19 ديسمبر، 2024 1:02 ص

يتميز شعب العراق عن بقية شعوب المعمورة بأنه شعب خفيف الدم طيب القلب والروح وصاحب نكته ، بأمكانه تحويل حالات الحزن و الاسى التي يمر بها الى بيت أبوذية أو دارمي أو طرفة أو ربما رسما كاريكاتيريا لأولئك الذين يجيدون الرسم ، يفرغ من خلالها كل شحنات الغضب والقهر والحرمان التي تملأ صدره وهو ينطلق بذلك من المقولة الشهيرة ( شر البلية ما يضحك ) .

ومع (تحرير العراق) من المحتل العراقي !! وفتح الحدود على مصاريعها ، وترك البلد ( دشر ) مثله مثل ( خان جغان ) لكل من هب ودب ، وتزاحم الشاحنات الناقلة للمواد التي حرم منها العراقيون عقودا طويلة ، أمثال الزناجيل والقامات وعصابات الرأس والاعلام وصور الائمة الاطهار التي لم يذكر عليها أسم الاستوديو الذي التقطها ، والتي أرسلت من جارتنا ورفيقة تأريخنا البارة المسلمة المؤمنة التي تخاف علينا وتسهرعلى أمننا وراحتنا وثرواتنا ، الجارة العزيزة أيران ، لم تترك هذه الفرصة السانحة تمر دون أن ترسل أطنانا من الهدايا الى شبابنا العاطل عن العمل ، والتائه في لجة الحياة ، عبارة عن حبوب مخدرة للهلوسة و شاي مخدر وجرعات من الهيرويين تنسي الشباب هموم الحياة الصعبة وقلة ذات اليد والحرمان والبطالة ، بل تنسيه حتى أمه وأبيه ، وتنسيه ماضيه المجيد وحاضره التعيس ومستقبله المجهول .

ونتيجه لذلك فقد أنتشرت ظاهرة ما يسمى بـ ( التحشيش ) والكلمة لا تعني أكلي الحشيش مثل الخرفان والاغنام والماعز ، بل تعني متعاطيه ، وهم بالنتيجة سيكونون بمستوى تفكير ما ورد ذكرهم في النوع الاول ، أي من يجعل جمجمته تغادر الى عالم آخر لا يراه الا هو وحده ، وعلى أساسها يفكر ويتكلم ويتصرف، وهذا ليس غريبا عليه طالما أدمن تناول هذه السموم ، ألا أن الغريب في الامر أن تتبنى الكثير من المطابع الاهلية تأليف وطباعة الكتب الخاصة بطرائف ونكت الحشاشة ، بعد أن حرمت وزارة التربية هذه المطابع من طباعة الكتب المدرسية التي أخذت تطبع في الاردن وأيران ، وأصاب أصحابها والعاملين فيها وعوائلهم الضرر الكبير.

أن الكتب الخاصة بالحشاشة ملئت اليوم أرصفة شارع الثقافة والفنون شارع المتنبي ، بعد أن كان زاخرا بأهم المجلدات والمخطوطات والكتب الادبية النادرة.

أن هذه المطبوعات تلقى رواجا كبيرا بين صفوف الشباب الذي غادر كتب عمالقة الفكر والادب العربي والعالمي الذين كنا نقرأ لهم أيام شبابنا أمثال طه حسين و عباس محمود العقاد و نجيب محفوظ و أحسان عبد القدوس و آجاثا كريستي و تولستوي و الكسندر دوما و فيكتور هوغو، وقباني و السياب و محمود درويش ، ليقرأ عوضا عنها أمثال هذه الكتيبات التي تفسد الذائقة وتبقي معلوماته العامة معلومات سطحية لا نفع منها ، وهي في النهاية لا تغن ولا تسمن من جوع .

أننا في وقت يتطلب منا شحذ الهمم في تثقيف أنفسنا والاستزادة في التعلم وعدم الرضوخ الى اليأس ، لا بل علينا بالتفاؤل في صنع مستقبل جديد للعراق والعراقيين وهذا سوف لن يتحقق وأننا منغمسون في ثقافات الجاهلية والتخلف ، وغير صحيح من قال أن العراقي ( ما تصيرله جاره ) لا العراقي (تصيرله جاره) اذا بدأ هو بنفسه ، وصمم أن يخلق من ذاته أنسانا جديدا متحضرا لا يدع دقيقة من حياته تمر دون أن يستثمرها أفضل أستثمار .

يقولون لو أجتمع أربعة يابانيين صنعوا آلة

ولو أجتمع أربعة بريطانيين ألفوا كتابا

ولو أجتمع أربعة أمريكيين أكتشفوا علاجا

ولو أجتمع أربعة عراقيين … لعبوا دومنه !!!