(الحَلَقَةُ الثَانيّةُ)
في الحلقة الأُولى من هذا المقال قَدَّمتُ فيه، التهيئة الأمريكية المُسبقة لاحتلال العراق، تحت ذريعة تعاون نظام صدام مع تنظيم القاعدة، و نزع اسلحة الدمار الشامل من يدّْ النظام البائد.
لكن كانت الحقيقة غير ذلك تماماً، فأَمريكا خطَّطت مُسبقاً لاحتلال العراق و تدميره، بشكل متعمّد و مقصود، بناءً لمتطلبات مصالحها الاستراتيجية، في المنطقة و العالم. و على هذا الأساس، يجبُ مقاضاة أمريكا و تحالفها دولياً، على هذه الجريمة البشعة، التي تفوق في دمارها، قصف مدينتي هيروشيما و ناكازاكي اليابانيتيّن، بالقنابل الذرية. و يمكن اجمال ابرز الجرائم التي ارتكبتها امريكا و حلفائها في العراق.
تَدمير البُنى التَّحتية للعراق بنسبة كبيرة جداً.
نَهب ثروات البلد من قبل قوّات الاحتلال الامريكي.
شجع الاحتلال الامريكي، الجهلة من العراقيين (الحواسم)، على سرقة ممتلكات الدَّولة، و حرق و تدمير الكثير جداً من الدوائر الحكوميَّة، التي تحتوي على سجلات، تَحفَظ حقوق ابناء الشَّعب العراقي، وجرّاء ذلك؛ ضاعت حقوق الكثير جداُ من المواطنين العراقيين.
نَهَبَ الامريكان، كمٌّ هائلٌ من النفائس الأَثريَّة العراقيَّة، التي يعود تاريخ بعضها لأَربعة الآف سنة مَضَتّْ. كما تمَّ احراق عدد كبير من المكتبات، و من اهمها مكتبة بيت الحكمة ببغداد، التي تضم خزاناتها، اقدم المخطوطات التاريخية. كما قامت قوات الاحتلال، بسرقة الأرشيف الخاص بيهود العراق.
سَلَّم الامريكان حُكم العراق، لمجموعات اغلبها كان متعاوناً معها سلفاً، و ربطهم بإِمرة (بول برايمر)، و إِشراف المُنَسِّق الأَمريكي (زلماي خليل زاده)، و كانت الادارة الأمريكية قدّ تفاهمت معهم، في مؤتمر لندن المشؤوم، الذي انعقد في فندق (ميتروبوليتان)، للفترة من 14 – 17 كانون الأول 2002.
بموجب البرامج السياسية الأمريكية المدروسة، التي أَعدَّتها أمريكا مسبقاً و بشكل دقيق، و التي نتج من تطبيفها في العراق بعد الاحتلال، قيام نظام سياسي طائفي هشّ، و طبقة سياسية فاسدة و غير كفوءة، وصلت الى الحكم، عن طريق قوانين انتخابية، ظاهرها عادل و باطنها جائر.
جعلت امريكا من العراق، ساحة لتجمع الارهابيين من جميع اطراف العالم، و هذا ما صرح به علناً الرئيس الامريكي جورج بوش الابن.
و النتيجة النهائية من المؤامرة التي بدأها الانكليز، باسقاط حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي يُجمع عليه العراقيون، بأنه الزعيم الوطني الوحيد، الذي حكم العراق للفترة من 1958 – 1963، و من المؤامرة الأمريكية لاحتلال العراق، في 9 نيسان 2003، تتلخص في نقطتين هما:-
الأولى : وضع ثروات العراق النفطية، تحت سيطرة الرأسمالية العالمية، بقيادة أمريكا. و جعله سوقاً استهلاكية للانتاج الأمريكي و الأوربي.
الثانية: الاستفادة القصوى من الموقع الجيوسياسي للعراق، للوقوف بوجه تمدد المحور (الروسي الايراني)، الذي بدأ دوره ينشط بشكل واضح، بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانيّة في عام 1988.
