أصبحَ من الواضح جداً أن الدورة الانتخابية المقبلة لن تكون مثل سابقاتها ، وهذا الأمرُ سينعكسُ على ما بعد الانتخابات أيضا . وأيّ مراقبٍ يستطيعُ قراءة المشهد الانتخابي بوضوح ويستطيعُ أيضا أن يخرج باستنتاجات ربّما تكون قريبة جداً من الواقع . والموضوع ليس افتراضاً من نسج التكهنات ، وانما الواقع الملموس بكل أحداثه ومتغيراته يرسمُ للمواطن العراقي خارطة جديدة مليئة بالخطوط المستقيمة والمنحنية وبالتقاطعات المنطقية وغير المنطقية . ولتوضيح هذه الخارطة الجديدة التي ستفرض وجودها على المشهد السياسي المقبل أوجز توقعاتي بالنقاط التالية :
أولا : مشاركة المواطنين العراقيين في الدورة الانتخابية المقبلة ستكون ضعيفة مقارنة مع الدورات السابقة رغم دعوات الحث على المشاركة التي تصدر من هنا ومن هناك . وهذا الأمرُ باعتقادي الشخصي ناتج عن الاحباط الكبير الذي يعاني منه المواطن العراقي على مدى ثلاث دورات انتخابية لم يحصل من خلالها على أقل ما يمكن الحصول عليه لتعزيز ثقته بالعملية الانتخابية . كما أن انشغال مواطني بعض المدن المحررة من ( داعش ) بحياتهم المرتبكة وعدم استقرارهم المادي والنفسي ربّما لا يدفعهم للمشاركة في الانتخابات القادمة بقوة . وفي نفس الوقت فان المرجعيات الدينية لم تعد تملك نفس التأثير القوي على المواطن العراقي ودفعه للمشاركة بالانتخابات كما هو الحال في السابق بسبب ضعفها في مواجهة الفاسدين خلال الدورات الثلاث ممّا أوجد شيئاً من الحيْرة في نفوس المواطنين . خلاصة القول أرى أن نسبة المشاركة لن تتجاوز أكثر من ( 55% ) وأن نسبة المصوتين على القوائم لن تتجاوز أكثر من ( 38% ) وهذا يعني دخول ما نسبته ( 17% ) من الناخبين مراكز الانتخابات دون التصويت لأية قائمة من القوائم كردّ فعل انتقامي . وربّما تنخفض النسب الى أدنى ممّا ذكرته وهذا ليس بالأمر الغريب اطلاقا .
ثانيا : من يتصور أن الدورة الانتخابية المقبلة ستبتعدُ كثيراً عن الأجواء المذهبية والطائفية والعرقية فهو واهمٌ تماما رغم كل التصريحات المفبركة هنا وهناك . بل انني أرى أن الأجواء الطائفية ازدادت سطوتها على المشهد السياسي أكثر من السابق لأسباب كثيرة منها التدخلات الخارجية التي ما تزال تشحن المجتمع العراقي بهذا الاتجاه ، اضافة الى لجوء أغلب القوائم – ان لم أقل جميعها – الى العزف على هذا الوتر بشكل مباشر أو غير مباشر لضمان حصولها على ودّ الناخبين في ظل غياب برامج انتخابية صحيحة . وان تضمنت بعض القوائم أسماء مختلطة مذهبيا أو عرقيا فهذا لا يعني النأي عن التوجهات الطائفية ، لأن أساس تكوينها وأساس فلسفتها أساسٌ طائفي محض . وما وجود تلك الأسماء الاّ لتحقيق المصالح المتبادلة بين القوائم ومرشحيها . ولكل واحد من تلك الأسماء ( غاية في نفس يعقوب ) .
ثالثا : في الدورة الانتخابية المقبلة لن تظهرَ قوائم كبيرة جداً – كما حصل في الدورات السابقة – وانما ستظهرُ قوائم من الصنف الأول متقاربة في حصد المقاعد . وأتوقع أن عددها لن يتجاوز الأربعة أو الخمسة قوائم . ولن تحصل أية قائمة منها أكثر من أربعين مقعدا أو ربّما أقل من ذلك . وتليها قوائم ذات المستوى الثاني التي سيتراوح حصد كل منها للمقاعد بين خمسة عشر الى خمسة وعشرين مقعدا في أفضل الحالات . ومن ثم القوائم ذات المستوى الثالث التي سيكون نصيب كل منها عشرة مقاعد ( أقل أو أكثر قليلا ) . وأخيرا القوائم المبعثرة التي ستحصلُ كل منها على بضع مقاعد لا تتعدى أصابع اليد . وهذا الاستقراء الواضح نتيجة حتمية وطبيعة للتشظي الحاصل في الكتل الكبيرة ومحاولة البعض من الافلات من قبضة زعماء الكتل الكبيرة بعدَ أن فهموا اصول اللعبة وقواعدها وأرادوا أن يكون لهم شأن مستقل يتخلصون بهِ من التبعية التي أرهقتهم وأرهقت أحلامهم .
رابعا : وفقاً لما تقدم فان المشهد السياسي ما بعدَ الانتخابات سيكون أكثر تعقيداً وارتباكاً بسبب تدني المقاعد التي ستحصلُ عليها الكتل – كما أسلفت سابقا – وبالتالي فان هذا الأمر سيضعُ العملية السياسية برمتها تحت ضغوطات كثيرة . وأن محاولة ائتلاف أربع كتل أو أكثر من أجل تكوين الكتلة البرلمانية الأكثر مقاعداً ليس بالأمر السهل اطلاقاً ، وانما سيكون وفق معادلات الربح والخسارة التي تعتبرها جميع القوائم المتنافسة أهم نقطة لديها حتى أهم من مصير الوطن . مع العلم أن التفاهمات السياسية من أجل الائتلافات ستأخذ وقتا طويلا قبل تشكيل المثلث السيادي ( رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الوزراء ) اضافة الى أن الطريق لتحقيق الائتلافات سيكون على حساب الوطن والمواطنين بكل تأكيد . وسيفتحُ الأبواب على مصاريعها للتدخلات الخارجية التي سيكون لها التأثير الواضح على رسم خارطة السنوات الأربعة القادمة .