19 ديسمبر، 2024 8:05 ص

ما أشبه اليوم بالامس

ما أشبه اليوم بالامس

بالامس كان ولا زال مصاب الحسين عليه السلام أمر جلل، وما جرى ودار من أحداث يبعث على الأسى والحزن، وما وسعنا ويسعنا الإ أن نقول “إنا لله وإنا إليه راجعون”. رحم الله الحسين الشهيد وأسكنه أعالي الجنات وأنتقم ممن بغى وطغى وممن دعاه وخذل. ونحمد الله أننا لم نكن معهم ولسنا منهم فالله سبحانه وتعالى برئنا مما فعلوا:
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}  فاطر18
فكل ما فعله الناس في ذلك الزمان هم وحدهم يتحملون وزره ولا نؤاخذ بجريرتهم ولا نتحمل منه شيء. إننا فقط مسؤولون عما نفعل نحن اليوم:
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }البقرة134
وما يهمنا من تلك الذكرى سوى العبرة، وأهم العبر المغيبة والتي لا يتحدث عنها الإ القليل ولا تكاد تذكر إلا ما ندر فهي الكذب في الولاء للحسين والخذلان والتخلي عنه من القوم الذين أرسلو له بكتب البيعة والولاء والطاعة وكذلك الخديعة والغدر الذي بيته بعضهم والذي تم بإتقان مع سابق الاصرار والترصد ممن كان معم من أعداء الاسلام ممن ركبوا سفينه آل البيت ليطعنوا في الاسلام ويشككوا في سيرة الاولين وفي القرآن ويلبسوا على الناس دينهم ويثيروا الفتن والتي حصدنا ونحصد ثمارها حتى هذا الزمان.
وليس بهدف تقليب المواجع ولكن للتذكير والعبرة كما قلت، فقد روت القصص أن عدد كتب البيعة في الحب والولاء والطاعة بلغت المئات، كتبوا فيها أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبو بكر، بل يريدون علي وأولاده. وأنظر هنا الى أصابع أعداد الدين الواضحة في الخلط ليطعنوا حتى في أوائل المسلمين والذين أحبهم الله وأحبوه وتحقق على يدهم وعد الله ورسوله في هدم إمبراطوريات الشرك والكفر كما أثبتنا سابقا بالحجة والبرهان (انظر المقال “دعوة الى الاصلاح”). بعدها أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل وبدأت الكارثة، يقال أنه بعد أن بايعه القوم على بيعة الحسين خرج ومعه بضعة آلاف مقاتل عند الظهيرة لمحاصرة قصر عبدالله بن زياد. وعندما أخافهم بن زياد بجيش يزيد وطمعهم بالاموال لم يبقى من الصناديد إلا العشرت بعدها تركوه جميعا بعد غروب الشمس ليجد مسلم بن عقيل نفسه أسيرا قتيلا (ومن بعده الحسين) وقبل أن يقتله المجرم بن زياد طلب منه مسلم أن يكتب الى الحسين فكتب:” ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي”. وحين وصل الحسين لم يجد من يناصره فناداهم الحر بن يزيد الشهيد البطل” أدعوتم هذا العبد الصالح ، حتى إذا جاءكم أسلمتموه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه فصار كالأسير في أيديكم؟ لا سقاكم الله يوم الظمأ” { الإرشاد للمفيد 234 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 242}. ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه أنه لما دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال : “هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا؟” أي من قتلنا غيرهم { تاريخ اليعقوبي 235:1}”.  http://islamicweb.com/arabic/shia/husain.htm
أما اليوم فإن مسلسل الكذب والتظاهر والنفاق بحب الحسين وآل البيت لازال مستمرا من الكثير وما أشبه اليوم بالأمس. وهذا الكلام ليس جزافا وإنما هو واقع يلمسه كل من له ضمير وغيره على آل البيت، فزميلنا الفواز يتسال أين فكر آل البيت مما يحصل اليوم. فهل النحيب واللطم والتطبير هو أمر من الله وعبادة نتقرب بها الى لله وأوصانا بها رسول الله وذكرنا بها الحسين قبل مقتله؛ إنه تماما عكس فكر الحسين الذي تعزى بالله وتأسي بحبيبنا المصطفى ((يا أختاه، تعزيّ بعزاء الله، فإنّ لي ولكلّ مسلم أسوة برسول الله، ثم قال: إني أقسم عليك، فأبري قسمي، لا تشقي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تَدْعي عليَّ بالويّل والثَبُور)). وهل السلب والنهب والفساد والرشاوي من نهج آل البيت وفكرهم وهل الاستعانة بأعداء الله من اليهود والامريكان من فكر آل البيت،  وهل وهل…. والتساؤل هل لآل البيت فكر ومنهج آخر غير الذي يعرفه كل مسلم وأقول لا. إن فكرهم ومنهجهم هو منهج الاسلام الحنيف، منهج الرسول وأهل بيته وأصحابه وأتباعه المخلصين منهج الاخلاص لله وحده وتطبيق شرعه، هو منهج مكارم الاخلاق من العفة والصدق والوفاء والثبات والامانة، هو منهج الولاء لله ورسوله والمؤمنين وووو. إنه فكر ومنهج يدعو الى عبادة الله