عندما تقودك الصدفة أو المناسبة، لتحل ضيفا في ديوان المحيميد الزويد العامر، بكل قيم الأصالة، حتى تتناول القهوة العربية،بعد أن تستقبل فيها بالترحاب الحار، وتتبادل التحية مع جلسائه الأخيار، تحس انك حقا، أمام ظاهرة تراثية أصيلة، جديرة بالإعجاب والتأمل، في وقت بدء يشح فيه الانتماء الحسي للتراث، بعد أن طغت على حافاته، قيم العصرنة ،وكادت أن تختفي مظاهره من مجالسنا، وتجف ينابيعه في أوساطنا،وخاصة بعد أن قل اهتمام الجيل الجديد بالموروث الشعبي، في ظل عاصفة الحداثة، وتعقد مفردات الحياة الجديدة. وربما قد يأتي يوم في قادم الأزمان، نفتقد فيه مجالس السمر، وتداول الحكايات، والقصيد، لنطوي صفحة جميلة، من صفحات حياتنا الاجتماعية،فنخسر التواصل مع هذا الإرث، الذي ميز مجتمع القبيلة،وأعطاه ملامحه الخاصة، على مدى أجيال عديدة.
ويبقى ديوان الزويد ، متميزاً في مجال التراث حقاً ، بدءا بطريقة إعداد القهوة العربية الأصيلة، مرورا بالمنسف العربي، وانتهاء بثقافة العرافة، والأنساب، والقصيد، وتداول سائر التقاليد العشائرية الموروثة، ويظل الشيخ الدكتور حسين اليوسف المحيميد الزويد، بهذه السمات التراثية الموروثة، وما يمتاز به من موهبة ابداعية، في نظم العتابة، وقول الشعر، وحفظ المرويات التراثية، وولعه بالتراث، والحفاظ على تقاليده، امينا لتراث القبيلة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وكما عبر عنه بعفوية مفرطة، احد ابناء القبيلة في ترحابه الحار به، في احد مجالس العشيرة بقوله بلهجة ريفية صرفة (جثير الهلا ابن العم.. الزويد شايلين تراث القبيلة بخرج على ظهركم).
ويلمس المهتم بالتراث، أن طريقة تناول التراث، ما برحت تتم في ديوان الزويد، بطريقة تنم عن إلمام شامل، بسياقات، وتقاليد رواية التراث،ومنها المقابسة، حتى يكاد مرتاد الديوان،يحس، أنه لازال يعيش بين كبار رواة التراث، الذين كنا نأنس لحديثهم، ونجد فيه حلاوة الأصالة، والعفوية الصادقة.
وجريا على هذا السياق،جاء رد الشاعر الدكتور حسين اليوسف الزويد، على رسالة الشاعر الكبير ابو يعرب، التي قال فيها ، بعد ان علم أن الشيخ حسين اليوسف الزويد، قد أجريت له عمليتين جراحيتين في عينيه:
عيوني فدا عينيك يا ابن الأطايب……….فأنت _شفاك الله_لست بغائب
فأنتم حضور في الفؤاد ورهطكم…….. هم الخيمة الكبرى لكل المضارب
بالقول(اخذني ابو يعرب اخيذة الگوم)..كناية عن امتنانه البليغ للشاعر أبو يعرب، وعجزه عن رد الجميل له، وذلك في استعارة تراثية بليغة واضحة، حيث نجد الأديب، والشاعر الكبير، الدكتور حسين اليوسف الزويد، يحاكي فيها قصة الصعيليج، مع الشيخ عبدالكريم الجربا ، يوم خاطب الصعيليج، الشيخ الجربا، في قصيدة نبطية، جميلة، وطويلة،ومشهورة في التراث، منها قوله له فيها :
يا شيخ انا جيتك على الفطّر الشيبْ……. غزاي من دار المحبين دباب
علمك وصل لِعْمان شرق وتغاريب…….. يا نافل العربان حتى هلا البابْ
ومن المعلوم.. انه بعد ان اكمل الصعيليچ قصيدته، نهض الشيخ عبد الكريم الجربا قائلاً وسط مجلسه: اشهدوا علي يا شمر، اشهدوا علي يا الحضور.. والله ان الصعيليچ (اخذني اخيذة الگوم).. (ويصعيليچ أنت تقاسمني حلالي كله.. وعليك ان تختار الحلال الذي امام داري.. او الذي خلفها)..
وبهذا المحاكاة الرشيقة، والاستلهام المترادف مع التراث، يعكس الشيخ الاديب الدكتور حسين اليوسف الزويد ولعه الشديد بمحاكاة تراث الاسلاف، رواية، وسلوكا، وتمثلا لقيمه النبيلة، في الرجولة، والشجاعة، والكرم، والامانة، والعفة، وغيرها، إذ لاشك ان استلهام المناقبيات الفاضلة في التراث، بتداول الحكايات التراثية، وترديد القصائد التي تتغنى بتلك القيم ، تنمي في الجيل، حس التنشئة على مناقبية الصدق، والفضيلة، واحترام القيم الاجتماعية،والاعتزاز بتراث الأجداد.