استجاب الله سُبحانه وتعالى لدعواتي طيله فتره غربتي بأن لايحرمنى من لقاء اهلى واصدقائي وان أُمتع نظري برؤيتهم واطفاء نار الشوق لهم ، وبعد ١٤ عام بعمر الزمن لكنها كل يوم بعيداً عنهم وعن وطني بحسابات المحبه ودقات ونبض القلوب بعمر كامل .
عند لحظه اقلاع الطائره المتجه من مطار شيكاغو الى مطار دبي ، ثم بغداد ، عادت ذاكرتي الى الوراء لأشاهد شريط سينمائي مستعرضاً ايامي الحلوه في بلدي الحبيب مع شعور غريب لايمكن ان يوصف وكأني في طريق الى جنه الارض التي لايحس بها رغم ماأصابها الا من عشقها بكل مافيها ، حلوها ومرها ، وماان حطت الطائره وشعوري بأقتراب موعد اللقاء بكل من قطع الامل في رؤيتي مره اخري احس برهبه خفيه ممزوجه بهواجس تغيير في اطباع الناس ، وتحذيرات كل من زار العراق ، ووصفهم بأوصاف بأن الناس تغيرت طباعهم واخلاقهم ، ولكن للامانه كل هذه الهواجس تبددت ووجدت الطيبه والكرم والاخلاق عند العراقيين الاصلاء هي نفسها التي ورثناها من اباءنا واجدادنا واصحاب المعدن الاصيل لاتتغير طباعهم بتغير الظروف ، وان القله مهما كان عددهم من اصحاب النفوس الضعيفه لايمثلون اهل العراق الاصلاء .
في دبي التي ازورها لاول مره مكثت فيها اسبوع ، وبفضل حكامها وتحديهم للطبيعه الجغرافيه وحسن الاداره والتخطيط الرائع لبناء نهضه عمرانيه واقتصاديه وثقافيه تحولت من ارض صحراويه الى وجه يرتادها الناس من كل بقاع الارض ليستمتعوا بها لما فيها من جمال عمراني جمع نماذج للبناء من كل بلدان العالم فهنالك تشابه لناطحات السحاب كالتي موجود في امريكا وابنيه ومعالم كما لو انك في لندن اوباريس ،،،، فدعوت ان يُديم عليهم هذا الخير وتمنيت لبلدي ان يكون كذلك ولكن كثير من الامنيات تصطدم عند بوابه بغداد التي يحكمها من يسرق خيراتها وينهب شعبها الساكت عن حقه .
غادرت دبي متوجها الى مطار بغداد الدولي وكانت دموعي ممزوجه بفرحي في اول نداء لطاقم الطائره معلناً بوصولنا فوق الاجواء العراقيه ودخولنا المطار وكانت الاجراءات اعتياديه جدا ،
كان لقائي بأهلي مجتمعين في بيت واحد وانتظارهم بشوق لايوصف ، ذكرني بيوم تخرجي من الكليه العسكريه
وفرحتهم برؤيتي وان احمل النجمه الذهبيه التي اهدتها لي
المرحومه امي تغمدها الله برحمته الواسعه ، لقائي بهم بعد هذا الغياب اعاد الروح والاحساس العائلي المفقود طيله فتره غربتي .
في اليوم الثاني من وصولي تجولت في شوارع بغداد الحبيبه ورغم كل مااصابها من حروب وويلات الا انها كانت تضحك بمحلاتها وانوارها واهلها وتواجد الباعه المتجولين اللذين يفترشوا أرصفه الشوارع بحثاً عن لقمه العيش ، تضحك في قلبي وانا اراها مزدحمه في الكراده والمنصور تضحك بمذاق طعامها اللذيذ الذي لايعلى عليه لو بحثت في كل بلدان العالم ، شعب تحدى كل الصعاب ومازال الامل عنواناً له رغم الألم ورغم ان البعض يرى نفق مظلم في ظل من يتحكم بثرواته وخيراته ورغم كل الجوانب الايجابيه الا ان الجوانب السلبيه تكاد تُغطي على الكثير من الفرحه والبهجه في عيون وقلوب اهلها ، ولكي لاُتسرق وتُفسد فرحتى، سوف لن اتحدث او اكتب عن الجوانب السلبيه لانها معروفه وجف حبر القلم من كثر ماكتبنا في مقالات سابقه وتأكدنا من خلال رؤيتنا للكثير منها .
عشرون يوماً مرت بسرعه البرق ، ودعت فيها بغداد واهلها بدموع غزيره كمجرى النهر او شلال يتدفق ماءه ولكن هذه الدموع كان نبعها من العين ومستقرها في القلب .
رَحل الجسد عنك يابغداد ثانيه وبقت الروح فيك في رحله جديده اسمها ( الغربه ) لا اعرف هل تطول مدتها ام تقصر ولكن الذي اعرفه انكم دائماً في القلب اهلى واخواني واصدقائي ، بطيبتكم وكرمكم وضيافتكم واوقات ضحكنا فيها معاً زاح هماً مما ولدته قساوه الايام واثارها ،، زرعت ياعراق بذور حبك في القلب والعقل ، ندعو من الله ان يجنبه كل مكروه ويبعد عنه الشر والمفسدين وان نجده مثل مانحلم ونتمنى له ، حما الله العراق واهله .