يقول العلماء ان سبب بكاء الوليد حال خروجه من بطن امه هو تغير الجو، ونمط الحياة عليه، أي بعد ان كان معتمدا كليا على امه بالطعام، والتنفس، والنمو من خلال مشيمة، وحبل سري هيأها الباري عز وجل له كي تكون له حلقة اتصال بالعالم الخارجي.
يأتي للحياة، ليس له دخل فيها، عائلته الكبيرة؛ هي من تختار الاب والام، لتعاني تلكم العائلة ظروفا خاصة حتى يأتي الوليد، قد تكون ولادته صعبة، او قاسية على الام، حيث يمتزج الخوف والفرح سوية، خوفا على سلامة الام ووليدها، وفرحا بقادمهم المنتظر، وفرعا جديدا لشجرة العائلة، ولا يعلمون ان ذاك ماذا يخبأ القدر له.
قد تتشابه سيناريوهات كثيرة مع رحلة الولادة البيولوجية، قد تكون دورة حياة الطالب العراقي أكبر مصداقا او مطابقة لتلك القصة.
يدخل الطالب للمدرسة تحت انظار ثلاثة عوائل مهتمة بذلك فعائلة الاب وعائلة الام والعائلة الفرعية الصغيرة المعنية بذلك، يتدرج تحت انظار جميع من يهتم به، بعد اثنا عشر عاما من المعاناة يدخل الابن الجامعة، او الكلية، وهو غير راغب بها، او قد تكون غير ملبية لطموحاته الشخصية، او حتى تكوينه الفسيولوجي، كما دخوله الحياة، واختيار امه وابوه او حتى اسمه، او ديانته وغيرها، وكأنه يغتصب من قبل أنظمة، وقوانين وضعية وضعت من أناس ليس لهم خبرة، او قد تكون لهم مأرب اخر لا يعلمها الا هم، وخضر موسى عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام.
منهم من يتعايش مع الامر، ويسلم امره الى رب حنون لا ظلوم كعباده، ليعيش أربع سنوات من الاحلام، والآمال المستقبلية، والمتعة بالحياة الجامعية، رغم التعب، والالم، والسهر، حتى تحين ساعة الولادة القيصرية الثانية، التي قد تفوق صعوبتها وآلامها، ولادته الأولى.
ما ان يحين شهري اذار، ونيسان من كل عام، حتى تدق طبول التخرج، لتجد الطلاب في حيص بيص، منهم من يزين الكلية، ومنهم من يأخذ على عاتقه إقامة حفلة التخرج والوداع، ومنهم من يهيأ الأجواء لالتقاط صور تذكارية عسى ان تنفعهم حين تضيق نفسياتهم (إذا ضاق خلقك تذكر أيام عرسك)، وكأنهم في تحضير لحفلات زفافهم فرحين مبتهجين بالتخرج، متأسفين على فراق زملاء جمعتهم الصدفة، ورغبات أناس ظلموهم، التي قد تدور بهم دوائر الدنيا اللعينة ولن يروهم للأبد.
بعد الاعتماد الكلي تقريبا لمدة ستة عشر سنة على الاهل، في توفير كل ما يحتاجه الطالب، وبعد فرح التخرج، والآمال التي يحملها الطالب بعد التخرج، املا تطبيقها علَه ان يوفي بعض افضال الدولة وعائلته عليه، ليصدم بواقع مرير مما يجبره على ترك الشهادة ،والطموح والآمال وغيرها من الإيجابيات جانبا، ويبدأ رحلة البحث عن عملا لدى من هو اقل منه شهادة او شأنا ( مع احترامي الكبير للمقامات لكني أتكلم علميا)، قد يحمل شهادة الهندسة المدني بدل من يعمل كمهندس يكون مصيره عامل بناء او عامل في عربة لبيع الفلافل وهو درس علوم الحياة والكيمياء، او حمالا في الشورجة وهومتخرج من الجامعة التكنلوجية،( مع احترامي للمهن واصحابها) لكن هذا كلامي له استثناءات طبعا، لان من ينتمي للأحزاب، او له القدرة على دفع 80 ورقة أمريكية فما فوق لهم أولوية التعيين لدى دكاكين الأحزاب الاقتصادية.