15 نوفمبر، 2024 3:36 م
Search
Close this search box.

عبد الرحمن الأبنودي.. حرر شعر العامية وكتب حلم الفقراء والثوريين

عبد الرحمن الأبنودي.. حرر شعر العامية وكتب حلم الفقراء والثوريين

خاص: كتبت- سماح عادل

“عبد الرحمن الأبنودي” شاعر مصري، ولد في 1938 في قرية أبنود بمحافظة قنا في صعيد مصر، لأب كان يعمل مأذوناً شرعياً وهو الشيخ محمود الأبنودي، وانتقل إلى مدينة قنا وتحديداً في شارع بني على حيث استمع إلى أغاني السيرة الهلالية التي تأثر بها.

حياته..

سافر “الأبنودي” إلى القاهرة للدراسة، حيث حصل على ليسانس آداب لغة عربية من جامعة القاهرة، وتخلى الشاب النحيل عن وظيفته الحكومية في إحدى المحاكم، لأنها لم تكن تتفق مع شخصيته، وغادر قنا متجها للعاصمة القاهرة، وهناك التحق برفيقه وابن مدينته الشاعر “أمل دنقل”، وأكمل ضلع المثلث القاص “يحيى الطاهر عبد الله”، حوالي سنة 1956، فأقاموا فيها فترة يسكنون داخل عوّامة كتب فيها أوائل أغانيه الناجحة، مثل “تحت الشجر يا وهيبة” والتي غناها محمد رشدي، وحققت رواجًا كبيرًا في وقتها، و”بالسلامة يا حبيبي بالسلامة” التي غنتها نجاح سلام.

الشهرة..

لم يُفلح الشاعر الجنوبي الشاب في الوصول إلى كبار المطربين أو الملحنين، الذين لم يبدوا اكتراثًا به لتحدثه لهجة صعيدية صعبة الفهم على آذانهم، بيد أن هؤلاء ما لبثوا أن راحوا يفتشون عنه في المقاهي وملتقيات الأدباء، بعد أن نشر له الشاعر صلاح جاهين أولى قصائده في مجلة “صباح الخير”، ويروي الأبنودي عن تلك الفترة في مذكرات عنه قائلًا: “كنا في أيامها نعيش خطرًا داهمًا.. في مجال زراعة القطن.. حين انتشرت الدودة وأصبحت تهدد هذا المحصول. وقتها كتبت قصيدة عن القطن وكيف نقاوم هذا الخطر وفوجئت في عدد (صباح الخير).. أن صلاح چاهين نشر هذه القصيدة مصحوبة برسم لأكبر رسامي المجلة.. ومنذ أن نشرت هذه القصيدة العامية أحسست أنني قد وضعت قدمي فوق مشوار الشعر.. كما أنها فتحت لي أبوابا كثيرة، حيث عرف الناس في المحيط الذي كنت أعيش فيه هناك أنني أصبحت شاعرًا.. والحقيقة أن أهمية هذه القصيدة أو هذه الأغنية لم تتوقف عند هذا الحد.. بل جعلتني ارتبط بالشاعر الكبير صلاح چاهين وساهمت كذلك في دخولي عالم الطرب من أوسع أبوابه.. حين فوجئت بأن كلمات هذه القصيدة تغنى في الإذاعة.. ولما سألت الأستاذ صلاح جاهين أكد لي صحة هذا الخبر.. بل وطلب مني أن أذهب إلى الأستاذ محمد حسن الشجاعي، رئيس الإذاعة”.

ويقول “الأبنودي” في أحد اللقاءات: “لقد فصلت تماما في حياتي الأدبية بين كوني شاعرًا أكتب بالعامية معبرًا عن قضايا وطني، وبين صناعتي في كتابة الأغنية، لقد كنت أكتب الأغنية كي أعيش بما أحصل عليه عبرها من أموال، إنني بالفعل لست شاعر أغنية، ولكني شاعر يكتب الأغنيات، لقد رأيت أن كتابتي للأغنية هي سبيلي للإنفاق علي رحلتي الأدبية ورحلة الشعر والعامية”.

الرؤساء..

