18 أكتوبر، 2024 8:20 ص
Search
Close this search box.

مأزق المالكي مع ربيع الفلوجة والأنبار والعراق

مأزق المالكي مع ربيع الفلوجة والأنبار والعراق

 من المنطقي أن نٌفاجأ بما انطلق في الفلوجة ومحافظة الأنبار عموماً من تحرك ثوري سلمي على هيمنة المالكي وظلمه، بعد أن أطال هذه الهيمنة الظالمة وأمسك بأكفّه، ولا أقول بكفّيه، بتلابيب أحد مكوّنات الشعب العراقي، أقول طال هذا الظلم إلى درجة ما عدنا نأمل الكثير وتسلل اليأس إلى الكثير منا. أقول من المنطقي أن نفاجَأ، ولكننا في الحقيقة ما تفاجأنا بهذه الثورة السلمية وهي تنطلق من بؤرة الثورة والمقاومة العراقية حين لم ترض بسقوط بغداد والوطن ولم ترتضِ بالاحتلال حين رضي به آخرون وسيدّعون، كما سيفعل المالكي نفسه، بعد ذلك بثماني سنوات أنه بداية الربيع العربي. فانطلقت المقاومة وما وما توقفت حتى بعد ما فعله طارق الهاشمي وحاجم الحسني والحزب الإسلامي وعشّاق السلطة من شق للطيف المظلوم يوم ذهبوا مع مسودة الدستور (المسخ) بحجة وعد الآخرين لهم بتعديله بعد التصديق عليه، وكأنهم من السذاجة بحيث لا يعرفون أن أي تعديل فيه سيحتاج إلى موافقة 70 بالمئة من الشعب، وبشرط عدم اعتراض ثلاث محافظات، وبما يعني استحالة تعديله حتى بعد مئة عام. ثم لم يكتفوا بذلك بل راحوا إلى الانتخابات في ظل مناخ غير ملائم وتهيئة غير مكتملة وتزويرات وخروقات لا حدود لها. كما أن الثورة لم تتوقف حتى حين زحف عليها تنظيم القاعدة والمتطرفين وكادوا يمسخونها، لتثبت اليوم أنها قد سلمت.
    المشكلة هنا أن الكثيرين، بدءاً بطارق الهاشمي وحاجم الحسني، ومروراً بأياد علاوي ورافع العيساوي، وانتهاءً بصالح المطلق، الذين كونوا جميعاً وتدرجياً القائمة العراقية، قد واصلوا الانخراط في العملية السياسية المسخ، ليقع منهم من يقع ضحية لها، و(يتقشمر) منهم من (يتقشمر) ويبقى منهم من يبقي يأمل بطيف يتلاشى تدرجياً ولكن بسرعة من أمامه. وفي كل ذلك لعبت القائمة العراقية، وفي الكثير من الأحيان بحسن نية، أدواراً مخزية حين اشتركت في إعطاء هذه العملية الممسوخة وأكبر رجالاتها المالكي شيئاً من الشرعية. وفعل أعضاء القائمة العراقية وغيرهم هذا مع كل التآمرات المتتالية عليهم، التي كثيراً ما تتلبس لبوس الخلافات السياسية، وغالبيتها كانت مع المالكي، بمعنى أن المالكي كان طرف فيها أو ممثل لذلك الطرف، كما هو في الأزمة الأخيرة التي من الواضح أنه لم يعي مبكراً أنها هذه المرة ليست عادية، لانها ليست أزمة بل ثورة، وإنْ بدأت أزمة خلقها المالكي كما خلق من قبل كل الأزمات، والمصيبة أنه في ذلك يتخذ صفة رئيس وزراء العراق، وما هو في الحقيقة رئيس وزراء كل العراقيين. ولأن المالكي هو الطرف المكرر في كل هذه السلسلة وطرف في (الأزمة الحالية) يكون منطقياً أن نحلل باختصار هذه الشخصية.