الواحد الاحد وتحريم الشرك بكل أنواعه وينهى عن تعذيب النفس ويحث على العمل لمنفعة الناس وتحقيق العدل والمساواة وإعمار الارض. إنه فكر لرفع الظلم بكل أنواعه؛ الظلم بالكذب والخداع والخذلان والنفاق وهو ما تعرض له الحسين من أهل الكوفة السابقين ولم يكن له ليعلم انهم سيظلموه بهذه البشاعة، الظلم بالطغيان وعدم إتباع سبيل المؤمنين والذي تعرض له الحسين من البغاة الذين قتلوه بعدما أسلمه وتخلى عنه من إدعوا نصرته، الظلم بموالاة الكافرين والوقوف سيف على رقاب المقاومين، الظلم بالفتاوى والقتل والاتهامات الباطلة لكل من يذكر الناس بالحق اليقين، الظلم بسرقة الاموال وتبديدها بمشاريع وهمية وترك اليتامى والأرامل والفقراء يتضورون ويعانون، الظلم بالرشاوي والفساد بكل أنواعه وتبديد الثروات على الشعارات والمراسيم. لقد تحول هذا الفكر الى مفاهيم آخرى ملئها العويل والنواح اللطم والتطبير لكي نثبت بها الولاء الصادق لآل البيت، ملئها الدعاء والطلب من قاضي الحوائج حتى نثبت البراء من الموحدين، ملئها البكاء وافعل ما تشاء فعينك لن تمسها النار لانها تبكي على الحسين، ملئها التواكل على شفاعة آل البيت فمهما عملت من فواحش فإن ذنوبك تغفر بمجرد وضعك لعود الحطب تحت الصفرين، ملئها مسيرات تطوير وإعمار يغفر لك بها في كل خطوة ذنوب ملايين، ملئها الوهم فافعل ما تشاء فانت أحسن من أتقى رجل مسلم في الدنيا لانك توالي آل البيت ولا يهم ما تقول وتعمل فحبهم بهذه الافعال يجعلك من المشفعين. اذن تحول الولاء من التحلي بمكارم الاخلاق من الامانه والعهد والوفاء وتطبيق شرائع الله واتباعه ما كان عليه الرسول وآله الى ايقونه ظالمة أوقفت الحياة. 
صحيح اننا لا نتحمل شيء مما فعله أولئك القوم الذين أسلموا الحسين لقاتليه وبكوا عليه ولكن أتسائل لماذا يفعل اليوم الكثير منا نحن العراقيين مثلما فعل أولئك السابقين؟ لا أظن أنها دعوة الحسين عليه السلام على أهل الكوفة كما يقال فهي كانت عليهم فقط، فقد برئنا من اي وزر منها رب العالمين: فقد روي ان الحسين دعا على شيعته قائلاً : “اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا فقتلونا” { الإرشاد للمفيد 241 ، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2و38}، ولا أظن أنها من شيم العرب وأخلاقهم وكذلك لا أظن انها من صنيع اصلاء العراقيين الذين علموا البشرية ولكن أظن الجواب أنها دخيلة علينا عبر الحدود وقد ورثنا من أولئك منهجهم وطريقهم مضافا اليه ما دسه اعداد الدين وبقينا عليه متعصبين.
إننا لا نلوم أعدائنا فهو هدفهم وهنيئا لهم نجاحهم؛ فرغم أنهم لم يستطيعوا أن يعجزوا الله في كتابه المبين الذي تحدى به الانس والجن أجمعين لكنهم نجحوا في إبعاد الناس عن تدبر القرآن الكريم والتفكر في آيات الله العلي العظيم. ابعدونا عن الحب الحقيقي لله ورسوله باتباع المنهج الصحيح للرسول وآل البيت والتابعين المخلصين وأشغلونا بطقوس ما أنزل الله بها من سلطان. إننا لا نلومهم ولكن نلوم أنفسنا نحن من يفهم العربية ويتغنى بها ويفتخر انها لغة القرآن، ولكننا تركناها وتركنا أغلى كتاب نتدبر فيه ونتحري الحق وإستسلمنا لما كان يعبد ابائنا لانرى شيء آخر سوى ان كل ما نفعل هو الصحيح وويل لمن ذكرنا أو جاء ببرهان يقين.
المعذرة للكثير من المخلصين فالحمل والورث ثقيل ومعذرة لعامة الناس فهم بسطاء مغرر بهم ومنهم من يغرق في الامية وقلة الاطلاع والتعليم. لقد ولدنا ولم نختر أسمائنا بأنفسنا ولم تكن لنا الحرية بإختيار من يكون آبائنا وكذلك لم تكن لنا الحرية بإختيار مذهبنا، ومن دون تفكير وجدنا أنفسنا على ما يدين به آبائنا ومن دون تفكير أصبح غالبيتنا يستميت للدفاع على ما هم عليه وما يقول ويفعل أصحابنا. كنا أطفال ولم تكن لنا عقول ناضجة فهلا أعدنا التفكير في صحة ما نحن عليه بعدما كبرنا وأصبحنا أهل المسؤولية والقرار. أن ما ورثناه حمل ثقيل ولكن التحري عن الحق والحقيقة واجب وعبادة ولهذا سمي بالجهاد الأكبر. وعليه أناشد أحبتي بـ”دعوة الى الإصلاح” مكتوبة بلغة عربية لا أعجمية لغة القرآن لغة البلاغة والفصاحة والبرهان، وهي دعوة لكل المتعصبين والمغالين من كل الطوائف بإتباع الحسنى وترك سبيل الشيطان، فإن الله غفور رحيم مهما بلغ الاجرام ولنا الاسوة الحسنة في رسولنا الكريم، والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله أجمعين.
http://kitabat.com/ar/page/30/12/2012/7167/دعوة-للإصلاح.html

أحدث المقالات

أحدث المقالات