خاص: حاورته- سماح عادل
“أمير ناصر” شاعر عراقي، بدأ في نشر كتاباته في الصحف العربية والعراقية منذ عام 1975، وهو من مواليد العراق- الناصرية- الشطرة، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، وعضو جمعية المصوريين العراقيين، وسكرتير منتدى الشطرة الإبداعي. صدرت مجموعته الشعرية الأولى “تاريخ أصابع يدي” عام 1995 وتوالت مجموعاته الشعرية (طعنات أليفة 2009ـ شعر- القاهرة، تاريخ الماء والنساء 2013 نص مفتوح مشترك مع الشاعر عمار كشيّش ـ ميزوبوتاميا ـ بغداد، حروف اسمك 2016 ـ شعر ـ بغداد، عتبة الجنون ـ شعر- مخطوط، وساوس الظهيرة ــ شعر ــ مخطوط )
إلى الحوار:
(كتابات) في ديوان “طعنات أليفة” اللغة مميزة تعبر بها عن حزن واغتراب.. حدثنا عنه؟
- جاءت “طعنات أليفة” بلون الحقبة الزمنية المعاشة التي كانت تجاور الهم العراقي والجوع العراقي والعوز، حقبة ما أطلق عليها بالحصار الجائر (حصار الداخل المقيت، وحصار الخارج القاسي، حقبة البحث كل صباح في أرجاء البيت من أجل العثور على قطعة أثاث نبتاعها من أجل لقمة العيش، ومن أجل أن يتعلم الأبناء في مدارسهم، تتوالى الطعنات تلو الطعنات في هذه الحقبة المرة، الحكومة، المذيع، الشارع، عيون الأبناء، غدر الأحبة، تهافت الأصدقاء، …. (التسعينيات) الحقبة التي كتبت فيها (طعنات أليفة) غيّرت وجهة الفرد العراقي، وحطمت آماله وتطلعاته وأحلامه، لذلك جاءت هذه المجموعة ملطخة بالحزن والاغتراب، لن أنسى أبدا ذلك الصديق الذي ودعني وهو يحمل حقيبة صغيرة، قلت: أين وجهتك قال: لا أعلم … المهم عند هذا الشاب هو الهروب من مقلاة السعير إلى سعير آخر… حقبة مرة عفنة.
(كتابات) في ديوان “حروف اسمك” الحب عذب واللغة رقيقة ناعمة.. هل تعيد الكتابة أكثر من مرة وتدقق في اختيار الكلمات؟
- القصيدة (معي) هي فكرة تنمو بمرور الزمن، فكرة أحيانا أتعثر بها على رصيف، ومن ثم أعيد أو بكلمة أدق (أصيغ) هذه الفكرة بكلمات، ونادرا ما أعيد معمارية قصيدة، ربما أحذفها تماما، وقد حذفت ما يقارب أكثر من كتاب شعري، ربما يراه البعض مناسب للنشر.. قاموسي الشعري سهل متداول ويكاد يكون يومي، أتجنب دائما اللغة المقعرة والصياغات المركبّة والزخارف، هكذا تعلمت منذ البدء، أن تكون القصيدة أشبه بوردة تتفتح بشكل طبيعي.
(كتابات) في ديوان “حروف اسمك” هل الحميمية والتواصل الحسي يميز العشق ويغنيه؟
- قد لا يكون العشق أو الحب دائما هو الهدف الرئيسي أو المعلن داخل النص الشعري، فالحب (حمال أوجه) قد يكون هو المعني أو لا، وربما هو رسالة مشفرة لمعشوقة من نوع آخر، لذلك حاولت في (حروف اسمك) أن انطلق من هذه الفكرة التي تفتح فضاء التأويل، لكي لا ينقاد القارئ أو ربما يحاكم النص من وجهة نظر أحادية، وتصبح نصوص الديوان مكرسة لصورة نمطية تتكون أجزاءها من خلال تجاور الصور الحسية، التي هي علامات أو أجزاء لصورة تتشكل في الذاكرة القارئة.
(كتابات) في ديوان “حروف اسمك” أنثى ملائكية بعيدة المنال.. احكي لنا عن صورة المرأة المعشوقة؟
- المرأة عندي هي كائن مقدس، ومهمتنا هي أن نلتقط من تحت أقدامها أحلامنا و رغباتنا.