***
    في البداية برأيي أن من العيب على أي طرف، مهما كانت تواضع قوته، أن يخسر صراعاً أو خصومةً أو منافسة مع المالكي. لماذا؟ حسناً، إن تأمل صفاته الآتية تجيبنا على ذلك:
•  انه ليس سياسياً، وعليه فإن الفوز عليه يُفترض أن يكون يسيراً. فهو: شتّام، وفاقد للمرونة في التعامل مع أية جهة أو أزمة، ومثير للخلافات مع غير المتفقين معه والمتفقين من المجموعات السياسية. فهل تتذكرون المالكي تعامل مع معارضة أو متظاهرين أو مختلفين معه، بسياسة وبمرونة؟ لا أظنكم تتكرون لأنه لم يفعل مثل هذا ولو مرة واحدة، بل هو صاحب رد فعل عصبي وغاضب ومشكك دوماً، بل هو لا يستطيع حتى أن يبتسم في هكذا حالات.
• وهو غير ديمقراطي بامتياز، بل فردي دكتاتوري، حتى داخل تحالفه وقائمته بل حزبه. كما انه لا يعترف بالهيئات المستقلة من قضاء وهيئة نزاهة وهيئة انتخابات. كما انه لا يعترف بهيئات المجتمع المدني. وهو لا يُحسن التعامل مع أية قضية أو جهة حتى وإن كانت صغيرة يختلف معها، ومثال ذلك تعامله الخشن وغير السياسي وأمام كاميرات الصحفيين مع هناء إدوارد.
• وهو فاقد للكرازما القيادية، ومتجهم، وفاقد لأي تاريخ سياسي أو نضالي، وإن كنا نختلف مع من يخوّنه أو يعيب عليه أنه كان يبيع السبح في دمشق، فذلك عندنا يصب في صالحه إذ يعني أنه في منفاه كان يكسب قوته بعرق جبينه، وهذا ما يجب الاعتراف به.
• باتفاق الغالبية العظمى من المحللين والسياسيين العراقيين والعرب والعالمين، هو صاحب قدرة بامتياز على خلق خلاقات مع البلدان، كما هو خلافه مع جميع جيران العراق (تركيا، سوريا، الأردن، السعودية، الكويت، قطر) عدا إيران التي هو مرتبط صراحة بها.
• وهو كثير ارتكاب للأخطاء في كلامه وتصريحاته، كما فعل مع قضية احتفاظه بملفات إرهاب عن شركاء في العملية السياسية، وشتمه لمتظاهري ساحة التحرير.
***
    ومع حضور هذا كله في أزمة اليوم، نتوقع أن المالكي لن يكتفي هذه المرة بأساليبه الخاصة به، التي سيستخدمها على أية حال، بل هناك مؤشرات على أنه سيستخدم ثلاثة اساليب:
• أسلوب الرؤساء الذين خلعهم الربيع العربي فليجأ إلى التخوين والتجاوز اللفظي من شتم واتهام بالأجندة الخارجية والعمالة وبوجود المندسين وغيرها.
•  الأسلوب الإيراني القائم على تعدد مصادر القرار والتصريح، بحيث قد يقول هو شيئاً ويدع أحد المتكلمين باسمه أو احد الحلفاء يصرح بنقيضه بحيث يضيّع القضية على المقابل من جهة، ويفوّت عليهم إمساكه بشيء، لوجود تصريح مخالف له دائماً.
• أسلوبه الخاص، فامتداداً لأساليبه هو سيكرر بعض ما استخدمه ويستخدمه في كل أزمة، وأولها هو سيغني الاغنية المفضلة لديه، نعني (أغنية الدستور) التي لا تكاد تخلو فقرة من أية خطبة من خطبه خلال العامين الأخيرين منها، وفي علم النفس السياسي يعني هذا أن صاحبها هو اكثر الناس خرقاً لهذا الذي يدعو إليه، كما تفعل أمريكا مع حقوق الإنسان، وكما هو تكرار دعوة إسرائيل للفلسطينيين للحوار، ومثل ذلك دعوة الاخوان المسلمين للمعارضة.
    إذن تمشياً مع شخصية المالكي من جهة، وجمع الأساليب الثلاث السابق ذكرها، لن يتردد المالكي وبعض رجاله، مثل الشابندر ومريم الريس، هذه المرة في الآتي:
• تخوين المتظاهرين، ومحاولة إضفاء الطائفية على الثورة: وبدلاً من نفي هذه التهمة بجب برأينا تأكيد مطالب الطائفة السنية بالطرق السلمية كونها طائفة مهمشة، ولكن بدون أن تكون على حساب طائفة آخرى أو طيف آخر.
