من خلال رصد فعلي لكثير من البرامج الانتخابية المعلنة، لم الاحظ أي ذكر للثقافة ذلك المشروع المهم في حياة الأفراد و المجتمعات , فكلما ازدادت مخرجات الثقافة في المجتمع , اتسعت قاعدة هيبته .وفي زمننا الحاضر البقاء للشعوب ذات الأرصدة الثقافية ـ ولا اعرف لماذا تغيب الثقافة عن البرامج والحملات الانتخابية كضرورة لفعل إنساني ومجتمعي، وهنالكَ فرقٌ كبيرٌ جداً بين العمليَّة الثقافية والثَّقافة الانتخابيَّة،أو كوجود مؤسسي وقطاعي. وبقدر ما يكون مثل هذا السؤال مباغتاً، فإن الإجابات كشفت عن خلل في تقدير أهمية الثقافة ودورها. فقد ظهر شبه إجماع بين المرشحين، على أن المسائل الخدمية من صحة وتعليم وإسكان هي الاهم، واعتقد ان غياب المثقفين من أهل الأدب والشعر والرواية والمسرح والفنون التشكيلية عن قائمة المرشحين لانتخابات هي المسبب الاصلي في عدم الاهتمام بالجانب الثقافي في المشهد مع العلم ان البرنامج الانتخابي هو جزء من هذه الفعالية المعاصرة والتي يجب ان تنتجها ثقافة الناس، و تتضمنها، كي تستطيع ان تمثل ذاتها على ارض الواقع وهي التي تحتل الأولويات والعناوين في العالم . واكتفى مرشحون من الجانب الثقافي بالعناوين المتعلقة بالهوية والولاء والتراث. وقد يعد آخرون بأن يهتموا بالشأن الثقافي عندما يأخذون مقاعدهم تحت قبة مجلس النواب ولا يمكن القول بحداثة التجربة وقلة الوعي الانتخابي وهذا المبرر لا يمكن تصديقة والسبب في ذلك ان العراق قد شهد اكثر من سبع مراحل انتخابية ما بين انتخابات مجلس النواب او مجالس المحافظات او التصويت على الدستور ومن ثم كان من المفروض ان تتبلور لديه الخبرة الكافية لا سيما بعد خوضه لأغلب هذه الانتخابات وكان شاهداً على نتيجة الاختيار غير الصائب حتى وان خضع لكافة الظروف او تبادل الادوار، والهروب من واقع الانتخاب بالعزوف عن الإنتخابات فهو يفاقم المشكلة، و الحل انما بالذهاب للإنتخابات والمشاركة الفاعلة عن طريق حسن الأختيار، الذي يمكن الوصول إليه بالتدقيق في مرشحي الإنتخابات وأختيار الأفضل، وهم كثر. فالأمر يحتاج منا إلى وضع المعايير المناسبة والصفات الجيدة التي نتوخاها فيمن نضع ثقتنا، ونأتمنه في إدارة الشأن العام
وبالنتيجة هذا العمل يدل على ان الثقافة الانتخابية للمواطن العراقي لا تزال دون مستوى الطموح. الثقافة الانتخابية، هي تلك القدر من الوعي الذي يحمي المواطن من الكثير من المؤثرات السلبية، التي تخرب عمله الانتخابي، بل تجعله يصوت ضد مصلحته كمواطن ومصلحة الوطن. وهنا تقع الكارثة، ويخسر الفرصة التي يصعب أن تعوض.
كل ناخب رصيد مهم لا حدود له لكن سلاحه ثقافته وبطاقته المصلحة العليا الدينية والوطنية والإنسانية ” إذا استوعب هذه المفاهيم لن يضطر إلى الندم والمطالبة برحيل من خان صوته أو خيب آماله”، لكن متى ننجح في تلافي هذه العقبة العنيدة إذا استوعب المواطن أبعاد ومفاهيم ثقافة الانتخاب وإذا بدأت عتبة هذا الحلم في الارتفاع ستتلاشى ثقافة النخوة والفزعة والحمية , ومجاملات ضياع الحقوق . ترتبط ثقافة الانتخابات بمدي الحرص علي إشاعة الثقة بين أفراد المجتمع الواحد، وهذه الثقة تولد الإحساس بضرورة وضعها على المحك من خلال العملية الانتخابية التي يمكن ان تفرز من هم أهل لهذه الثقة، وفي المجتمعات المتقدمة ذات الممارسة الديمقراطية الطويلة الأمد غالباً ما تكون الديمقراطية مطلباً جماهيرياً . الانتخابات لحظات مفصلية في تاريخ الأوطان وأهمية اتخاذ قرارات حاسمة في لحظات بعينها بينما الواقع يكشف عن أن الثقافة السياسية مدعوة لمزيد من البحث والإسهام في سبل تحقيق الحلم الوطني للتقدم وصياغة آليات لتجسيد هذا الحلم في الواقع اليومي برؤية مستقبلية قابلة للتحقيق ومتجاوزة للواقع ذاته مع الدراسة العميقة في عصر الثورة الرقمية وتحدياتها واستحقاقات ومتطلبات اقتصاد المعرفة في قرننا الحالي اولا الثقافة العامة وثانيا ثقافة الانتخابات..خطوة نحو تحرير العقول من قيود المناطقية والقبلية والمصالح الخاصة