اُعتقل “الأبنودي” أشهرًا خلال فترة حكم جمال عبد الناصر، عام 1966، بتهمة الانتماء لتنظيم شيوعي واعتقل لمدة أربعة أشهر في سجن القلعة حتى تم الإفراج عنه، ولم يكن على وفاق مع السادات، ودفعه موقفه منه للانضمام إلى حزب التجمع اليساري، وبعد اغتياله كتب قصيدة “المتهم” اعتبر فيها قاتله خالد الإسلامبولي بطلًا، كما لم تكن علاقته بمبارك جيدة، وأيّد ثورة 25 يناير 2011 التي أسقطته، وكتب قصيدته “الميدان”، وعارض حكم جماعة الإخوان.

شعر العامية..

يقول الكاتب “رضا عطية” في مقال له بعنوان “عبد الرحمن الأبنودي: صياغة جديدة لشعر العامية” نشرت في مجلة “نزوى”: “تجاوز شعر الأبنودي الشكل الذي كان راسخًا لشعر العامية قبله، بما قام به من إعادة هندسة القصيد بتشييد معمار شعري يتجاوز البناء المحدود لشعر العامية المصرية الذي كان مكتفيًا بأغراض محدودة، كما كان تركيبها العضوي من وحدات قصيرة مهما كانت الروابط بينها..اتسمت شعرية الأبنودي بنفس طويل لتراكيبه مع تنوع أسطره الشعرية بين الطول والقصر بحسب مقتضيات الأداء الدلالي، بعدما كانت الأسطر الشعرية في العامية تكاد تكون متساوية تفعيليًا في توال سيمتري، لقد حرر الأبنودي شعر العامية من قوالبه السابقة الثابتة، كما استغنى عما كان يعتمد عليه شعر العامية من وسائل البلاغة اللفظية والزخارف الشكلية التي كانت تتقدم المعنى في أولويات الصياغة، لقد كان حرص الأبنودي على المعنى والصور المشهدية أو تلك الصور ذات التجريد الرمزي أكثر من الصور الجزئية التقليدية وهو ما حرر بناءه الشعري- فيما عدا المرحلة الأخيرة في مشواره الإبداعي- من التقييد بشكل ثابت ومتساوٍ للأسطر الشعرية، فقد أصبح للكلمة في بنايات عبد الرحمن الأبنودي الشعرية الفاعلية الأهم والأولى في النسق التركيبي لتكون أسبق من الجملة، كما صار للجملة في فضاءات الأبنودي الشعرية ارتباط وثيق بغيرها من جمل النص في تلاحم عضوي وتفاعلي ارتباطي له وشائجه العلية بنسبة أعلى مما كان عليه شعر العامية قبل الأبنودي”.

وعن اهتمامه بالأرض يضيف “رضا عطيه”: “مثلت الأرض مكونًا رئيسيًا وتيمة حاضرة في خطابات الأبنودي الشعرية لا سيما في كتابات البدايات، فالأرض هي الجذر الوجودي للذات الإنسانية ومنبتها، ليس فقط لمنشأ الأبنودي الريفي ولكن لما حملته تلك الفترة في أواخر الخمسينيات والستينيات من أيدلوجيات قومية توثق ارتباط الإنسان بمكانه، بالتوازي مع أيدلوجيات اشتراكية تندد بانتفاء عدالة اجتماعية في توزيع الثروات بالمجتمع واستلاب الفقراء كالفلاحين والعمال في حياتهم في ظل اختلال منظومة المال وتوزيعه على المواطنين”.

شعره الستيني..

ويواصل الكاتب عن خصائص شعره الستيني: “لم يكن الأبنودي مهمومًا فقط بالحالة المصرية أو العربية بل كان معنيًا كذلك بالمشترك الإنساني الجامع البشرية، كان مشغولاً- لا سيما في شعره الستيني- بقضايا الإنسان في العالم، ربما للواقع الفلسفي المحايث في العقدين الخمسيني والستيني مع المد القوي للفلسفة الوجودية التي تعاين أزمة إنسان العصر الوجودية بالتقاطع مع الصعود القوي للأيدلوجيات الاشتراكية والماركسية وحركات التضامن العالمي والتكتلات الدولية لمجموعة دول عدم الانحياز، هذا المناخ الذي خلق تمددًا هوياتيًا للذات الإنساني التي أمست ذاتًا عالمية لها همومها المشتركة وتطلعاتها المتداخلة والطامحة في حياة كريمة للإنسان على الأرض”.