• اللجوء إلى التفجيرات التي ستستهدف بشكل خاص الشيعة، والأخطر أنه قد يتم اللجوء إلى القيام بأعمال (إرهابية) على طريق الرمادي ليُلام أهله عليها، خصوصاً في ظل عدم وجود إمكانية مراقبة شباب الثورة لمثل هكذا محاولات كما كان ممكناً في مصر مثلاً. ومع هذا يجب اتخاذ الحذر من خلال جماعات من الشباب ومحاولة الإمساك بمن يقوم بذلك لإفشال المحاولة وفضح المتورطين.
• الدس بمن يخالف المطالب والشعارات المجمع عليها، بمطالب وشعارات تتسم بالفئوية والطائفية والخارجية والبعثية، وإن كان هذا الاحتمال ضعيفاُ هذه المرة بسبب الإجماع المتحقق.
• الالتفاف على المطالب المشروعة من خلال اعتراف المالكي، ولكن بأنفة، بشرعية القليل منها، وإطلاق بعض التعهدات الكلامية التي يتراجع عنها فيما بعد، والترضيات الشكلية أو الثانوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع الثوار المسالمين، مدعومة باستقبال المالكي للوفود المنشقة، كما فعل في المرات السابقة، وإن كنا لا نعتقد أنه سيستطيع أن يفعلها بنفس الحجم، لحراجة موقف كل من ينشق عن الشباب الثائر، لأن الثورة أقوى من أن يجازف بالانشقاق عنها أحد بسهولة.
***
    يبقى أخطر ما يمكن أن تتعرض له حركة التظاهرات الثورية السلمية هو ما يأتي من الشركاء والوسطاء، وأهمهم الصدريين: فنحن نعرف أنه ما وقعت أزمة بين طائفتين أو فصيلين أحداهما المالكي أو حكومته أو الشيعة أو دولة القانون أو الائتلاف الوطني، والأخرى السنة أو الكرد أو القائمة العراقية، إلا ودخل التيار الصدري بشخص الصدر نفسه أم بمجموعته ليكون لا مع الفصيل أو الطائفة الأولى كما هو المنطقي ظاهرياً، بل مع الثاني وبشكل قد يكون أحياناً اصطفافاً بل تحالفاً، معزّزاً بخطابات وتصريحات للصدر نفسه ولداهية المجموعة الصدرية بهاء الأعرجي، وهنا تاتي خطورته، لأنه بكل بساطة موقف أو اصطفاف أو تحالف وقتي أو مرحلي ينتهي في النتيجة إلى التخلي عمن يُفترض أنه يُتخذ معهم، وفي النتيجة يكون إضعاف هذا الطرف إن لم يكن إسقاطه، فمثل هذا تكرر في تجارب عديدة ولا تكاد تُحصر، والعجيب أن الجهات الضحيات تثق بالصدريين في كل مرة، لعل أبرزهها تجربة تحالفات الانتخابات النيابية، والتعاطف مع القائمة العراقية في مطالبها، والتعاطف مع التحالف الكردي، وآخرها الدخول في تحالف سحب الثقة عن المالكي.
    لكن هذا يجب ألا يجعل الثورة السلمية تخوّن أو تشكك الصدر والصدريين، كما نحن لا نريد أن نفعل هذا، بل يجب أن نفترض حسن النية، ولكن مع وضع واقع تطور الموقف في كل مرة وبدون استثناء نعني تطور الموقف الصدري إلى التراجع المتوقع عن الدعم إن لم نقل شق الصف. وعليه فالصحيح هو عدم الثقة بهم أو بأي فصيل أو وسيط بشكل مطلق، مع عدم الامتناع عن التفاوض وقبول الوسيط. فهذا لا يتعارض مع إمكانية المرونة، ولكن بالطريقة لا بالمبادئ والمطالب والحقوق، ولا بأس حتى بمحاولات المطلك والعيساوي والدليمي وأدوارهم غير المقنعة، حتى ونحن نعرف أن المالكي وحلفائه سيلجؤون إلى هذه الوسيلة. لكن الذي فات المالكي والصدر وبقية قادة الائتلاف الوطني أن الأزمة هذه المرة ليست ككل مرة، لأنها ليست مع سياسيين ينخدعون ويُغرون ويتراجعون ويخافون، بل مع شعب.