(كتابات) هل واجهتك صعوبات في الكتابة والنشر؟
- أجل وهي كثيرة بالتأكيد، في عقدين من الزمان ( 1980ـ 2000 ) كنا نبعث موادنا الأدبية عن طريق الأصدقاء والعرب الوافدون إلى المربد، كتسويق لأسمائنا التي باتت يكسوها الغياب،علنا نجد فرصة في القاهرة، بيروت، الخليج.. للنشر، تفضلت عليّ دار الحضارة للنشر وصاحبها السيد إلهامي لطفي في القاهرة بنشر كتابي الشعري الأول على نفقة الدار وهذا الكرم لن أنساه ما حييت.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في العراق؟
- الثقافة العراقية الآن في مرحلة مخاض، لأنها تمر بعملية انتقال أو تغيير؛ لأن عراق اليوم ليس هو عراق الأمس، و بالتأكيد كل عملية تغيير تاريخية تمر بظروف معينة، قد ينظر إليها البعض من محدودي التفكير بنظرة تشاؤمية، وقد يضخم آخرون ما تمر به، أو يلون مستقبلها بألوان قاتمة، بيد أن النظرة الموضوعية قد تكتشف أنها مرحلة طبيعية في خضم هذا التغيير الذي مس أسسها العميقة، والتي صنعتها – أي هذه الأسس- منظومة أيدلوجية غذت مرتكزاتها عبر أزمان طويلة، لذلك أن هذا المخاض البطيء ربما يساعد في استبراء ثيابها القديمة.
(كتابات) في رأيك هل انسحب الشعر أمام السرد وخاصة الرواية.. ولما؟
- لا اتفق ربما مع الرأي الذي يقول أن الشعر قد انسحب من دائرة الاهتمام أمام الرواية، بل أن هناك الكثير من الأسماء الشعرية الجديدة التي تظهر كل يوم، بالإضافة إلى الكثير من المجاميع والدواوين الشعرية التي تطبع، ولكن ما جعل هذا الرأي يشاع هو ظاهرة الجوائز والمسابقات التي تهتم بالرواية، والتي ساعدت على الترويج لها، وخدمتها إعلاميا وتجاريا، حتى يمكننا أن نرى أن أغلب معارض الكتب تهتم بالترويج للرواية على حساب الشعر، لكن ورغم هذه الظاهرة لازال العراق مثلا بلدا شعريا، وأغلب ملتقياته ومهرجاناته تهتم بالشعر، ومازال المتلقي العراقي يحتفي بالشعر والشعراء، لذلك أسمح لنفسي القول، أن العراق بلد شعري بامتياز.
ثم أن الشاعر يستطيع تسويق اسمه بسهوله عبر النشر في الدوريات وفي الصحف اليومية، وحتى على صفحات التواصل الاجتماعي، مما جعل منه (متاح) للقراءة، في حين الروائي يصعب عليه نشر ولو أجزاء أو فصول من أعماله. إذا اعتمدنا المبيعات وإقبال دور النشر على طباعة الرواية دون سواها، أو تقديمها على الشعر باعتبارها أكثر إيرادا من الشعر نستنتج من هذا أن الشعر يتراجع أمام الرواية، (طبعا ليس كل الشعر) ولا كل الرواية، في معرض بغداد الدولي للكتاب، كنت أحد المشاركين، ومن خلال استطلاع بسيط، نجد أن محمد خضير، وخزعل الماجدي وعلي بدر، وضياء جبيلي (وجلهم من الروائيين)، هم الأكثر مبيعا في المعرض (حضور خزعل الماجدي في علم الأديان، إضافة إلى الشعر).
(كتابات) ما رأيك في النقد وهل يؤدي دوره تجاه الإنتاج الغزير للكتاب؟
- لا اعتقد أن بإمكان النقد اليوم أن يواكب كل ما يطرح على رفوف المكتبات، حيث غادرت صورة الناقد التقليدي المتابع، بسبب كثرة ما تخرجه المطابع اليوم في كل البلدان العربية، بالإضافة إلى المطابع المحلية، والتي ربما ستحل محلها– أو هذا ما أطمح إليه- الورشة النقدية، التي تعالج مواضيع أو ظواهر في الأدب، والتي فيها ربما سيتوزع الجهد الذي كان يتكبده الناقد الفرد، لتدرس تلك الموضوعات أو الظواهر من خلال وجهات نظر مختلفة ونماذج عديدة، وأيضا ممكن ربما أن تحيط هذه الورشة التي تستعين بنقاد عدة بأغلب ما مطروح من نتاج.