أَقول :–
1. ينبغي أن تنبري رئاسة الادعاء العام العراقي، مع النُّخب العراقية الوطنية الغيورة، من ذوي الاختصاص القانوني، و نقابة المحامين العراقيين، و الكفاءآت القانونية في منظمات المجتمع المدني غير المُسيَّسة، بتأسيس منظمة حقوقية عراقية، تقوم باعداد لائحة اتهام قضائية، تدرج فيها الخسائر التي لحقت بالعراقيين، افراداً و جماعات. تجرَّم فيها الاحتلال الامريكي للعراق، و تطالب المنظمات العالمية المدافعة عن الحقوق، و في مقدمها محكمة العدل الدوليّة، لتعويض العراق عن كل ما لحق به من دمار و خسائر، و على المستويين العام و الخاص، جرّاء الاحتلال الامريكي للعراق.
و يجب ان يتذكر الجميع، أن هناك جرائم الحَقت الضَّرر بدول معيَّنة (منها أمريكا)، و قدّ تمَّ مقاضاة الفاعلين دولياً، و فرضت على الدول التي حركتهم، تعويضات مالية، بسبب الاضرار التي سببها المعتدون. و على سبيل المثال لا الحصر، حادثة (لوكربي عام 1988)، حيث جَرّمَ مجلس الأمن الدولي، نظام القذافي و تمت ادانته قضائياً، و اجبروه على دفع تعويضات مالية، لذوي الضحايا وصلت الى 2.8 مليار دولار.
و حدث الأمر نفسه، عند احتلال نظام صدام المقبور للكويت عام 1990، ففرضت العقوبات الاقتصادية، و التعويضات الماليّة على العراق. هذه القرائن و غيرها تُمهّْد الطريق، امام المخلصين من ابناء العراق، للبدء باطلاق مشروع قانوني، يطالب بتعويض خسائر العراق، جزّاء الاحتلال الامريكي لأَراضيه. و أُكرر أَنَّ الاحتلال الأمريكي للعراق، لم يكن تحت أي غطاء قانوني دولي أَبداً.
2. على الاعلام العراقي الوطني، ان يُسلّط الأَضواء بكل جرأة و مصداقية، لاظهار الحقائق المتعلقة بالاضرار، التي لَحقَت بممتلكات الشعب العراقي، نتيجة للاحتلال الأمريكي للعراق.
3. على القوى الوطنية الجماهيرية، أَنّْ تُشَكّل عامل ضغط شعبي، من خلال حشّد الجماهير العراقية للتظاهر السلمي، للمطالبة بحقها الطبيعي، و ما لَحِقَ بالشعب العراقي عموماً، من اضرار كبيرة جداً، على مستوى الفرد و مؤسسات الدَّولة، نتيجة الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق.
لقد نجحت أمريكا في اشاعة ثقافة احتقار الوطن، و تدمير قِيَم المواطنة الصالحة، داخل نفسية الكثير جداً من العراقيين، بسبب برنامجها السياسي التخريبي، الذي طبقته في العراق، و الذي سبب حالة من الاحباط النفسي، و اليأس المعنوي، عند تلك الشرائح الاجتماعية.
من المؤلم حقاً، ان يطلق الساسة السلطويون، على يوم 9 نيسان من كل عام، عنوان يوم تحرير العراق. ان هذا اليوم المشؤوم، يعتبر فاجعة للعراق و شعبه لسببين؛
الأَول:
هروب الرئيس القائد الضرورة (صدام) المقبور من بغداد، و اختبائه كالجرذ المذعور في جحر من جحور منطقة العوجة، بعدما ملأ الدنيا صراخاً، بالشعارات الوطنية المزيفة، و ترك العراقيين ليواجهوا مصيرهم البائس.
الثاني:
ان يوم 9 نيسان 2003، يشابه يوم 11 آذار 1917، عندما دخلت القوات البريطانية بغداد، بقيادة الجنرال (مود)، و فرضت بريطانيا احتلالها للعراق. إِنَّ الفارق الوحيد بين اليومين، هو اختلاف تسمية المحتل، من البريطاني الى الأمريكي.
فعلى جميع العراقيين يجب أَنّْ يعرفوا، بأَنَّ العراق سيبقى بلداً متخلفاً، ينتهبه السرّاق و الفاسدون، الذين قذفت بهم امواج الاحتلال الامريكي للعراق، ليصبحوا قيّمين على مصالح الوطن و الشعب، زوراً و بهتاناً، ما لم ينهض ابناء العراق الشرفاء، نهضة رجل واحد، لتغيير بوصلة الواقع العراقي البائس، و توجيهها باتجاه المسار الصحيح. و الله تعالى وليُّ التوفيق.