ارفع راسك انت عراقي ؛ لا بل ارفعه حتى لا تغرق بالطين ….
هذه نكته بل عينة من أحاديث يتبادلها العراقيون هذه الايام على صفحات التواصل الاجتماعي ” فيسبوك ” ، والتى تسخر مما آل اليه حال العراقيين اليوم ، اذ تغرق احياء كثيرة فى معظم المدن العراقية بمياه الأمطار الراكدة وأوحال الطين ، وخاصة بغداد التي يدعو اهلها بالرحمة للبطن التى انجبت أمين عام العاصمة بغداد السابق “صابر العيساوي” ، وبطول العمر لمن أتي بخليفته الذى لا يحرك ساكنا ، مع انهم يدّعون تزويد احياء العاصمة بشبكة الصرف الصحي المجاري، أنفق من أجل ذلك مليارات الدولارات.
نفس الشيء فى باقي المدن كالبصرة جنوبا ، و محافظة صلاح الدين التى يبكي أطفالها على شاشات التلفزيون ، من معاناتهم اليومية فى معركة التنقل للمدارس ، والتي هي فى جزء كثير منها مدارس طينية ، والغريب أن هؤلاء البراعم وغم ظروف الدراسة القاسية يأملون ان يصبحوا اطباء ومهندسين وغيرهما ليردوا الجميل لدولتهم ، وأي دولة ” العراق الجديد ” بعد عشرية من تحريره كما يزعم ساسته الجدد ، لا يستطيع بكل ما يملك من نفط ان يؤمن تنقلا بسيطا لاطفاله لطلب العلم .
رأيت الكثير من الصور عن مدينة الصدر وجل أحياء بغداد والبصرة ومدن أخرى ، لكن ابشع ما رايت هم أولئك الاطفال الذين يتسلقون السياج ، وشنطهم الدراسية على ظهورهم وبحر غميق من المياه يحيط بهم ، بل واكثر من ذلك سيارات مغمورة بالمياه تجمع حولها مواطنون بصناراتهم ، علهم يجدون سمكة تستوطن شوارع بغداد بعدما صار الاحتلال مباحا فى العراق من السمك ، ولا يجد المسؤولون القابعون فى المنطقة الخضراء منقذا انجلو -امريكيا ، يحرر لهم شوارع بغداد من المياه والطين المحتلتين!.
حقيقة لا اعرف الى متى سيكتفي الشعب العراقي بالسخرية من الامر على صفحات الفيسبوك ، وعندما يخرج ليتظاهر يكون الامر إما لرفع العلم العراقي القديم وصور أردوغان وصدام والثورة السورية وعلم دولة كوردستان مقلوباً كما فى الأنبار” بتغطية فريدة من قنوات الربيع العربي ” ، او فى الجانب الاخر فى النجف يخرجون للتنديد بالأنبار وضد تصريحات أردوغان ” ان الحكومة العراقية طائفية ” والتنديد بالنائب العلواني الذي وصف الشيعة بالخنازير ، وطبعا تقوم الدنيا ولا تقعد اذا طال الانتقاد مرجعاً شيعيا أو ارهابيا سنياً واحدا ، اذ عندما كانت مدينة الصدر تغرق بالمياه خرج الصدريون بمظاهرة ضد المالكي الذي يعتبروه مس من هيبة قائدهم مقتدى.
عار ما بعده عار وكأن الشارع العراقي غمرته المياه وحوله الطين الى تماثيل ، تتحرك بالريموت كونترول مبرمجة بدقة للرفع من شعبية هذا المسؤول وذاك ، والتحيز لتلك الطائفة او هذه او تلك الدولة …اما استعماله لحل مشاكل المواطن العراقي اليومية فلا ، يكفي النخب والإعلام ان يسخروا منها على الفيسبوك ، أو تارة فى عمود فى جريدة او برنامج متلفز فى كثير منها ، تكون للنيل من ائتلاف فاسد لصالح آخر اكثر فسادا منه .
بحر يغرق فيه العراق ولا منقذ ، وكأن الزمن يقول البحر من ورائكم والعدو من أمامكم وارث المحاصصة باق على رقابكم ، ليغرق مظاهراتكم فى خدمة الاخرين لتتمرجح بين تاييد ثورة” النعاج السنتركية ” ، و تنافس المرجعيات الشيعية فى عملية السادة والسيطرة على الخمس وصناديق الاقتراع لقنص ثمرة المحاصصة ، بينما كان الاولى ان يستثمر ذلك الشارع الجميل البسيط ، من اجل الضغط على الحكومة لتوفير طرقات لائقة لبراعم العراق ، الذين يكفيهم ان ممرا يابسا يوصلهم لمدارسهم .
لو تبرع كل مرجع بذرة من الخمس ، وكل مسؤول بجزء مما يملك ، و كل بلدية بعشر ميزانيتها وووو ، لما بقيت قطرة مياه واحدة فى الشوارع ، ولتم تحويل الطين الى طريق معبد :
،عود ما اوصيكم … انتخبوهم !!!
– كاتبة تونسية في باريس