الرئيس جلال الطالباني خرج من دون إرادته من العملية السياسية وسوف لن يعود أليها ، هذا واقع لابد أن يتم التعامل معه بجدية سيما وان وضع العملية السياسية لا تقل خطورة عن الوضع الصحي لطالباني فكلاهما في العناية المركزة ،وعلى كل المتصدين للشأن السياسي إدراك إن المعالجات السطحية وتغطية حقيقية الوضع المتأزم للحكم بالتصريحات النارية أو افتعال الأزمات سوف يزيد من تفاقم الوضع سوءا ويجر البلد إلى الهاوية .
الرهان الذي اقنعوا أنفسهم به السياسيين بان الرئيس كان صمام الأمان وسوقوه إلى الشعب لم يكن مقنعا وعار عن الصحة بل كان محطة استراحة للمتحاربين على السلطة والمال كانوا يلجأون إليه لكسب الوقت وترتيب أوراقهم وخططهم وتحالفاتهم ويستعدوا لجولة أخرى من الصراع الذي حرصت كل الأطراف أن لا يتطور إلى حد الصدام والعبور إلى جبهة الخصم، خروج الرئيس من المعادلة السياسية سوف يؤشر لمرحلة جديدة تداخل فيها الجبهات وتستعرض فيها القوة وتطغي عليها القسوة في تسقيط الأخر، ليس لان الرئيس غاب عن المشهد الكل يعرف بان مؤسسة الرئاسة هي الأضعف بين المؤسسات الدستورية ، ولم يكن لها دور فاعل في تسير أمور الدولة بالرغم من تمتعها بصلاحيات مهمة ، لان الرئيس فضل أن ينأى بمؤسسة الرئاسة عن المؤسسات الأخرى حتى فقدت الكثير من هيبتها ،لكن احتمالية خلو المنصب زاد في الطين بله.
سارت العملية السياسية بلا وعي تترنح من شدة الإعياء الذي ابتليت به نتيجة التخبط والارتجالية وغياب الهدف والخطط التي تهتدي بها ،ويبرهن على ذلك الصدمة التي ضربت القيادات السياسية عند إعلان إصابة الرئيس بالجلطة الدماغية وسط سلسلة من الأزمات الكبيرة والحيرة التي بدأت واضحة على الوجوه ، والتصريحات التي لا تمت بصلة للموضوع للهروب من مواجهة الموقف الذي فرض نفسه على الجميع ، الدعاء بسلامة الرئيس مطلوب ولكن لا يكفي أن تتوقف مؤسسات الدولة عنده، مع الدعاء يتطلب وجود خطة متفق عليها لكي لا تذهب الدولة إلى فراغ رئاسي، صحيح إن الدستور يعالج شغور منصب الرئيس ولكن في ظل أزمة متصاعدة بين الحكومة الاتحادية والإقليم وعدم وجود الثقة بين الكتل السياسية المشاركة في الحكومة ستبتعد كل الأطراف إلى الاحتكام للدستور في إيجاد البديل من خلال الاجتماع على انتخاب رئيس جديد للبلاد من بين أعضاء مجلس النواب خلال مدة ثلاثين يوما ، لا يمكن لمتابع أن يتكهن باتفاق الكتل السياسية على مرشح رئاسي يحظى بقبول الكل ، بعد أن عجزوا طيلة أكثر من نصف عمر الحكومة من الاتفاق على وزراء لوزارتي الدفاع والداخلية ، قد وصلت الكرة إلى ملعب السياسيين أما أن يعيدوا تصحيح الخطأ الذي أوقعوا العراق فيه ويرفسوا المحاصصة الطائفية أو يستمروا في مناكفات عقيمة ويهدفوا في شباكهم ،عليهم اختطاف الفرصة قبل ان تتحرك القوى الخارجية الفاعلة في المشهد العراقي من ترتيب الأوراق وعقد الصفقات التي تكرس مصالحهم على حساب امن واستقرار العراق.