مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية الثالثة في العراق وظهور قوائم وتكتلات جديدة نسبيا تحمل شعارات المدنية والقفز على الطائفية بعضها ولد من رحم تيارات طائفية، ومع تصاعد حدة التنافس الانتخابي وحملات التسقيط السياسي ، وبعد تجربة مرة وقاسية عشناها كمواطنين ، يطرح كل واحد منا على نفسه تساؤل كبير فهل حقا ان عملية الانتخابات ديمقراطية ؟! ويتبع ذلك تساؤلات اخرى تتعلق بالاجواء التي يفترض توفرها حتى يمكن ان تحمل اية انتخابات صفة الديمقراطية ولو بحدود معينة ومنها تساوي فرص المرشحين في الدعاية الانتخابية وضمان تنافس شريف ونزيه وحرية المواطن الفعلية في اختيار من يراه مناسبا لتمثيله خاصة وان تجربة السنوات السابقة ولدت شعورا باليأس وعدم الثقة عند المواطن قد تدعوه الى العزوف عن المشاركة !!
واذا كان البعض من سياسيي الصدفة وحاشياتهم يروجون للانتخابات وكأنها هي الديمقراطية بعينها ، فان الادبيات السياسية جميعا تتفق على ان الانتخابات وجه واحد من اوجه الديمقراطية وانها كممارسة قابلة اكثر من غيرها للتزويروالتضليل خاصة في مجتمعات يغلب عليها الجهل وتأثير العشيرة والدين والعرق وتغيب فيها ارادة المواطن ان كان بارادته او بالقسر !
ولا نظننا نجانب الحقيقة اذا قلنا ان اسوأ افرازات الاحتلال للعراق وما اعقبه هو قتل تطلعات واحلام المواطنين بالديمقراطية وتغييب القيم الوطنية وعدم المساواة وفقدان العدالة وهي ظروف لايمكن ان تنتج الا انتخابات مشوهة تكون الغلبة فيها لنفس التيارات والقوى والشخصيات الفاسدة التي رفضها الشعب وخرج متظاهرا ضدها ومطالبا بازاحتها لانها تعيق اي عملية بناء دولة مؤسسات حقيقية ..
واذا كانت التيارات الطائفية التي تقاسمت السلطات الثلاث طيلة السنوات الماضية من 2003 الى اليوم ، تتبجح بانها ضمنت مقاعدها في مجلس النواب مسبقا وهو ما صرح به البعض منها ، فأنها تجسد مستوى استهانتها بصوت وبصمة الناخب وارادته ، كما انها تؤشر صحة الملاحظات والانتقادات التي وجهت لقانون الانتخابات الذي فصل على مقاسات الاحزاب الكبيرة ناهيك عن ما تمتلكه هذه الاحزاب من نفوذ واموال حرام تمكنها من فرض ارادتها بالترهيب او الترغيب من دون ان يحاسبها احد ..
لانريد ان نكون متشائمين لكن واقع حال المشهد السياسي في العراق لايبشر بخير فلا هناك وعي واردة مواطن قادرة على الاختيار الصحيح لاسباب عديدة من ابرزها استمرار انحسار القوى الوطنية وضعف تأثيرها في المجتمع ، ولا هنالك من قوانين وتشريعات توفر العدالة والمساواة لجميع المرشحين الذين نفترض ( من باب حسن النية ) ان من بينهم دماء جديدة تريد ان تغير فعلا وتصلح الخراب الكبير الذي طال كل شيء في العراق !
ان من ابرز مشكلاتنا هو عدم توفر وعي شعبي قادرعلى فرض ارادته ويحسب له حساب من قبل تيارات طائفية تاجرت باحلامه وبالتالي فقدان ارادة المواطن الذي ضاق الامرين من طبقة سياسية جديدة اثرت على حساب معاناته وقهره ، لذا فمن العسير ان ندعي وجود انتخابات ديمقراطية صحيحة في ضوء هيمنة شبه مطلقة للتيارات الاسلاموية الطائفية واول خطوة لتصحيح مسار العملية الانتخابية هو انقاذ المواطن من سموم الطائفية والعشائرية وهذا لايتحقق من دون حضور فاعل للقوى الوطنية الحقيقة وهو ليس بالمستحيل اذا ما راجعت هذه القوى برامجها وعادت للعمل وسط محيطها الشعبي لتكسب ثقته التي فقدتها بسبب اخطاء كثيرة لامجال لذكرها الان .