في قراءة موضوعية، و إلى حدٍ ما نجد أن الإسلام لم يعتمد على منطق القوة في إيصال صوته إلى باقي المجتمعات، بل أنه أتخذ من الحوار الفكري البناء وسيلةً للانخراط في صفوفه، ومع ظهور داعش، و تبنيها إيديولوجيات ظاهرها إسلامية، أما جوهرها لا يمت لديننا الحنيف، فدأبهم سفك الدماء، و إرهاب الناس بغض النظر عن انتمائهم الديني، فكلهم في نظر داعش في خانة الكفر، و الإلحاد، و الإشراك، و لا خيار أمامهم سوى الالتحاق في صفوف هذا الفكر الإرهابي المتطرف، وبما أننا نعتقد أن داعش إنما هو تنظيم فكري أكثر مما هو عسكري و هذا ما يفسر لنا اعتماده طريقة التغرير بالعقول و الإطاحة بكل ما تؤمن به من عقائد و قيم و أخلاق فوجد في ضربها و تشويه حقائقها هدفاً له ومما يمهد لنشر عقائده و أفكاره الفاسدة، المهم اليوم نرى أن الإرهاب الداعشي يصول و يجول في اغلب بقاع الأرض فهو في أوربا في آسيا في أفريقيا في كل مكان هنا نسأل كيف يستطيع داعش تنفيذ العمليات التفجيرية ؟ وكيف لا يتم القضاء عليه رغم الترسانة العسكرية الضخمة و كثرة الاتفاقيات الدولية التي توحدت رؤاها في محاربة الإرهاب و القضاء عليه حتى آخر رمق له ؟ ملايين الدولارات رُصدت، آلاف الأرواح زجت في قتاله لكن ماهي النتائج ؟ هل تم القضاء عليه ؟ هل تم استئصاله من جذوره نهائياً ؟ فلنرى الواقع ماذا يقول ؟ بالأمس فرنسا تتعرض لعمل إرهابي ومن قبلها عدة دول أوربية، و كذلك أفريقية، و آسيوية، و خاصة في سوريا، و العراق، فحدث بلا حرج فرغم الانتصارات الرائعة التي حققتها القوات الأمنية العراقية، و كذلك كثرة التحالفات الدولية، و ضخامة ترسانتها العسكرية المتطورة، و دخولها في قلب الحدث، إلا أنها لم تحقق الأهداف المرجوة من تلك التحالفات، فلا زال داعش يضرب المدن المحصنة عسكرياً مما يدلل على أن هذا التنظيم ليس عسكرياً بل أنه فكري، فرغم إبادة الأعداد الكبيرة من أتباعه إلا أنه لا زال يتلقى الدعم البشري من كل حدب و صوب، يُقتل منه مرتزق واحد يأتيه 1000 مرتزق! و هذا ما يؤكد أنه يعتمد أسلوب التغرير الفكري في الناس، فنحن لا نريد أن نقلل من أهمية الحلول العسكرية لكن الطرف المقابل ليس كما يتصوره البعض ولابد من مواجهته بالسلاح، فالاعتماد على السلاح كلياً ليس بالحلول الناجعة بل لابد من طرح أسلوب الحوار الفكري لكي يتم القضاء عليه وكما نوه عنه المعلم الأستاذ الصرخي الحسني بقوله:( فليس عندهم إلّا النفاق، يسلكون كلّ الطرق الشيطانيّة للوصول من أجل النفاق والإيقاع بالناس، لاحظوا تكفير مطلق، فلا توجد نهاية لهذا التكفير، وللمآسي التي يمر بها المجتمع المسلم وغيره إلّا بالقضاء على هذا الفكر التكفيريّ، وما يوجد من حلول – إن سُمّيت حلولًا- فهي عبارة عن ذر الرماد في العيون، وعبارة عن ترقيعات فارغة، ولا جدوى منها إذا لم يُعالج أصل وفكر ومنبع وأساس التكفير، أمّا الحلول العسكريّة والإجراءات الاستخباراتيّة والمواقف الأمنيّة والتحشيدات الطائفيّة والوطنيّة والقطريّة والقوميّة والمذهبيّة والدينيّة فهذه لا تأتي بثمرة إذا لم يُعالج الفكرالتكفيريّ ومنبعه ) . مقتبس من المحاضرة (29) من بحوث التحليل الموضوعي في العقائد و التاريخ الاسمي بتاريخ 28 / 3 / 2017 .