أعلن العشرات من متظاهري الموصل، اليوم تأييدهم لرئيس الحكومة نوري المالكي، ورفضهم إلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب، وذلك في ساحة الاحتفالات بالمدينة، وسط اجراءات أمنية مشددة تسببت بقطع الطرق وأثارت استياء الأهالي وطلاب الجامعة، وفي حين واصل المناهضون للحكومة اعتصامهم بالجانب الآخر من المدينة اعتصامهم لليوم الـ18 احتجاجاً على سياسات الحكومة، اعتبروا أن التظاهرات المؤيدة للحكومة “مدفوعة الثمن” ومن قاموا بها “دخلاء” على المدينة.
وتجمع ما يقارب الـ50 متظاهراً في ساحة الاحتفالات، شرقي الموصل، (405 كم شمال العاصمة بغداد)، بحماية القوات الأمنية، مرددين شعارات مؤيدة لرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، رافضين إلغاء قوانين المساءلة والعدالة و”عودة البعثيين” فضلاً عن عدم موافقتهم على إلغاء المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، كما يطالب المتظاهرون في المدينة وعدد آخر من المحافظات.
وقال أبو تحسين، وهو من بين المشاركين في التظاهرة المؤيدة للمالكي، في حديث إلى (المدى برس)، إن “المتظاهرين خرجوا اليوم، لتأييد رئيس الحكومة ورفض الطائفية والعنصرية ومحاولة بعض السياسيين إثارة الفتنة وتقسيم العراق”، مضيفا “نحن نرفض إلغاء قوانين المساءلة والعدالة وإطلاق سراح المجرمين ومن تلطخت أيديهم بدماء العراقيين لأننا مع عراق واحد”.
وطالب أبو تحسين، بضرورة “حل مجلس النواب لأنه يعرقل أعمال الحكومة ويشجع على العصيان ومخالفة القوانين”.
وحمل المتظاهرون صورة كبيرة للمالكي، واعتلوا منصة للاحتفالات كانت مخصصة لإقامة الاحتفالات زمن النظام السابق، وحملواً أيضا الأعلام العراقية ورددوا هتافات “نعم نعم للمالكي”، وظهر مجموعة من الشباب وهم يغطون وجوهم بلثام، في حين شدد الجيش العراقي من إجراءاته لحماية المتظاهرين، وسهل دخول الصحافيين الذين قال بعضهم انهم “لم يتعودوا على مثل تلك المعاملة خلال محاولاتهم تغطية التظاهرات المعارضة للحكومة.
وقال مصور قناة بغداد الفضائية، ياسر عزيز، في حديث إلى (المدى برس)، إن “القوات الأمنية كانت تضطرنا للانتظار طويلاً قبل أن ترد على طلباتنا لتغطية أي نشاط في الموصل وكانت تمنعنا من ذلك في العديد من المناسبات”، مستدركاً “لكنها اليوم تعاملت معنا بصورة مغايرة وكانت متعاونة معنا تماماً”.
وقامت القوات الأمنية بإغلاق الشوارع الرئيسة في ساحة الاحتفالات والقريبة من جامعة الموصل، شرقي المدينة، بوجه المارة مما اضطر المئات من طلبة الجامعة الى أن يسلكوا طريقهم مشياً على الأقدام.
وقال الطالب في كلية الإدارة والاقتصاد، طه ذنون، في حديث إلى (المدى برس)، إن “الطلبة اضطروا للمشي ساعة كاملة للوصول إلى دورهم في الجهة المقابلة”، وتابع “لا يعقل أن يعذب الآلاف من طلبة جامعة الموصل بالمشي مسافات طويلة قبل الوصول إلى منازلهم لا لشيء سوى أن بضعة عشرات ينوون التظاهر تأييداً للحكومة”.
بالمقابل وفي الجانب الآخر من المدينة، حيث الساحل الأيمن، مكان الاعتصام في ساحة الأحرار، وسط الموصل، تبدو الصورة مغايرة تماماً، وفقا لشهود عيان، سواء على صعيد التعامل الأمني، أم عدد المتظاهرين، أم المكان التسهيلات اللوجستية، حيث دخلت الاعتصامات والاحتجاجات يومها الثامن عشر، وجدد الآلاف من المشاركين مطالباتهم بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات وإلغاء المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب وقوانين المساءلة والعدالة وانسحاب الجيش والشرطة الاتحادية من المدينة، من بين مطالب أخرى.
الكاسب أحمد دخيل، من بين المتظاهرين المعتصمين في ساحة الأحرار، قال إن “المعتصمين مستمرون حتى الاستجابة لمطالبهم ولن يتراجعون عنها”، مضيفاً أنها “تعبر عن عزتنا وشرف أخواتنا المعتقلات”. ووصف دخيل، من خرج في التظاهرات المؤيدة للحكومة، بأنهم “غير معروفين ودخلاء على المدينة”، مؤكداً أنها “تظاهرات مدفوعة الثمن”.