ثورة يناير..

في حوار مع “عبد الرحمن الأبنودي”، لجريدة “المصري اليوم” في 2012 يقول عن تقييم حصاد ثورة 25 يناير: ” أرى حصاد هذه الثورة عظيما، وأن هذه الثورة فتحت أبواباً لم تستغل بعد، ولكنها أبواب تطل على مستقبل أراه بعينى على الرغم من حالة التشاؤم التي تسود المجتمع.. وأذكر حين وقعت نكسة 1967 كنا أشد حزناً مما نحن عليه الآن، وأنا قلت: « بلدنا للنهار بتحب موال النهار»، وكنت أؤمن بهذا، وكنت أراه، ولم يكن هذا تفاؤلا ساذجا، بل كان مبنيا على جزئيات في الواقع، وشواهد تؤكد عليه، وتفسر ما كان لدى من تفاؤل وأمل، وتفسر قناعتى بهذا، وأنا الآن أرى أن ثورة 25 يناير قد فتحت أمامنا أبوابا إذا استغللناها- بل سوف نستغلها- سنجد أمامنا أبوابا لمستقبل عظيم الشأن، ولن نسمح لأحد بأن يردنا إلى ما كنا فيه من نظام قديم أو نظام أقدم ولا حتى في القادمين للحكم لن يستطيعوا أن يثنونا عن أن نبنى بلداً نحبه، ونؤمن به، وسوف نبنيه، ولا يمكن أن تكون المسافة هكذا بين الحلم والحقيقة في الواقع، لا يمكن، فالمسافة رهيبة جداً بين المثقفين وجوع الفقراء وسوء حالهم وما يتردون فيه من واقع اجتماعي شديد القسوة على نحو لا يمكن تصوره، ويعيشون فيه الآن على القتات، ولا يجدون ما يطعمون به أبناءهم، وأنا أرى أن هذا لن يستمر، وأنا سوف ننتهى من كل من يحاول إعاقة الثورة، سواء من الثورة المضادة الممثلة في الإخوان وبعض النخب ذات الصلات المريبة بالخارج، ولكن كتل الشعب المصري العظيم لم تسمح بالعودة مرة أخرى وإن غداً لناظره قريب”.

وعن الفرزً الثوري لصالح الثورة يقول “الأبنودي”: “لا شك أنه يفرز، ويجعل الشرفاء كالمغناطيس يتجمعون، ويتلاحمون، وينجذبون لبعضهم البعض في مواجهة الظواهر النفعية الزائلة والعناصر التي تريد العودة بالثورة للوراء، وهى ظواهر زائلة، ولن يبقى إلا أبناء مصر الذين سوف يصنعون لها مستقبلا جميلا، لأنه لن نسمح بعد كل هؤلاء الشهداء وكل هذه الملحمة الرهيبة بأن نعود مجدداً لنجلس تحت «حيطان الزمن»”.

وعن تعبيره عن الناس يؤكد: “أنا قادم من منجم فقراء، منذ رحلت من قريتي البعيدة في جنوب الصعيد، وأنا قادم بهؤلاء الناس حاملاً على أكتافي همومهم وقضيتهم، ولا أستطيع أن أتخلى عنهم، وأنا لي ناس، وحين أنزل إليهم ينظرون في عيوني وهم واضحون وأقوياء في الإدانة، مثلما في المحبة والتقدير.. ومنذ نطقنا أنا وأمل دنقل أول قصيدتين في يوم واحد، وكانت عن الوطن عن حرب 1956 وحتى الآن أنا أكتب عن الوطن، وحين أحب أن أكتب قصيدة عاطفية أكتبها أغنية يغنيها مغن، ولكن شعري هو مسيرتي الحقيقية، وهو الذي يترجم علاقتي بهذا الوطن”.

نص مباشر..

وعن اتهامه بأن نصه الثورى تحديداً نص مباشر يجيب “الأبنودي”: “لا أخشى أن يقال نص مباشر أو غير مباشر، لأن الوطن بداخلي، وأراه، ويراني، ثم إن التنقلات المهمة في حياتي من القرية إلى القاهرة، ثم السد العالي، ثم المعتقل، ثم حرب الاستنزاف، كل هذا جعل مصر موضوعي الأهم شعرا، ولا أخشى- حين تتضح أمامي الرؤية في حالة الصفاء التي يمنحها لي الشعر، ولا أستطيع أن أخفيها، ولا أخشى أن أكون واضحا”.

