كان يضحك كلما تذكر ما قلت له , واشاهده حينما كان يتخيل اجابتي عن سؤاله , فهل حقا ان الانسان يصل لمرحلة الشخبطة , وانه يبدأ باعادة الترجمة بكتابة كلمات معكوسة . كنت استنتج عبر تخيلاته بأن مفردة انسان قريبة جدا حد الالتصاق لمفردة نسيان , لكن , براحةٍ عفوية , وليست شخبطة . والولع الذي شده بادوات الحضارة في امتلاء ذاكرة الهاتف , وبطاقة الذاكرة , وسعة تلك الادوات قد قاده للسؤال : لو امتلأت ذاكرة الانسان ما سيحصل؟ , ولو ان ذاكرته تلك لا تسمح بمسح بيانات قديمة , واستحداث احداث جديدة فيها , فما الذي سيكون ؟ . قلت له : سيبدأ بالشخبطة , الانسان لو امتلأت ذاكرته سيخبط , ويتصور انه تحول بقدرته العجيبة الى زمن غير زمنه , وبعمر لم تعد السنين تحتسب فيه , سيبدأ بالانتقال في آلة زمنه الى اوقاته الجميلة , والى احداث ود لو انها لم تحصل حينها ,ليشرع في تحويلها الى احداث افضل وكأنه القدر الذي نزع القسوة وارتدى ثياب الازمنة الجميلة والاحداث الرائعة التي لن تكون ذكريات مؤلمة . فقال لي : فما لو تعطبت ذاكرته تماما , فما سيكون , وما سيحصل ؟؟ . قلت له : ذاكرة الانسان المعطوبة لا تولد غير الحرب , لان الحرب كان لها ان تحصل مرة واحدة في حياة الانسان , مرة واحدة تكفي ان ان تحذف البشرية مصطلحها , وتهدم كل مصانع السلاح , و توضع لافتة كبيرة تغطي كل السماء مكتوبا عليها : بسببنا نحن بنو البشر , حصلت حرب بيوم ما , ومات فيها الكثير لاجل لا شيء , ومنذ ذلك الوقت والى الابد , لن تحدث حرب بين الانسان والانسان . لكن ذلك لم يحدث ابدا , فالعطب الذي اصاب ذاكرة البشرية الغى خيارات كثيرة , وحذف تطبيقات الخير فحلت محلها تطبيقات جديدة للقتال بكل صنوفه , قتال الجوع , وقتال التجارة بالارواح واعضاء الانسان . الانسان المشخبط هو ارفع درجة من الانسان المعطوب الذاكرة , مع انه اصبح مسافرا بين الازمنة وليس مدركا واقعه , وهو الضحية للنوع المعطوب , ذلك الذي امره يا بني لا يُضحِك , لانه صانع المأساة لكل الوجود , وماح ٍلكل حديث جميل قديم او جديد.