يذكر أن قوات الجيش التابعة لقيادة عمليات نينوى، عمدت إلى إغلاق ساحة الأحرار في الموصل، مراراً خلال الأيام الماضية، لمنع المتظاهرين من دخولها، مشترطة حصول المتظاهرين على موافقة وزارة الداخلية الاتحادية “حصراً” وليس المحافظة أو مجلس المحافظة، في حين اطلقت النار في الهواء لتفريق احدى التظاهرات في الساحة.
ونظمت محافظات الوسط والجنوب، بالاضافة الى نينوى، على مدى الأسبوع الماضي، عددا من التظاهرات التي أيدت رئيس الحكومة وأبدت تمسكها بالقوانين الرادعة لحزب البعث والإرهاب وكان أخرها تظاهرة أمس السبت التي شكلت في ساحة التحرير وسط بغداد، وذلك ردا على التظاهرات التي خرجت في المناطق “السنية” ضد سياسة الحكومة، وشهدت النجف أمس الجمعة تظاهرة دعا إليها المحافظ عدنان الزرفي وشارك فيها المئات رافعين صور المرجع السيستاني، تأييدا لرئيس الحكومة نوري المالكي وتنديدا بالطائفية والدعوات التي اطلقها المتظاهرون لإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب وبعض مسؤولي القائمة العراقية وتحذيرا لمتظاهري الأنبار من تسييس مطالبهم، كما تظاهر نحو 40 شخصا قادهم أمين عام كتلة أبناء العراق الغيارى عباس المحمداوي في ساحة التحرير وسط بغداد تأييدا لرئيس الحكومة نوري المالكي وأطلقت فيها شعارات مشابهة.
وتشهد محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك وديالى ومنطقة الأعظمية في العاصمة بغداد، منذ الـ21 من كانون الأول 2012 المنصرم، تظاهرات يشارك فيها عشرات الآلاف على خلفية اعتقال عناصر من حماية وزير المالية القيادي في القائمة العراقية رافع العيساوي، للتنديد بسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي، والمطالبة بوقف الانتهاكات ضد المعتقلين والمعتقلات، وإطلاق سراحهم، وإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب، وتشريع قانون العفو العام، وتعديل مسار العملية السياسية وإنهاء سياسة الإقصاء والتهميش وتحقيق التوازن في مؤسسات الدولة.
وعلى الرغم من أن الاعتصامات التي تشهدها تلك المحافظات وغيرها من المناطق، جاءت كرد مباشر على عملية اعتقال عناصر حماية وزير المالية القيادي في العراقية رافع العيساوي، في الـ(20 من كانون الأول 2012) المنصرم، فإن أهالي تلك المحافظات كانوا وعلى مدى السنوات الماضية قد تظاهروا في العديد من المناسبات ضد سياسة الحكومة الحالية وإجراءاتها بحقهم، وأهمها التهميش والإقصاء والاعتقالات العشوائية والتعذيب في السجون وإجراءات المساءلة والعدالة وهي نفسها المطالب التي يرفعونها اليوم.
وبحسب المراقبين فإن ما يجري اليوم في العراق يعد واحدة من “أخطر وأوسع” الأزمات التي مرت به منذ سقوط النظام السابق سنة (2003)، إلى جانب الأزمة المزمنة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وأبدت الأمم المتحدة اليوم عبر ممثلها في العراق، مارتن كوبلر، قلقها من استمرار الأزمة في البلاد ودعت الحكومة على عدم التعامل بقوة من التظاهرات مؤكدة حق المواطنين في التعبير عن مطالبهم وحقوقهم بطريقة سلمية.
وفي خطوة ذات دلالة، قرر مجلس الوزراء في جلسته الأولى للعام (2013) الحالي، التي عقدها الثلاثاء (8 كانون الثاني 2013)، تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، وعضوية وزراء العدل والدفاع وحقوق الإنسان والبلديات والأشغال العامة والموارد المائية والدولة لشؤون مجلس النواب والأمين العام لمجلس الوزراء ووكيل وزارة الداخلية، تتولى تسلم الطلبات المشروعة من المتظاهرين مباشرة من خلال وفود تمثلهم وترفع توصياتها إلى مجلس الوزراء.
إلا أن الكثير من المراقبين عبروا عن خشيتهم من أن هذه اللجنة لن تسهم بأي حلول للأزمة خصوصا وأن رئيس الحكومة أعلن عقب تشكيل اللجنة أنها لن تتسلم المطالب غير الدستورية ولن تتعامل معها أبدا، موضحا أن مطالب المتظاهرين بإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب تتعارض مع الدستور وتفتح الطريق أمام البعثيين والإرهابيين.. في حين يؤكد المتظاهرون أن هذين المطلبين من أهم مطالبهم ولا يمكن التخلي عنها وهو ما سيؤدي بحسب المراقبين إلى زيادة الوضع تفجرا خصوصا وأن العامل الإقليمي بات يساعد بشكل كبير على توفير أجواء ملائمة لذلك.