(كتابات) من هم الكتاب الذين أثروا بك؟
- العراق بئر عميقة ننهل منها دائما، من رموزها الشعرية والقصصية والروائية، أسماء كثيرة ورصينة، توفرت لي فرصة في بداية حياتي الشعرية للقاء بالشاعر والأكاديمي الكبير “خزعل الماجدي”، وهو من قادني إلى السكة الأمينة في الكتابة، والشاعر “زاهر الجيزاني” صاحب فضل كبير في توجيهي، كنا نقرأ كلما يقع بأيدينا من شعر لجميع الأجيال الشعرية العراقية، وكل كتب التراث العربي الثري.
(كتابات) هل أصبحت قصيدة النثر هي السائدة في رأيك؟
- أكيد أن قصيدة النثر قد احتلت مركز الصدارة، لأن عدد شعراءها كبير جدا، وأيضا كثرة الملتقيات والمهرجانات التي تهتم بها، ولكن هناك محاول لجر الشعرية العربية إلى دائرة الشعر التقليدي، تعززها الجوائز والمسابقات التي شاعت في بلاد الخليج العربي خاصة، والتي جعلت أغلب الشعراء يعودون إلى هذا النمط الشعري طمعا بالجائزة، لما توفره من مكسب مادي وإعلامي، لذلك أجد أن هناك نكوصا في الثقافة العربية عامة، والشعر خاصة.
ولكن مع ذلك نجد أن هناك تطورا في قصيدة النثر العربية وهناك أجيال تحاول أن تجد لها موطئ قدم، بالإضافة إلى انتشارها بين القراء، رغم المحاولات التي تحاول أن تعرقل هذه المسيرة، مع تحفظي بالتأكيد على بعض التجارب التي تقحم إقحاما على قصيدة النثر، والتي هي نصوص ضعيفة استغلت سهولة النشر، وما توفره المواقع الالكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي من فسحة من حرية النشر، لتنشر نصوصا ضعيفة وتنسبها إلى قصيدة النثر، والتي ربما يستغلها الذين يعارضونها للتشهير بها.
(كتابات) ما أحلامك وطموحاتك ككاتب؟
- أتمنى أن يكون مجلس للثقافة والفنون في كل الدول العربية، وأن تكون للثقافة حصة في المال العام باعتبارها (الثقافة) ثروة وطنية، وهذه المجالس كفيلة بحل أزمة النشر التي يعاني منها الكاتب العربي وربما توفر له دخل شهري تجعله على قيد الكتابة والعيش .
قصائد لأمير ناصر..
أما غابة موحشة
أما غابــة موحشّة تنتظر القمر
أو عود ثقاب مُمدد في علبه
تلك هي وظائفي بغيابك
مرة :
كنت ألبط مثل سمكة صغيرة في كأس نونك
أرتطم ، وأحوم على تبر حرفك .
وقارع الطبل ، قلبي العتيق
يقرع ،
دُم … دُم … دُم
……………
………………………..
كل الألوان تذكرني بك
مرة:
ــــ حينما أقبلتِ من بعيد ـــ
صحت:
يا خضراء … يا خضراء
………
وسرت معك، سرت في خمائلك
وكنت بين حين وحين
أتلصص على قراءة وجهك
باهرة ساعاتي وهي جوارك
وعظيم أمري وأنا أتنفسك
***
وصايا الأب
( أنت لست رجلا ولن تكون)
ما لم تتلظ مثل قطعة زبد
في مقلاة
تمر عليك الفصول
تمــر،
بأشكالها
وأنت تهرب من سعير لسعير
أو تستجر مثل كومة قش
تأكلك النار، وأنت ساهم
كشواظ يعلو ويهبط
مُسورا قامتها بدخانك.
……………
وأنت لست رجلا
ما لم تقف متخشبا مثل نورس
ـــــ مات من عطش وضل طريقه للمياه ـــ
على ألفها،
تحرس حروفها بعينين من حجر
بعينين من حذر.
وأنت لست رجلا
ما لم تفرش (كرامتك) كبساط أحمر
(تذله أقدام) امرأة
امرأة جميلة،
تحبها.
***