22 نوفمبر، 2024 9:45 م
Search
Close this search box.

ولاية علي عليه السلام بين التفريط والافراط

ولاية علي عليه السلام بين التفريط والافراط

ان حديث الولاية في غدير خم حديث صحيح، يرويه مسلم في صحيحه، ويروى في معظم صحاح السنة والمساند والمستدركات، وحتى البخاري قد اورده في التاريخ الكبير، فهو حديث صحيح ومتواتر، حيث ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طريق عودته من حجة الوداع، وكان معه يومها ما يزيد على مائة الف، وفي منتصف الطريق بين مكة والمدينة، مال قليلا عن الطريق ووقف في غدير خم وقد بقي معه في اقل الروايات اكثر من سبعين الفا، وهؤلاء كلهم صحابة، وخطب صلى الله عليه وآله وسلم خطبته الشهيرة التي جاء فيها {من كنت مولاه فعلي مولاه} وهذه الكلمات هي عمدة الحديث الشريف، اما الاضافات الاخرى فلا تعدو عن كونها فضلة، فالحديث الشريف واضح المقصد لا يمكن تاويله، ولنقل انه نص محكم امر فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم امته بموالاة علي عليه السلام ولاية مثل ولايته، فهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم الغيب بنصوص الكريم، وكل من يقول خلاف ذلك لا دليل له على ما يقول، الا انه نبي مرسل ذو بصيرة مسددة بالله كان يستشف مسارات الحياة ويقرا مآلات الامور بحكمة نبي، فاراد ان يحدد لامته بوصلة تهديهم الى سبيل الحق عندما تعصف بهم الفتن وتتقاذفهم اطماع الحكام، خاصة وان قد استشف الدور التخريبي لبني امية، عندما راى صلى الله عليه وآله وسلم في المنام انهم ينزون على منبره، فقال ما لي ارى بني الحكم ينزون على منبري نزو القرود، ويقال انه صلى الله عليه وآله وسلم ما رؤي ضاحكا بعد هذه الرؤية، علما ان ضحكه تبسم وليس قهقهة، وقال صلى الله عليه وآله وسلم يغير سنتي رجل من بني امية، وصدق رسول الله، فقد غيرها معاوية، وقال صلى الله عليه وآله وسلم { يُهلك أمتي هذا الحي من قريش} قالوا فما تامرنا؟ قال {لو ان الناس اعتزلوهم}، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقصد بني امية، فسنته صلى الله عليه وآله وسلم ليست مهادنة الحاكم الظالم وانما اعتزاله ومقارعته.

وكانت الامة وفية لرسولها منجزة لما امر، فقد قاتل تحت لواء علي عليه السلام في معركة صفين الفان وثمانمائة صحابي، منهم بدريون وفيهم من اصحاب بيعة العقبة، واستشهد منهم ثمانية وسبعون صحابيا، منهم عمار بن ياسر رضي الله عنه، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {عمار تقتله الفئة الباغية} اما من قاتل مع معاوية ممن يقولون انهم صحابة فلا يتعدى عددهم اصابع اليد، منهم ابو الغادية قاتل عمار بن ياسر، وهو بشهادة المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم من اهل جهنم، ومنهم عمرو بن العاص وهو من اشهر الانتهازيين في التاريخ الاسلامي، عندما عزله عثمان عن ولاية مصر حرض الناس عليه، وعندما قتل خرج تحت لواء معاوية طالبا بدمه، حتى ان ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص عندما قتل عمار وراى اثنين يدعي كل واحد منهما امام معاوية انه من قتل عمار، قال لهما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول عمار تقتله الفئة الباغية، ما اغضب معاوية فقال له: لم انت اذن معنا؟ فقال له: انا لم اقاتل ولكنني ارافق ابي.

فكل من يقول ان الامة ارتدت الا اربعة او ثلاثة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يصدق، الا ان الامة بعد الانقلاب الاموي على الحكم الراشد، الذي انتهى بانتهاء حكومة الامام الحسن عليه السلام، ضُيعت وراء اطماع السلطة التي اسدلت ستارا كثيفا على فقه الحرية القائم على الشورى، وشددت على اشاعة فقه الطاعة المستند الى حديث يرويه عبد الله بن عمر مفادة تنصب للغادر راية يوم القيامة الذي أوّله ابن عمر بعدم الغدر بيزيد بن معاوية والخروج عليه بعد اعطائه البيعة، مع ان الغادر حقا هو من تغلب على الامة وسلبها حقها في اختيار الحاكم وبيعته، كما كان عليه الامر في عهد الراشدين، ولا ادري كيف اعرض القائلون بفقه الطاعة عن موقف اهل المدينة المنورة، وخلعهم بيعة يزيد ومعظم الفقهاء يرجحون قول اهل المدينة المنورة بوصفها مركز تجمع الصحابة على اي قول يعارضه، واحتكموا الى موقف ابن عمر المتخاذل الذي يقول نحن نصلي وراء الغالب، ولكن هذا ما اراده الامويون وفرضوه على الامة بالقوة .