***
   في المقابل متوقع من المالكي، انطلاقاً من عجرفته ودكتاتوريته وعدم مرونته ومن عدم احترام الآخر سيتعامل بشدة مع المتظاهرين متى وجد فرصة لذلك. ولكننا نعتقد أن الثوار السلميين سيردون بشدة، ولكن بالطرق السلمية- التظاهر والعصيان والإضراب ودفع فاتورة التضحية والدم- على كل تجاوزات المالكي ورجاله وتهديداتهم واتهاماتهم، بل تصعيد المواقف مع أي من هذه التجاوزات. فالوقت قد حان، كما لم يحن من قبل، لعرض كل المطالب والاعتراضات والمعاناة، بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلات والعفو عن المعتقلين والسجناء وإلغاء قوانين بعينها، ولاسيما المساءلة والاجتثاث والمادة 4 إرهاب (4 سنة)، والعمل على تعديل الدستور الذي الذي وُعد به طارق الهاشمي وحاجم الحسني فخُدعوا، وإزالة التهميش. بل ربما حتى عدم التنصل من مطالب المكوّن السنّي، فذلك لا يمكن عده طائفية، وفق ما صار يعنيه المصطلح، ما دام هذا المكون يطالب برفع حيف عنه، سواء أكان هذا الحيف واقعاً فعلاً، أم هو إحساس من هذا المكوّن. وهي ليست طائفية ما دام هذا لا يكون على حساب مكونات أخرى وما دامت لا تنادي بأي شيء ضد تلك المكونات. ونظن أن من حق المكوّن السني المطالبة برفع ما يراه غبناً وحيفاً وقع عليه ويتمثل في الآتي:
• اوضاع رموز دينية سنية وسياسية معارضة للمالكي مثل: حارث الضاري، وعدنان الدليمي، وطارق الهاشمي، ومحمد الدايني، ورافع العيساوي، وغيرهم.
• الهيمنة الشيعية على القطاعات العسكرية والأمنية ووزارات الدولة من خلال وكلائها ومدرائها العامين وصولاً إلى صغار مسؤوليها. وكمثال على ذلك نتحدى أي مسؤول في وزارتي الثقافة والتعليم العالي ان يثبت خلاف هذا. المصيبة أن الاعتراض على مثل هذا بل الشكوى منه صار يقود إلى اتهامك بالطائفية، وعليه يجب ان ترى وتعاني وتسكت.
• صبغ المدن بصبغة الطيف الواحد، من خلال دوائر الدولة، وصور الرموز الدينية، والمبالغة في مظاهر الطقوس الدينية ولافتات الأحزاب الدينية الشيعية.
    أخيراً من الواضح، الذي لم يدركه المالكي ولن يدركه إلا متأخراً- شأن كل الحكام الدكتاتوريين- هو ان الازمة التي حركها هذه المرة وصلت إلى أن تكون عضّ أصابع، حين أشعلت ثورة ولكنها سلمية، وبما لا يمكن إلا أن تكون من ضمن سلسلة ثورات الربيع العربي. وإذا كان المالكي وآخرون معه قد قالوا مع أوائل أيام الربيع العربي بأنه قد بدأ في العراق حين دخله المحتل وسقطت بغداد، فإنهم سرعان ما تراجعوا صراحةً أو ضمناً عن هكذا ادعاء. لكن آخرين ضمن دائرة المالكي لا يزالون يؤمنون بذلك، وقد يتجرأ بعضهم بالتصريح به كما فعل مثلاً، وبدون خجل أو حتى مراعاة اتصافه (بالمحلل السياسي)، إحسان الشمري اليوم. وإذا شاء (محلل) مثل الشمري أن يطلق على سقوط بغداد والعراق ربيعاً عربياً، فإنه إذن نسخة إمريكية، بينما النسخة الحالية هي نسخة عراقية بامتياز، وهو ما نأمل أن يدركه المالكي ومَن مِن حوله قبل فوات الأوان.

أحدث المقالات