23 ديسمبر، 2024 9:07 م

دكتاتورية بالعافية .. ترضون ما ترضون

دكتاتورية بالعافية .. ترضون ما ترضون

بعد ان صوت اعضاء مجلس النواب العراقي يوم السبت الماضي بالاغلبية على قانون تحديد ولايات الرئاسات الثلاث، بغياب اعضاء دولة القانون، انبرى لنا احد اعضاء كتلة رئيس الحزب الحاكم، والمعروف بتصريحاته النارية المليئة بدسم روائح المقاولات، ليخبر الناس بثقة تامة، ان هذا القانون لن يرى النور.
حتى سالت نفسي، هل المتكلم هو رئيس المحكمة الاتحادية؟، ام شخص من السماء له حق تقرير المصير؟، ليلقي علينا خطبته النارية هذه، الممزوجة بثقة الرفض والدحض لهذا القانون.
واظنه بكلامه هذا قد اثبت ما اكدته بعض الاوساط المقربة من رئيس الحزب الحاكم، من ان دولة الرئيس قد سيطر بشكل تام على المحكمة الاتحادية وعلى رئيسها، وهو ما جعله كل تلك الفترة الماضية والى حد ذلك الاسبوع، يماطل ويداهن في سبيل تاخير اقرار قانونها داخل قبة البرلمان، مع اتفاق كل الكتل السياسية على اقراره باستثناء كتلة دولة الرئيس والبعض ممن تربطهم به منافع مقاولاتية لو جاز التعبير.
وفي هذا الصدد، اظن ان اعضاء مجلس النواب قد استعجلوا قليلا في تقديم هذا القانون على قانون المحكمة الاتحادية، اذ كان الاولى بهم ان يقروا قانون المحكمة الاتحادية قبل اقرارهم قانون تحديد الولاية الرئاسية، لانهم يعرفون جيدا ان كل القرارات التي طعن بها رئيس الوزراء في المحكمة الاتحادية، منذ توليه السلطة والى الان، كانت جميعها تصب في صالحه لا صالح خصومه، لا لانها تحمل الصبغة القانونية او الحماية الدستورية، وانما لحاجة في نفس يعقوب، يعرفها دولة الرئيس ومعه رئيس المحكمة الاتحادية.
وعليه وكطريقة للحل وسبق النتيجة السيئة، فان مجلس النواب مطالب بان يكون هذه المرة اكثر وضوحا وصرامة وحزما مع قراره هذا، وان لا يدع شخصا ينقض قرارات ممثلي ونواب الشعب ومصيرهم، لكونه رهين ملفات بعثية قديمة لفها حول رقبته دولة الرئيس حسب سياسة الملفات المدفونة، والتي اصبحت ابرز ما يميز رجل السلطة الاول.
وعليهم ايضا ان يستعينوا بخبراء القانون والفقه الدستوري، وان يوضحوا الامور من نواحيها السليمة، وان لا يتركوا الموضوع على غاربه، لان ذلك لن يخدم العملية الديمقراطية برمتها، وسينشيء لو نقض القانون، نموذجا جديدا من الدكتاتورية، مؤطرا بأطر ديمقراطية، سيعرض البلد ويؤدي به الى العسكرة المقيتة.
علما ان امر تحديد الولايات للرئاسات الثلاث هو من اهم التوصيات التي اكدت عليها المرجعية الدينية لوفد حزب الدعوة، والذي رفض مقابلتهم سماحة المرجع السيستاني.
والاغرب في هذا موضوع هو انتقاد دولة الرئيس المالكي لموقف الرافضين استمراره بالحكم، وسعيهم لتقييده بولايتين فقط، كما هو الحال لرئيس الجمهورية، والذي رد عليهم بما مضمونه، ان اولئك المنتقدين يريدون ان يصادروا راي الشعب ورغبتهم، واظن ان دولة الريئس قد تناسى ان من يرغب بهذا القانون والذي صوت عليه هم ممثلو الشعب لا غيرهم، اي هم النواب الذين اعطاهم الشعب صوته في الانتخابات ووثق بهم، فعجبا كيف تغافل زعيم قائمة تحمل اسم القانون، ابسط فقرات القانون؟!!.
وحسب علمي فان تمسك رئيس الوزراء واعضاء حزبه الحاكم، ليس نابعا من شيء اسمه مصلحة العراق وشعبه والحرص عليه، بعد ان راينا بام اعيننا حجم الدمار الهائل الذي لحق بهذا البلد خلال فترات حكمه المتعاقبة، ولكن السبب الجوهري يكمن في تخوفهم من الملاحقات القانونية والمحاكم العسكرية والمدنية التي ستطالهم فيما لو ذهب الحكم من حزبهم، وما سيلحق ذلك من فضائح وكوارث وعقوبات لو فلتت زمام السلطة من ايديهم هذه المرة.
وهو شعور واضح وحقيقي نوه له دولة الرئيس في اخر لقاء تلفزيوني معه، فالاعداد الكبيرة من الضحايا وحالات التعذيب والاغتصاب والحجم الهائل في الفساد وغيرها كثير من الامور السيئة لا اظنها ستمر مرور الكرام، او سيتم غض الطرف عنها حسب ما يعتقد دولة الرئيس، لذا سيستقتل على البقاء في كرسيه، وان تطلب منه ذلك التضحية بكل ما يملك، وهو ما اكده في اجتماعه الاخير مع التحالف الوطني، اذ نقل لنا احد المقربين منه انه قال، ان يوم 25/1، والذي صادف احداث قتل المتظاهرين في الفلوجة، يمثل بداية الحرب الاهلية، وساتصدى انا بنفسي لهذه الحرب،؟!! واظن ان هذا الموقف ناشيء عن اهتزاز كبير في النفس وفقدان في الثقة، وعدم التوازن في الطرح، والا من الغريب ان تسمع كلاما كهذا يصدر من رئيس وزراء دولة لها تاريخها ووجودها وهي عضو قديم دائم في كل المنظمات العربية والاسلامية والدولية، وهو بلد الائمة والخيرين والشهداء، مع العلم ان كل تحركاته الاخيرة تثبت عكس ما قاله في الاجتماع تماما..فاسمع منه ولا تتعجب..
ولكن لكل منا عذره، فدولة الرئيس معذور هذه الايام، لانه وقع في ورطة كبيرة، لا يعرف كيفية الخلاص منها، خصوصا بعد ان اخذت التظاهرات ابعادا جديدة، ورؤى مختلفة، حتى وصل الامر به الى الاستعانة بفتوى لاحد شيوخ السلفية القاضية بتحريم خروج التظاهرات ضده بصفته وليا للامر، ليظهرها على شاشة قناة العراقية الحكومية، وهذا اكبر دليل على افلاسه السياسي، بعد ان فقد الدعم من المرجعية والاحزاب الشيعية والقومية والمذهبية بشكل تام، وهو الان يعيش عزلة تامة لا تجمعه الا بفريقه الاستشاري المعروف، والبعض من اقاربه العاملين معه في مكتبه، ولله في خلقه شؤون..