الحسين عليه السلام صانع الحرية ورمزاً للإنسانية ومصدر إلهام لكل الشعوب الثائرة وشعاراً يرفعه الجميع لأنه يتسع لكل الأمم والشعوب، والحسين هو النور الذي يسر على ضوءه الباحثين عن طريق الخلاص من الذل والعبودية، وتعتبر زيارة الأربعين من المناسبات التي لها حضوراً واسعاً في الشارع الإسلامي لما تمثله هذه الذكرى من ألم يعتصر النفوس ويمزق القلوب على فاجعة الطفوف ورجوع سبايا عائلة الحسين عليه السلام إلى كربلاء الخلود، وقد أعتاد المسلمين الشيعة في العراق أن يحيوا هذه الذكرى سيراً على الأقدام من مدنهم إلى المدينة التي شهدت أبشع جريمة إنسانية وهي قتل عائلة سبط النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذه الجريمة التي كشفت الوجه الأموي القبيح حيث لم يسلم من آلة القتل الأموي حتى الطفل الرضيع، وهذه الأيام يشاهد العالم أجمع هذه المسيرة الراجلة، وهي موجٌ بشري هادر يقتلع الخوف من الدروب، يزرع الأمن والحب والسلام في طرقات الوطن، يتجهون إلى كربلاء يحملون الدموع والشموع، يرددون بصوت مُتعب ياحسين هذا العراق وقد أنهكته الحروب أَما آن الأوان أن يستريح، يا قمر العشيرة الظلام يخيم على المدن والعطش يمزق قلب العراق، يا حسين جئناك مضرجين بالألم ومحملين بدعاء الأمهات، يا حسين أيها الخالد على طول الدهور أيها الثائر على كل المنحرفين، يا حسين مازال صوتك يخيفهم يؤرقهم يجعلهم يتهيئون لقتالك من جديد، فيزيد يتناسل ظلماً وانحرافاً وفي كل عصر هناك ألف يزيد ويزيد، يا حسين ياعشقاً ليس لهُ مثيل وهل رأيتم هكذا عشق يمتد جيلاً بعد جيل، كربلاء قبلة الأحرار وملاذنا وموطن الحب والكبرياء، مواكب السائرين المحملة بالدعاء والألم والأنين لم تسلم من شظايا المنحرفين فكرياً الذين يفخخون أجسادهم العفنة بعد أن تفخخت عقولهم حقداً على كل مظاهر الحب والسلام والأمن والأمان ليفجروها وسط الزائرين ويبعثروا أجسادهم الطاهرة، ورغم كل المخاطر والتحديات لكن الزائرين مازالوا يحثون الخطى نحو الشمس الساطعة التي لم يمر بها الغروب إنها شمس الحق المشرقة من كربلاء، السائرون حُفاة الأقدام قلوبهم مساحة واسعة لعشق الحسين، شيوخٌ يتعكزون على آخر العمر يتمنون ختامهُ هناك في كربلاء، نساء متشحات بالوجع الكربلائي ينثرن دموعهن على طول الطريق يتوسلن بالسماء أن تحفظ الوطن وتحفظ أبنائهن من رصاص الحروب، نساء يحملن أطفالهن الرضع يواسن أم الرضيع يحلفن بقماطه المضرج بدمه إن أطفالهن فداء لرضيع الحسين، يا كربلاء يا وجع العصور وغيمة تمطر أحراراً وشهداء، هذا المسير المليوني ثورة ضد كل المنحرفين صرخة بوجه الفاسدين انتفاضة تُرعب الأعداء والطغاة والمتسلقين، رسالة على السياسيين قراءتها بواقعية، هذا هو الشعب مازال ينبض بالحياة متيم بحب الحسين وينهل من فكره وتضحيته، وكما يزحف للحسين فانه يستطيع الزحف وإزالتكم عن كراسيكم، فالشعب الذي جعل من الحسين رمزه وقدوته فانه قادر على صنع المستحيل، كفاكم تصارعاً وتناحراً ومثلما غرق الوطن من الأمطار بسبب إهمالكم وفسادكم فان الشعب قادر على إغراقكم في بحر غضبه فاحذروا هذا الشعب الذي جعل كربلاء وحسينها مدرسته وأنتم تعلمون ماذا تُخرج مدرسة الحسين عليه السلام، فسلامٌ على كربلاء مدينة الثورة والحرية والشهادة، وسلامٌ على الحسين ثائراً وخالداً ومعَلِماً وقائداً ينهل من فيضه كل الأحرار والثائرين وسلامٌ العراق وعلى الزائرين.