26 نوفمبر، 2024 2:52 م
Search
Close this search box.

الاصطياد بالماء العكر

الاصطياد بالماء العكر

المعلوم ان في سياسة كل دول العالم، دون التمييز بين كونها متقدمة او متاخرة، راسمالية او اشتراكية، يوجد برنامج في سجل اولويات ادارتها يسمى ببرنامج الطواريء، او كما هو متعارف ودارج اعلاميا خطة طواريء، تضعه تلك الدول كورقة احتياطية ضامنة او مقللة من الاخطار في حال تعرضها لاي عارض او خطر جانبي.

وهذا العارض او الطاريء يشمل كل انواع الاخطار التي تصيب مفاصل الدولة، بما فيها الامني او الاقتصادي او الخدمي الى اخره من المفاصل الاخرى، مع الاحتفاظ بخصوصية كل مفصل فيها وطريقة واسلوب التعامل معه.

وفي اغلب الاحيان تضطر تلك الدول التي تصاب بداء الكوارث الى الاستعانة بقوى خارج نطاق الدولة المدنية وبعيدا عن اختصاص اصحاب الاختصاص، وتحديدا قوى الجيش، وذلك من اجل السيطرة على مجريات الحوادث التي تصاب بها، من خلال ما يملكه الجيش من خزين جيد على المستوى البشري العامل او المالي او من ناحية العدة المتوفرة غير القتالية منها.

وقد لاحظ اغلبنا كيفية التعامل الفوري السريع من قبل تلك الدول مع حالات الانهيار والتضرر لاجزاء كبيرة او مناطق واسعة في بلدانها جراء الكوارث المتكررة من زلازل وفيضانات او حرائق او غيرها من الاحداث الاخرى كالاعمال الارهابية او الازمات الاقتصادية الخانقة، والتي سرعان ما تشاهد اختفاء اثار الدمار وعودة الامور الى نصابها الصحيح السابق دون اي مشاكل او عرقلة او تسييس او تراخي، نعم قد تضطر هذه الدول الى طلب المعونة الجزئية من بعض الدول او الاستعانة بدعم مالي من المنظمات الدولية لكي تساعدها في الوقوف على قدميها من جديد، ولكن دون ترك الاصل في تحمل المسؤولية الاكبر على عاتقها.

لذا فان مختصر هذا الموضوع هو ان اية دولة في العالم لم تغفل حكوماتها طرفة عين عن توقع كل ما هو طاريء وضار وكارثي سيلحق بها، وفي الجانب الاخر وضعت كل ما هو مناسب لاستيعاب حجم الخسائر وتوفير الغطاء اللازم للحد من تقليل هذه الازمات لحفظ هيبة الدولة ومواطنيها.

الا ان هذا الشيء ودون تحامل او بغضاء قد لا تجده او حتى لا تسمع به في بلد اسمه العراق، فقط كل ما تشاهده وتسمعه بعد حصول كل ازمة او طاريء، هو وجود خطة طواريء من نوع ثاني، قائمة على تسقيط وتشويه سمعة كل من يقول الحق وينتقد الاطراف المسببة او التي يقع على كاهلها الحمل الاكبر في تحمل المسؤولية.

وخير دليل على ذلك ما شهده البلد هذا الاسبوع من غرق تام في اغلب مناطق العراق في ظاهرة كارثية جعلت الحكومة ومن يتزعم دفة قيادتها في وضع محرج امام حيرة كبيرة في جهل التعامل مع الازمة، حتى وصل الامر الى غرق منزل رئيس مجلس محافظة بغداد، وهو صاحب السلطة الثالثة في التعاطي مع ملف خدمات وشؤون العاصمة.

والغريب في هذه الازمة انه لم يظهر الينا المزمرون والمطبلون في الازمات السياسية، المتزلفون للحاكم وكرسيه، لانهم لا يعرفون ما يقولون، وما سيقنعون به شعبهم، اضافة الى ان بيوتهم سالمة من كل انواع المياه سواء الاسنة او مياه الامطار او مياه البرك، لذا اقتضى بقاءهم مع عوائلهم يتفرجون ويضحكون على المشاهد الجميلة والصور الملتقطة من هذا الفيضان سواء عبر شاشات التلفزة او عبر شبكات التواصل الاجتماعي او من خلال هواتفهم المفتوحة والمدفوعة الحساب.

وبين هذا الواقع المرير الذي ألَـمَّ بالبلد وحاصره في اغلب مناطقه، تندهش اكثر حين ترى صمت الشعب العجيب تجاه هذه الكارثة، وكانها بعيدة عنهم واصابت بلدا اخر غير بلدهم، بل ان البعض اصبح كانه جسد بلا روح، مع جل احترامي لكل الطيبين الذين عبروا بلغة حضارية جميلة سواء على مستوى الكلام او على مستوى التطبيق حين نزلوا للشوارع وقاموا بما يملكونه من ادوات بسيطة في رفع بعض المياه وازالتها من مناطق محافظاتهم.

وفي خضم هذا الحدث الكبير المرعب تعالت بعض الاقلام والاصوات الدفينة، التي كانت غايتها جر الحديث وتحويل البوصلة الى اتجاه اخر، وتحديدا الى موضوع اعتصام اهالي الانبار، وما صدر من موقف صادق ونزيه وموضوعي للتيار الصدري تجاهه، وذلك في محاولة بائسة ورخيصة ومدفوعة الثمن من اولئك، غايتها تشويه هذا التيار الوطني المجاهد وقيادته، واشغال الناس عن المصيبة الكبيرة والفشل الحكومي على مستوى الخدمات جراء الفيضانات الكبيرة التي اجتاحت اغلب المدن.

وليت شعري ليت هؤلاء انصفوا ولو مرة واحدة، حين شاهدوا تغير نبرة ولهجة المعتصمين بعد بيان سماحة السيد مقتدى الصدر اعزه الله الاخير الخاص بالاعتصام، فبعد حمل البعض منهم السلاح والتلويح به، سمعنا خطاباتهم الوحدوية المخالفة لتلك الدعوات والشعارات لاحقاً، وهذه الخطوة مع بساطتها الا انها لا يمكن غض الطرف عنها، ولا باس بضوء بسيط وسط ظلام، فهو حتما سيكون افضل من الظلام نفسه.

وكما قالوا ان توضيح الواضح قبيح توضيحه، فانني اترفع عن الرد او التعليق على ما قيل في هذا الخصوص لانني اعلم علم اليقين ان نفس هذه الاقلام والافواه التي كانت قد اتهمتنا يوما ما باننا طائفيون ومبغضون للسنة، سنشاهدهم بعد ايام حين تحل الازمة، يخرجون ويعيدون نفس السمفونية القديمة ويقولون ان التيار الصدري طائفي وان الاطراف الطائفية بامتياز، هي وطنية لا غبار عليها.

وهنا ساختم ما بداته من كلام بحديث للسيد الشهيد محمد الصدر قدس سره، في احدى حواراته، وتحديدا الحوار الصوتي الخامس، والذي نوه فيه الى المتصيدين قائلا :(في الحقيقة لا عجب من التاويل، لان الاعداء يصيدون ليس فقط في الماء العكر، بل يصيدون في الماء الصافي ايضا، وانا اعتقد ان ماءنا صافي وليس بعكر، مع ذلك يصطاد به مادام به سمك، فلياكلوا على كل حال).

وعليه نقول للمتصيدين، اهلا وسهلا، هلموا فماؤنا صافي واضح ونظيف، خذوا منه ما يحلو لكم، مادام ماء الاخرين آسن مضر ليس فيه نفع ولا دفع..

أحدث المقالات