في الواقع ما تقول في طفلة: روحها أطهر من ماء السماء، وقلبها أصفى من المرآة، وتمتاز بنصيب وافر من الوعي والإدراك، تفتح عينها في وجوه أُسرتها الذين هم أشرف خلق الله، وأطهر الكائنات، وتنمو وتكبر وتدرج تحت رعاية والدٍ لا يشبه آباء العالَم، وفي حجر والدةٍ فاقت بنات حوّاء شرفاً وفضلاً وعظمة؟!!
وإذا تحدّثنا عن حياتها على ضوء علم التربية، فهناك يجفّ القلم، ويتوقّف عن الكتابة، لأنّ البحث عن حياتها التربوية يعتبر بحثاً عن الكنز الدفين الذي لا يعرف له كمّ ولا كف.
ولكنّ الثابت القطعي أنّها تربية نموذجية، وحيدة وفريدة.
وإذا نظرنا إلى هذه الحقيقة من زاوية علم النفس، فإنّ الأُمّ تعتبر ينبوعاً للعاطفة والحنان، والبنت ـ بطبعها وطبيعتها ـ متعطّشة إلى العاطفة، فهي تجد ضالّتها المنشودة عند أُمّها، فلا عجب إذا اندفعت نحو أُمّها، وانسجمت معها روحاً وقلباً وقالباً.
والسيّدة زينب الكبرى كانت مغمورة بعواطف أُمّها الحانية العطوفة، وقد حلّت في أوسع مكان من قلب أُمّ كانت أكثر أُمّهات العالم حناناً ورأفة وشفقة بأطفالها.
والسيّدة زينب الكبرى تعرف الجوانب الكثيرة من آيات عظمة أُمّها سيّدة نساء العالمين وحبيبة رسول الله وقرّة عينه وثمرة فؤاده، وروحه التي بين جنبيه، صلّى الله عليه وآله.
من النزعات الفذّة التي تسلّحت بها مفخرة الإسلام وسيّدة النساء زينب عليها السلام هي الصبر على نوائب الدنيا وفجائع الأيّام، فقد تواكبت عليها الكوارث منذ فجر الصبا، فرزئت بجدّها الرسول صلّى الله عليه وآله الذي كان يحدب عليها، ويفيض عليها بحنانه وعطفه، وشاهدت الأحداث الرهيبة المروّعة التي دهمت أباها وأُمّها بعد وفاة جدّها، فقد أُقصي أبوها عن مركزه الذي أقامه فيه النبي صلّى الله عليه وآله، وأجمع القوم على هضم أُمّها حتّى توفّيت وهي في روعة الشباب وغضارة العمر
ومن خلال ذلك كان انصار المحقق الاستاذ الصرخي لهم الدور الكبير في احياء الذكرى الاليمة لمولاتنا زينب (عليها السلام ) وهذه الكلمات الرائعة التي تنحني خجلاَ لانها لم تعطي الصورة الواقعية لتلك المصائب , لكن طور الشور والبندرية قد اسمع صوت حزنها وألمها الذي عانته من ويلات والم وحرقة وغربة , وهذا كلام انصار الحق جاء فيه :
((باتت عبرات الشجى وألم الحرقة من أعداء آل محمد في صدر العقيلة لما جرى عليها من ضيم وسلب حقوق وشماتة العدو حتى وافاها الأجل سلام الله عليها. ولكن لم تخنع ولم تسكت عن حقها المسلوب ومنزلتها التي يجب أن تكون بها فقد صاحت بهم بصوتها القوي الحزين الذي زَرَعَ الخوف والبكاء في مجلس الحاضرين آنذاك وهي تقول:
((..الحمد للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله كذلك يقول: ثُمّ كانَ عاقبةَ الذينَ أساؤوا السُّوأى أنْ كَذَّبوا بآياتِ اللهِ وكانُوا بها يَستهزِئُون . أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة ؟! وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده! فشَمَختَ بأنفِك، ونظرتَ في عِطفِك، جَذلانَ مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مُستَوسِقة، والأمورَ مُتَّسِقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا. مهلاً مهلا! أنَسِيتَ قول الله تعالى: ولا يَحسَبنَّ الذين كفروا أنّما نُملي لَهُم خيرٌ لأنفسِهِم، إنّما نُملي لَهُم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين ؟! أمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرُك حَرائرَكَ وإماءَك وسَوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هُتِكت سُتورُهنّ، وأُبدِيت وجوهُهنّ ؟! تَحْدُو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهنّ أهلُ المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوهَهنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف! ليس معهنّ مِن رجالهنّ وَليّ، ولا مِن حُماتِهنّ حَمِيّ، وكيف يُرتجى مراقبةُ مَن لفَظَ فُوهُ أكبادَ الأزكياء، ونَبَت لحمه بدماء الشهداء ؟! وكيف يستبطئ في بُغضنا أهلَ البيت مَن نظرَ إلينا بالشَّنَف والشَّنآن، والإحَن والأضغان ؟! ثمّ تقول غيرَ متأثّم.. ولا مُستعظِم…))
من هذا الكلام نستلهم صبرالسيدة الجليلة الحوراء عليها السلام وقوة عزيمتها وعدم انكسارها أمام أعدائها والكلام الذي تطرحه كأنه نبال وسهام في صدور الأعداء الطغاة.
http://cutt.us/xcVy
كان للسيدة زينب دور أساسي رئيسي في هذه الثورة العظيمة ، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، ومَن يقرأ أحداث كربلاء ويقلّب صفحات كتابها ، يرى السيدة زينب (ع) إلى جانب الحسين في أغلب الفصول والمواقف ، بل إنّها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد الإمام الحسين وأكملتْ حَلَقَاتها ، ولولا كربلاء لَمَا بلغتْ شخصية السيدة زينب هذه القمّة من السموّ والتألّق والخلود ، ولولا السيدة زينب لَمَا حقّقتْ كربلاء أهدافها ومعطياتها