فان ولاية علي عليه السلام التي اراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يلزم الامة بها هي الاحتكام الى ارادة الامة الحرة، ليس في الحكم بل في كل شيء، وكان علي عليه السلام هو ضمير هذه الامة الحرة، الذي اراد الامويون والعباسيون والعثمانيون والصفيون والفاطميون، وكل الاسر الحاكمة بالوراثة الى يومنا هذا، اما طمسه بقوة السلطة او توظيفه في خدمة مشروعها، فولاية على عليه السلام هي حرية الامة، لانه بعد جرحه وقبيل استشهاده سلام الله عليه قالوا له: اوصي بالخلافة للحسن، فقال لهم: لا آمركم ولا انهاكم، وهي كلمة يجب تكتب بماء الذهب وتعلق في كل بيت مسلم، فبقوله لا آمركم، منع من فرض اي راي على الامة، وبقوله ولا انهاكم، منع من الحجر على حريتها، كما انه عليه السلام لم يكفر احدا من خصومه سواء الخوارج او اهل صفين او اهل الجمل، وهم كلهم مخطئون بمن فيهم عائشة رضي الله عنها، التي ارادت ان تعود عندما نبحتها كلاب الحواب، الا ان الزبير قال لها لا تعودي لعل الله يصلح بك امر المسلمين، ولا ادري كيف يصلح امر المسلمين بموقف نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث الحواب صحيح عند الالباني وهو اكبر محقق سني في العصر الحديث، بل ان الالباني نفسه يرى ان عائشة مخطئة، بل هي كانت قد التفتت الى خطئها وندمت وتابت، حتى يروى انه كانت تقول لابن عمر لماذا لم تمنعني من الخروج، فيقول لها رايت رجلا قد سيطر عليك، يقصد ابن اختها عبد الله بن الزبير، وحتى انها اوصت بان لا تدفن بجوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لانها كما تقول احدثت بعد وفاته، وهذا كلام يصححه الالباني في سلسلته، ولكن تبقى لها مكانتها بوصفها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وام المؤمنين، بنص القران الكريم وتطبيق علي عليه السلام، فبعد انتصاره في معركة الجمل اراد بعض جنده الغنائم التي تركها، فقال لهم من منكم تكون حصته امكم عائشة فاستحيوا وسكتوا.

الا ان ولاية علي عليه السلام التي ارادها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محورا لحركة امة حرة قد فرط بها الامويون، وللاسف اصطبغ الاسلام الرسمي الذي يطلق على نفسه الاسلام السني، وهو مجانب لموقف الشيخين رضي الله عنهما، اصطبغ بنزعة اموية فرطت بالولاية، قابلتها نزعة يقول اصحابها انهم شيعة، ولكنهم اقرب الى تشيع القاجاريين والصفويين منهم الى تشيع عمار وسلمان وابي ذر وعبد الله بن بديل والمرقال والاشتر وغيرهم من الصحابة الاجلاء رضي الله عنهم، نزعة غالت بالولاية فذهبت بها الى ما تسميه الولاية التكوينية وما الى ذلك من رؤية افرغتها من محتواها الانساني الحق، الذي اراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التاسيس له، فاصبحت امرا ما ورائيا كثر عليه النسج من قبل المتكلمين الذين حركوا الولاية خارج مساراتها الانسانية، بل ازاحوها من موقعها الرسالي الى فضاءات اسطورية لا يمكن للامة ان تستفيد منها.

نحن يجب علينا ان نحيي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ولاية علي عليه السلام، اولا علي صعيد الحكم، فكل خلاف في الحكم هو خلاف اجتهادي في امر ليس عقدي، وان محور ولاية علي عليه السلام هو حرية الامة المستندة الى الشورى في كل شيء، بما في ذلك الحكم بوصفه شان المسلمين المتحرك بحركة ظروف الامة على هدى الثوابت، بل ان علي عليه السلام هو المهندس الحقيقي للحكم الراشد، فعندما حدثت الردة استشاره ابو بكر رضي الله عنه قال عليه السلام له: ان الله قد جمع بين الصلاة والزكاة فلا تفرق بينهما، عندها قال ابو بكر: والله لو منعوني عقالا لقاتلتم عليه، وهو عليه السلام الذي اشار على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بان لا يقود بنفسه معركة القادسية فاخذ بمشورته بل ان المنصفين يقولون بفقه علي عليه السلام بنيت اسس الادارة الاسلامية كلها، وتاسست الدولة التي انقلب عليها معاوية، الذي نقول له ما قالته له عائشة رضي الله عنها بعد قتله للصحابي الشهيد حجر بن عدي رضي الله عنه: تركتك والله، قالتها ثلاثا، اي كما يقال بالعامية منك لله.

أحدث المقالات