صلاح الدين وتدعوا لطرد القوات ألاتحادية من ألاقليم ؟ هل هذه الدعوات يمكن تجاهل النعرة الطائفية فيها التي تريد تقسيم العراق ؟ والذين يصرون على قطع الطريق الدولي وتوقف سيولة وصول البضائع وهي ضرورية لكل أهل العراق , هل هذا التصرف يعتبر شرعيا أو ممارسة ديمقراطية ؟ لماذا لايحرمها من يطالبون بتلبية مطالب المتظاهرين من أهل الفقه والفتوى كما حرمها مفتي أهل السنة في العراق الشيخ مهدي الصميدعي ؟
ولماذا لايرفضها السياسيون من الذين يدعون الى الديمقراطية ويقولوا للمتظاهرين أن قطع الطريق الدولي عمل غير ديمقراطي ؟
وهناك نقطة أرى من الضروري تسليط الضوء عليها وهي : هل من ألانصاف والمشاركة الوطنية أن يسمح البعض لآنفسهم وهم يرون أخوانهم الشيعة يعبرون عن أحزانهم المشروعة في مسيرة أربعينية أستشهاد ألامام الحسين تجاه كربلاء والتي يحترمها المسيحيون فيؤجلون أحتفالهم بأعياد الميلاد المجيدة عندما تصادف مع تاريخ العاشر من محرم الحرام وهو يوم أستشهاد ثائر ألانسانية ألامام الحسين وقد فعل هذا مسيحيو البصرة وبغداد ومسيحيو لبنان في بيروت وبعلبك والنبطية وصور , أقول هل من ألاصول ألاجتماعية وألاعراف الوطنية وألانسانية أن يقوم البعض بأحتفالات راقصة تعزف فيها مختلف المعازف وتنشد فيها ألاهازيج في كل من سامراء والرمادي والفلوجة وبعض المناطق في الموصل وفي تكريت , بينما يعيش أخوانهم من الشيعة شركاء العقيدة والوطن حزنا عاما له أعتبارات شرعية تباركها السماء في أصالتها وتستثني من تلك المباركة مايحدث من شوائب وهي أمور عرضية لاتعتبر ألا زبدا والزبد يذهب جفاء وماينفع الناس يمكث في القلوب , وهكذا نعرف أن مقولة ” تهميش السنة ” ليس حقيقة وأنما هو أدعاء صنعته وساعدت عليه ظروف ملبدة بغيوم الطائفية التي أصبح لها تنظيما هو تنظيم القاعدة وأحزابا رديفة نتيجة أفلاسها مثل حزب البعث وأخرى متلهفة للسلطة بأي ثمن كتلك التي وافقت على أتفاقية كامب ديفيد , ومعها أنظمة التبعية في المنطقة تقدم المال والسلاح وسينطبق عليها المثل المشهور ” على نفسها جنت براقش ” ؟
لذلك على السياسيين والمثقفين وألاعلام أن لاينجرف وراء مقولة ” تهميش السنة ” فأهل السنة لايهمشون ومن يهمشهم ظالم لنفسه ولشعبه ولوطنه ولدينه , مثلما أن الشيعة والتشيع لايهمش أحدا لآنه ينطلق من مباني فكرية محكمة بقيادة الراسخين في العلم الذين هم أمل أطروحة التغيير ألاجتماعي التي ينتظرها الكون المتدين الذي يعرف أن الدول التي أصبحت على شفير هاوية السقوط المالي لايمكن أن تقود العالم الى حيث يكون ألانتظار أمل الجميع ؟
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]