نحو عشر سنوات مضت، ولم افهم حتى اللحظة، كيف يذرف الجندي العراقي المرابط في السيطرات الأمنية ، في أقسى درجات حرارة الصيف، وأبردها في الشتاء، ساعات طويلة في الانتظار والمراقبة بلا جدوى، وبلا أن يعلم حتى لما هو باق هنا؟، ومن هو عدوه الأول؟، مادامت التفجيرات تدوي قريبا وبعيدا عنه، وهو لا يعرف عنها شيئا مثلما في كل مرة، وصدقوني سألتهم أكثر من مرة، بحكم هويتي الصحفية وبحكم كوني مواطنة عراقية أعيش كحال عراقيين كثر، يعانون مرارة وثقل تلك السيطرات التي تخرجنا من طورنا وتشتلنا في الطرقات وتفتش جيوبنا وحقائبنا ودهاليز سياراتنا، ونحن نرضخ صاغرين دائما مادامت لأجل أمننا وسلامتنا، سألتهم ..لما انتم هنا والإرهاب يفتك بنا كل يوم؟ لما انتم هنا تعطلون حياتنا فيما الموت يدخل بيوتنا ويقتل الآمنين بوقت واحد؟ لما تقتلون ساعاتنا انتظاراً وتشلون شوارعنا تقطيعاً، والموت يسرح بحرية، يداهمنا ساعة يريد كأنه خلق من حديد وخلقتم من رماد؟ لكن لم اتلق جواباً شافياً ..
صدقوني ضحكت، عندما سألني احد رجال الامن وفي أكثر من مناسبة، هل تحملين السلاح؟.. هل يمكن بربكم ان نسأل الإرهابي الذي لديه سلاح فعلا هذا السؤال؟ ونتركه يمضي بمجرد انه اومئ برأسه بالنفي؟؟ وقبلها هل اكتفينا بتوتر جهاز كشف المتفجرات بعد ان فاحت فضيحته وهو يعجز عن كشف رصاصة يحملها ارهابي في جيبه، فيما يطالبنا رجل الامن بالتخلي عن زجاجة العطر او حتى حشوة السن قبل ان تزعج جهازه العتيد؟
المشكلة التي يعرفها الجميع، هو ان الاسبوع الذي سبق تفجيرات الأحد، الماضي، كانت من أقسى الأسابيع التفتيشية التي مرت بنا، ومنذ أكثر من عشر سنوات من الارهاب المرابط بنا، تحسباً من تظاهرات قادمة من المحافظات الغربية، كل اجهزة الامن وفرق الجيش والقوات الخاصة، احتلت شوارع بغداد، وتفننت في اغلاق مداخل المدن ومخارجها، وحولتها الى ثكنة عسكرية، كانها تدق طبول الحرب، لزم فيها الناس بيوتهم، وحرص آخرون على حمل بطاقات تؤيد سكنه، فيما هرع غيرهم لاجل استحصالها من المجالس البلدية، بعد ان رفضت السيطرات الاعتراف بنا كسكان أصليين مالم نبرز بطاقاتنا السكنية.. وايضا قبلنا صاغرين، لاجل حفظ الامن والنظام، مع تهديدات تحيطنا بالخطر المحدق بنا، لكن ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة سادتي ان (11) تفجير يحصل في زمن متقارب في صبيحة اول ايام الدوام الرسمي للاسبوع الذي تلا اسبوع عسكرة البلاد، ليحصد ارواح أكثر من 28 عراقياً مدنياً وأصابة 124 اخرين، ، مناطق الحسينية والسيدية والحبيبية والكرادة وشارع فلسطين والصدر والامين والمعامل والكمالية في العاصمة بغداد، شيعت مواطنيها الابرياء سواء الذين حملوا بطاقات سكنهم او لم يحملوها، الذين صدقوا بخطة حماية امن البلاد او لم يصدقوها.. والمصيبة انه حتى اليوم، مازال الجندي المرابط في السيطرات الأمنية لا يعرف من عدوه؟ ولا يعرف المواطن العراقي ايضا من المسؤول عن حمايته، ومن يتحمل رخص دمه وقد صار قربان لشبح إرهاب يترصدنا كل يوم ويتجول في بيوتنا وبين أسرتنا بحرية، والدولة بكل عساكرها وسيطراتها عجزت عن ملاحقته، او حتى تقديم جواب شاف لبعض اسئلتنا…لله درك ياعراق