تزامناً مع المعلومات التي تؤكد الانسحاب الفعلي لمسلحي ميلشيا حزب العمال الكردستاني من سنجار العراقية وصولاً إلى الحدود السورية ثم إلى تل بوكا وربيعة، وتسليم المنطقة لميلشيات مسلحة تابعة لبعض القوى العراقية والمنخرطة بحكومة بغداد “،هذا الانسحاب يقال بأنه يأتي بعد تنسيق وتفاهمات واتصالات بين النظام التركي وحكومة بغداد والأمريكان،بعد تهديد الأتراك بغزو سنجار بحجة وجود ميلشيا حزب العمال الكردستاني ،ولكن مجموع هذه الاتصالات وتلك التفاهمات ، لاتخفي حقيقة الأطماع التركية بالشمال العراقي ، فـ اليوم الوجود التركي ببعض مناطق الشمال العراقي بدأ يتحوّل إلى أمر واقع يفرض بالقوة من الجانب التركي، فهذا بمجموعه تتحمّله حكومة بغداد ” التي مازالت للأسف تابعة لأمريكا ” فهذه الحكومة ارتكبت خطأ فادحا عندما صمتت خلال الأشهر الماضية على الانتهاكات التركية بشمال العراق، فكان من الواجب على الحكومة العراقية أن تتخذ قراراً عسكرياً فورياً بالتصدّي للعدوان التركي على الاراضي العراقية الذي كان تحت حجج محاربة حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش، أو على الأقلّ ان تتوجه إلى مجلس الامن والأمم المتحدة لردع الأتراك عن هذا العدوان السافر على الأراضي العراقية…
فـ اليوم هناك احتلال وعدوان تركي مباشر وعلني وانتهاك بري وجوي للأراضي العراقية شمالاً ، وهناك حرب تصريحات شنّها أردوغان وبعض المسؤولين الأتراك بشكل مباشر تهدد باحتلال المزيد من الاراضي العراقية شمالاً، وهنا، لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الاتراك حاولوا وما زالوا يحاولون المسّ بوحدة الجغرافيا والديمغرافيا للدولة العراقية من خلال السعي للسيطرة والنفوذ على مساحات جغرافية من شمال العراق، فالنظام التركي أظهر منذ بداية الحدث العراقي رغبته الجامحة بسقوط شمال العراق خصوصاً والعراق كلّ العراق في أتون الفوضى، وهذا الأمر ينطبق كذلك على أطماع الاتراك بالشمال السوري، فكانت لهم صولات وجولات في هذا السياق، ليس أولها فتح حدودهم بالكامل أمام السلاح والمسلحين العابر والعابرين للقارات من تركيا مروراً بسورية وإلى العراق، وليس آخرها ما جرى من أحداث مؤخراً من غزو للأراضي السورية شمالاً، واجزم هنا انّ الهدف الرئيسي للتدخل التركي هو الاستحواذ والسيطرة على جزء من الجغرافيا السورية – العراقية لتحقيق مطامع اقتصادية وسياسية تركية.
فـ تركيا لم تأت للعراق أو لسورية لمحاربة حزب العمال الكردستاني أو لضرب تنظيم داعش الإرهابي ، وإنما جاءت لغزو العراق بعد ان تيقنت بأنّ مساحة المناورة لها بسورية قد اتسعت لحد ما بشكل كبير وسط صمت روسي وتخبط أمريكي، ولهذا قرّرت التحرك بالعراق لإيجاد هامش واوراق مناورة جديدة لها بالاقليم” مستغلة حالة الاشتباك بين القوى العالمية “، وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الغزو التركي للأراضي العراقية ما كان ليتمّ لولا التوافق والدعم لهذه الخطوة التركية من بعض القوى السياسية العراقية ببغداد واقليم كردستان.
وهنا نقول ، انه من الطبيعي ان يشكل الوجود التركي خطراً كبيراً على مستقبل الدولة العراقية سياسياً وامنياً وجغرافياً وديمغرافياً، وخصوصاً بعد اتضاح حقيقة واهداف التدخل التركي في شمال العراق، وهذا ما يؤكد أنّ الدولة العراقية والجغرافيا السياسية العراقية قد دخلت بمرحلة اشتباك دولي واقليمي جديد، وعلى ضوء نتائج هذا الاشتباك سترسم من جديد بعض ملامح الخارطة السياسية والجغرافية للاقليم والمنطقة العربية ككلّ.
ختاماً، من المؤكد أنّ الاحتلال التركي لبعض الأراضي العراقية شمالاً ، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يخطط له الأتراك من إقامة مناطق نفوذ واسعة لهم بالشمال السوري، فمحاولة وصل منطقة نفوذ تركية تمتدّ من شمال غرب وشمال شرق سورية إلى شمال غرب العراق هو مخطط تركي قديم، ولهذا هم يسعون للاحتفاظ بمنطقة نفوذ جديدة بشمال العراق وبمحيط الموصل بالتحديد لضمان فرض سيطرة تركية ومساحة نفوذ ومناورة تركية جديدة بالإقليم، وهذه الخطوة ستكون لها تداعيات كارثية على أمن المنطقة والاقليم ككلّ.