تشير إحصائيات وزارة التعليم العالي بان اكبر عدد للرسوب هو في المرحلة الجامعية الأولى، رغم ان هذه المشكلة هي ازلية ولكن قد ازدادت في السنوات الاخيرة في ظل غياب الحلول لهذا المشكلة. وقد عزى السيد وزير التعليم العالي ان تزايد أعداد الرسوب في المرحلة الاولى يعود الى أسباب ” الظروف والبعد عن الاهل والاختلاط بين الذكور والإناث ”
نعم سيدي الوزير ماذكره جنابكم قد يكون احد الاسباب ولكن ليس كل الأسباب. بحكم تخصصي ارى ان هناك ثمة أسباب اخرى تقف خلف زيادة اعداد الرسوب في المرحلة الأولى وستبقى تتزايد مالم تعالج. ولكن قبل الدخول في الاسباب لدى بعض التسأولات حول ما قالة السيد الوزير عن اسباب الرسوب. هل جميع طلبة المرحلة الأولى هم بعيدين عن أهاليهم؟ اذا كان الجواب بنعم، فكم هي نسبة الطلبة البعيدين عن أهاليهم؟ هل جميع طلبة المرحلة الأولى يتأثرون بسبب الاختلاط بين الذكور والاناث؟ اذا كان الجواب بنعم ، فكم هي نسبتهم؟ وماهي الدراسات التي اثبتت ذلك؟ هل جميع الجامعات العراقية عانت من ظروف الارهاب والتهجير والقتل ؟ اذا كان الجواب لا، فماذا عن طلبة جامعات بغداد والفرات الاوسط والجنوب؟ اليست هذه جامعات تتمتع بالاستقرار؟ اليس طلبة المراحل الثانية والثالثة والرابعة يعانون من نفس الظروف؟
أما الاسباب التي أومن بانها تساهم في زيادة نسبة الرسوب فيمكن توضيحها فيما ياتي:
١. السبب الاول هو نظام القبول الجامعي المركزي الذي يرغم الطلبة على دراسة تخصصات هم غير راغبين فيها او قد لا تناسب امكانياتهم. ماهي النتيجة من دراسات تخصصات لاتناسب رغبة الطلبة ؟ سيكون هناك إحباط لدى الطلبة وهنا سينتقل الطلبة الى مرحلة “التفريط” في الدراسة وفي النهاية الرسوب. فكم انثى لدينا في كليات العلوم السياسية؟ هل شاهدتم يوما محللة سياسية ( انثى) ظهرت على شاشات التلفزيون؟ لماذا يبحث خريجي كليات الادارة والاقتصاد عن وظائف حكومية في حين يتطلع المجتمع الى ان هؤلاء الخريجين سيساهمون بالنهضة الاقتصادية من خلال افكارهم الريادية ويساهمون في تنمية القطاع الخاص، ولكن ماذا نرى! اليست هذه مؤشرات على عدم تناسب التخصص لامكانيات الطلبة ورغباتهم.
٢. هناك في الجامعات الرصينة برامج وورش عمل مخصصة تسمى orientation ( التوجيه) ومهمتها هو تعريف الطلبة الجدد بالبيئة الجامعية الجديدة والتعليمات والانظمة والقوانيين الجامعية. الطلبة عادة يقضون ١٢ سنه دراسية قي التربية وقد اعتادوا على نفس النظام على مدى ١٢ سنه وعندما ينتقلوا الى الجامعة فانهم يتوقعون نفس النظام لازال قائما، ولكن في الحقيقة الامر مختلف حيث البيئة الجامعية التي تديرها انظمة وتعليمات تختلف عن المدارس. كل هذه البرامج غير متوفرة في جامعاتنا مما يجعل الطلبة الجدد في حيرة من امرهم!
٣. ان الطلبة الداخلين للجامعات هم من جيل ” الألفية” وهو جيل ولد في العام ١٩٨٢ وبعدها. هذا الجيل يختلف عن الاجيال السابقة من حيث التفكير والتعامل مع التكنولوجيا وينظر الى مجموعة القيم والمبادئ بطريقة مختلفة…الخ. للأسف جامعاتنا لازالت تدير جيل الألفية وفقا لأنظمة كلاسيكية وتقليدية انشأت في سبيعينيات وثمانيات القرن الماضي وهي اصلا لا تناسب مستويات تفكير هؤلاء الفئة وتطلعاتهم. اذن لابد من تشريع تعليمات وانظمة تحاكي هذه الفئة ومتغيراتها كما هو الحال في الجامعات الغربية.
٤. الجامعات الرصينه توفر وحدات داعمة لعملية التعليم والتعلم على سبيل المثال مراكز تطوير الكتابة الاكاديمية ومراكز الارشاد والدعم ومراكز تنمية المهارات والأفكار خاصة لطلبة المرحلة الاولى.للاسف كل هذه البرامج مغيبة في جامعاتنا.
٥. هل تعلم ياسيد الوزير ان عدد الطلبة الدارسين في الفرع العلمي في مرحلة الاعدادية تكون نسبتهم ٦٠% بينما نسبة الدارسين في الفرع الادبي نسبتهم ٤٠% ولكن عندما ينتقل الطلبة الى الجامعات تنخفض نسبة الدارسين في التخصصات العلمية لتصبح ٣٠% وتزداد نسبة الدارسين في الدارسين في العلوم التربوية والانسانية الى ٧٠% اي بمعنى ان ٣٠% من اصل ٦٠% في الفرع العلمي في مرحلة الاعدادية قد انتقل لدراسة تخصصات إنسانية وتربوية في الجامعات. اليست هذا عامل اخر مهم للرسوب؟ .
التعليم عملية معقدة وشائكة تتداخل فيها عناصر كثيرة ولكن في النفس الوقت هو ديناميكي متغير لايتسم بالجمود. ان الجامعة هي نظام مفتوح open -system وليست نظام مغلق closed-system لذلك الجامعات عادة ماتغير أهدافها وانظمتها من أجل محاكاة التغيير في البيئة الخارجية لا ان تبقي على أهدافها وانظمتها التي أنشأت في سبعينيات القرن الماضي!