وعن علاقة الرؤساء به يستطرد”: “أنا رجل طلب ودي جميع حكام مصر حتى عبد الناصر، بعد أغنية “عدى النهار” كان يتصل بالإذاعة يقولهم الأغنية فين؟ وأوصى بي حين سمع قصيدتي في رثاء عبد المنعم رياض، وهو في طريق عودته من الجنازة إلى بيته، وكنت أقرأ القصيدة في الإذاعة، أما السادات كان يحبني، وكان في ذهنه أن يصنع منى وزيرا لولا خروجي إلى التجمع لكي (أقطع فرض أي صلة أو تواصل محتمل بيننا، يعنى أقطع عليه خط الرجعة) وهذا حدث قبل (كامب ديفيد) التي تنبأت بها في أشعاري، وأنا أحد المعارضين لها بشدة، وكان رأيي أن مصر(عملت يو تيرن، وعادت للخلف) بطريقة تراجيدية، فنحن قبل أكتوبر 1973 كنا أسياد العالم وفرطنا في كل ذلك، ولذلك عندما اغتيل السادات لم يكن يهمني من اغتاله، لكن الذي أهمني أن مصر انتقمت لفكرة كامب ديفيد وللحاكم الذي تصرف في مصر دون أن يضع أي اعتبار لشعبه ووضع يده في يد العدو إلى آخره، أما مبارك، فكان في كل لحظة أمرض فيها يتصل بي، وحين كنت في باريس لتلقى العلاج اتصل بي، وأصر على أن أعالج على نفقة الدولة، وقلت له إنني دفعت نفقات العلاج بالفعل، وشكرته، لقد كان مبارك دائم السؤال عنى حتى وأنا موجود في مصر، لكن مصر هي مصر، وشعبنا هو شعبنا، ولا صلة لعلاقتنا الشخصية إذا أنا انحرفت، أو ارتكبت خطأ في حق مصر، وأنا حين أخطئ مثلا يهاجمني إخواني من المثقفين، وأتحمل، واعترف إذا ما كنت قد ارتكبت خطأ فعلا، وأنا لم أكتب أغنية لأحد من حكام مصر سوى لعبد الناصر”.

دواوينه الشعرية..

  1. الأرض والعيال (1964 – 1975 – 1985).
  2. الزحمة (1967 – 1976 – 1985).
  3. عماليات (1968).
  4. جوابات حراجى القط (1969 – 1977 – 1985).
  5. الفصول (1970 – 1985).
  6. أحمد سماعين (1972 – 1985).
  7. انا والناس (1973).
  8. بعد التحية والسلام (1975).
  9. وجوه على الشط (1975 – 1978) قصيدة طويلة.
  10. صمت الجرس (1975 – 1985).
  11. المشروع والممنوع (1979 – 1985).
  12. المد والجزر (1981) قصيدة طويلة.
  13. الأحزان العادية (1981) ديوان مكتوب دراسة (محمد القدوسى).
  14. السيرة الهلالية (1978) دراسة مترجمة.
  15. الموت على الأسفلت (1988 – 1995) قصيدة طويلة.
  16. سيرة بنى هلال الجزء الأول (1988).
  17. سيرة بنى هلال الجزء الثاني (1988).
  18. سيرة بنى هلال الجزء الثالث (1988).
  19. سيرة بنى هلال الجزء الرابع (1991).
  20. سيرة بنى هلال الجزء الخامس (1991).
  21. الاستعمار العربي (1991 – 1992) قصيدة طويلة.
  22. المختارات الجزء الأول (1994 – 1995).

حصل “الأبنودي” على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية. وعلى جائزة النيل أرفع جوائز الدولة للآداب في مصر وذلك في عام 2010، كما حصل على “جائزة محمود درويش للإبداع العربي” لعام 2014، وكان عضو لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة.

وفاته..

توفى “عبد الرحمن الأبنودي” عصر يوم الثلاثاء الموافق 21 أبريل 2015.

 

 

 

 

 

https://youtu.be/9lFgyZV0dYk

 

 

https://youtu.be/Y-gBxMnAQec

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة