كلاهما رحل عن الدنيا، عبد الكريم قاسم وصدام حسين، وهما الآن بيد الحق الرحمن الرحيم الله عز وعلا. وبقيت أعمالهم وما قدموه لهذا الوطن والشعب طيلة فترة حكم كل واحد منهم مخزونة في ذاكرة وعقول ونفوس العراقين بأيجابياتها وسلبياتها. العراقيين من ضمن ما يعرف عن شخصيتهم التي فيها الكثير من الغرابة!، معروفين بأنقلابهم على صاحبهم ولا آمان لهم، فاليوم معك وغدا عليك واليوم يمدحك وغدا يذمك! والتاريخ القديم والحديث بصوره ومشاهده فيه ما يؤكد ذلك. فها هي ناحية الفهود في الناصرية تخرج بتظاهرة وبتجمعات جماهيرية، يترحمون فيها على صدام حسين وأيامه بالأهازيج والهوسات!، وبالأمس القريب كانت الناصرية بكل أقضيتها ونواحيها أحد أهم مراكز أنتفاضة عام 1991 على حكم رئيس النظام السابق!. ونفس الشيء بات يحدث في بقية قرى وأقضية محافظات الوسط والجنوب الشيعي!، في حالة غريبة تسترعي الأنتباه حقيقة فمواقع التواصل الأجتماعي تنشر الكثير من هذه المواقف والتجمعات وآخرها وليس أخيرها التظاهرة الليلية التي خرجت بالكوفة وهي تندد بالسيد عمار الحكيم وتصفه بأوصاف معيبة!. هذا ما يجري في وسط وجنوب العراق وهم من كانوا الداعمين الأقوياء للأحزاب الشيعية وبالتالي هم من كانوا يمثلون السند القوي للحكومات التي قادت البلاد من بعد السقوط لاسيما وأنها كانت حكومات شيعية بأمتياز!. أما في بغداد فمن ركضوا بالأمس وراء تمثال الرئيس السابق صدام حسين بعد أن أسقطه الجنود الأمريكان في ساحة الفردوس، وهم يضربونه بكل شيء وقع في أيديهم، ويبصقون عليه ويشتمونه، نراهم اليوم يقولون ( وينك أبو عداي مترجع وتشوف العراق شصار بي وراك!)، هذا الكلام وغيره هو ما بات يددور في أحاديث العراقيين وجلساتهم وسمرهم وفي الشارع العراقي جهارا نهارا وحتى عبر الفضائيات وأمام كل وسائل الأعلام المرئية!. ولا أعرف تحليل للشخصية العراقية، لماذا لا تعرف الثبات ومتقلبة وهوائية وعاطفية أكثر ما هي عقلانية وراكزة!؟. وأعتقد أن قصة أستشهاد أبي الأحرار الأمام الحسين وصحبه الأبرار (ع)، معروفة للجميع، فهم من دعوه للمجيء وأرسلوا ألاف الرسائل في طلبه، وهم من أنقلبوا عليه فيما بعد وأستلوا سيوفهم عليه!، حتى أن الأمام الحسين (ع) عندما سئل أحد القادمين من العراق، وهو في طريقه أليهم، كيف حال أهل العراق، أجابه ( بأن قلوبهم معك وسيوفهم عليك!). هذا في التاريخ القديم أما في التاريخ الحديث، فيذكر أن شريف مكة (حسين بن علي الهاشمي) والد الملك (فيصل الأول) ملك العراق رحمهم الله، قد قال له قبل أن يتجه الى العراق بعد أن نودي عليه ليكون ملكا على العراق، (أخاف عليك من أهل العراق،وأخاف أن يفعلوا بك كما فعلوا بجدك الأمام الحسين ع )!. وبالفعل حدث ما خاف منه شريف مكه الحسين بن علي والد الملك فيصل الأول، جد العائلة المالكة في العراق، عندما قتلوا جميعهم صبيحة ثورة 14/ تموز/ 1985، في قصر الرحاب، من قبل أحد ضباط الثورة بطريق الخطأ، أم حقدا وكرها لهم!. هذا الشعب الذي فجر ثورة 14 تموز عام 1958وثار على النظام الملكي، وقتل العائلة المالكة ونهب كل ما في القصر!، كان قبلها يجل قدر هذه العائلة الهاشمية لأنهم أحفاد الأمام الحسين (ع)!!.بعد هذه المقدمة ندخل الى صلب الموضوع، فغالبية العراقيين يتذكرون حقبة رئيس النظام السابق صدام حسين واحاديثه فلم يسمعوا منه يوما بأنه ذكر الرئيس الراحل الأسبق عبد الكريم قاسم بخير!، بل كان يصفه بالدكتاتور وعميل الروس (يقصد الأتحاد السوفيتي السابق)، كما أنه كان يسمي ثورة 14/ تموز/1958 بالأنقلاب وليس ثورة في حين يصف أنقلاب 8/ شباط/1963 بعروس الثورات!، وتلك مسألة طبيعية في عالم السياسة والثورات والأنقلابات وخاصة في عالمنا العربي الذي يكتب رؤوسائه التاريخ كما يريدون ويشتهون!. ولكن يبدو أن رئيس النظام السابق كان له رأي آخر في ثورة تموز وشخص قائدها الزعيم عبد الكريم قاسم،ولكن كان يتحدث بذلك بعيدا عن شاشات التلفزيون ووسائل الأعلام!، بجلسات سرية وخاصة مع أعضاء قيادة الحزب والوزراء وبقية المسؤولين، وسأنقل لكم نص حديث خاص لصدام حسين مع أعضاء القيادة في الحزب عام 1985 وكما تداولته مواقع التواصل الأجتماعي ومن ثم نعقب عليه، نص الحديث بلهجة رئيس النظام السابق التي يعرفها كل العراقيين!،( هسه عبد الكريم قاسم شنو سواه الرجال، يعني وله دكة العراقيين ويه عبد الكريم قاسم فلا يسويها المعيدي تدرون ليش، لأن عبد الكريم قاسم قائد الثورة فعلا مو زورا… فعلا، قائد مسوي ثورة على نظام ملكي وخلص العراقيين من أحلافه، وخلصهم من الربط الأسترليني وخلصهم، فجأة هو يطلع يخطب يهتفون بأسم عبد الناصر، يعني أحنا الان صرنا نعرف ماذا تعني أشياء ما كنا نعرفها، شلون واحد مسوي كل هاي ويوكف بالشرفة يحييكم وانتم تهتفون بأسم عبد الناصر يعني ما تخجلون صحيح عبد الناصر قومي بس خوما سوه اكثر من عبد الكريم قاسم، هسه عبد الكريم قاسم اول شي سواه سقط نظام حكم وخلصنا كعراقيين من مرحلة كارثة، طيب خل ننتظر بعد الخطوات الأخرى حتى نقارنه ويه عبد الناصر، نشوف هوه( عبد الكريم قاسم) لو عبد الناصر، من حيث الثورة ثنينهم سوو ثورة من حيث الثورة في العراق أصعب من الثورة في مصر، حلف بغداد.. كان حلف عسكري عام 1955 بين العراق وأمريكا وبريطانيا وأيران وتركيا وباكستان، زين خل ننتظر أنوب وراها جدول نكول يابه هنا عبد الناصر… هنا عبد الكريم قاسم، ما أنطينا فرصة… كفرناه بدينه، وراها عاد كحلنا أنوب الأمور حطينا عبد السلام عارف كبال عبد الكريم قاسم، وهو( عبد الكريم قاسم) يعرفه طرطور ل عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم أثكل من عبد السلام عارف شما يكون، آني مشايفه الرجل يعني آني ما شفته ألا من فتحنا النار عليه، أحنا وحاتم وربعنا(المقصود حاتم حمدان العزاوي، القيادي في حزب البعث)، هاي هي بس شفت وجهو بذيج اللحظة، قبل ما شايفه بس بالتلفزيون، بس يعني لا أكو نضج… نضج ماكو ونوبات يعني هم أنصاف شويه لما ماكو نضج يقل الداعين للأنصاف والتريث، الحزب(حزب البعث) كان أقل مما يسمى شاب يعني الحقيقة…. الحزب عام 1958 ما عدا كم واحد يعني الدكتور سعدون حمادي وفيصل حبيب وكم واحد فوك الثلاثين، جهال يعني 22ـ24 سنة شباب، صار دخول للمرحلة ما كان حتى عبد الناصر منصف ويه الرجل عبد الكريم قاسم، يعني كان لازم ما يدفع الأمور ها الدفعة هذه… يتعامل وياه كصديق..زميل..أخ ـ ونشوف. هنا يقطع سعدون حمادي الحديث بالقول: سيدي عبد الناصر بيه صفات أيجابيه كثيرة كزعيم بس عبد الناصر أناني وحقود. يعود صدام لتكملة الحديث، قصدي أحنا الآن ناس بعمرنا بوضعنا ندحج(ننظر) على المرحلة، والمرحلة مدا أدحج عليها على بعد 1400 سنة، مرحلة أحنا أشتغلنا ضد الرجل يعني الى حد أطلاق النار عليه بس أنا خوما نحقد عليه، بس أحنا ما عدنا حقد شخصي.) الى هنا أنتهى نص الحديث تم نقله كما ورد حرفيا وكتابة على مواقع التواصل الأجتماعي. وللتعليق على حديث رئيس النظام السابق على الزعيم الأسبق الراحل عبد الكريم قاسم، لا أدري هل هي صحوة ضمير لصدام في مدح عبد الكريم قاسم وثورته والأشادة به؟ ام انه أي صدام حسين كبقية العراقين متقلب المزاج!؟، أم أن أخلاق عبد الكريم قاسم وخصاله الحميدة ووطنيته المشهودة وحبه للعراق وزهده ونزاهته دفعت بصدام أن يتحدث عنه ذلك؟ لا سيما وأن حديث صدام حسين كان عام 1985 وهو يخوض حربا شرسة مع أيران!، أم أن صدام حسين لم ير في سيرة وشخص عبد الكريم قاسم أية مثلبة تستحق ذمه وشتمه بقدر ما وجد فيها من الأخلاص والوطنية والنزاهة ما يستحق الأنصاف في مدحه والثناء عليه. الملفت للأنتباه في الشخصيتين الراحلتين، أن عبد الكريم قاسم قتل رميا بالرصاص على يد أنقلابيوا 8/ شباط/ 1963من قبل البعثيين في دار الأذاعة والتلفزيون بالصالحية بعد يوم من الأنقلاب أي يوم 9/شباط، وكان صائما، ولم يتوسل أو يطلب الرحمة من قاتليه ولا أي شيء سوى أنه طلب رشفة من الماء( تمضمض) بها، ورفض أن تعصب عينيه، وكان في غاية الشجاعة وحالق الذقن ومرتب الهندام، هذا ما ذكره قاتليه في مذكراتهم فيما بعد!!، وتلقى رصاصات الغدرمن قاتليه الجبناء بكل شجاعة وأباء وعزة وكرامة. أما صدام حسين فرفض هو الآخرأن تعصب عينيه، وكان يمسك بالقرآن الى آخر لحظة من صعوده الى منصة الأعدام، كما أنه رفض أن يلبس غطاء الرأس قبل أعدامه، ونقل عن موفق الربيعي القيادي المعروف في حزب الدعوة أنه لم يلحظ عليه أي خوف أو تردد أو رهبة لحظة أعدامه، بل أنه ردد الشهادة وهتف بأسم العراق والأمة العربية وسقوط الأمريكان، وهذا ما نقلته كل وسائل الأعلام والفضائيات.أخيرا أقول لم يكن عبد الكريم قاسم الشخصية اللغز كما كان يشيع عنه البعثييون، فقد كان انسانا بسيطا واضحا متواضعا زاهدا عفيف اليد واللسان أحب العراق وشعبه بكل صدق ومات من أجلهم بمؤامرة رتبها الأمريكان ونفذها البعثيون، وهذه الحقيقة معروفة لا غبار عليها!. على العكس من شخصية صدام التي كانت تعاني الكثير من العقد والشعور بالنقص أجتماعيا، والتي أرى فيها لغزا كبيرا بل هو مجموعة من الألغاز والحكايات التي تضع على نفسها الكثير من علامات الأستفهام، والأمريكان هم أيضا من أسقطوا صدام ونظامه!. ويبقى السؤال الذي طالما حيرني وربما حير الكثيرين معي، هل كان صدام عميلا للأمريكان فعلا؟ كما يقال عنه بالكتب والمذكرات والشهود!،أم انه كان وطنيا نزيها؟ ام ماذا؟ هذه هي أحد ألغاز رئيس النظام السابق!. لا أحد يعرف وتبقى الحقيقة غائبة، فلا يزكي الأنفس ألا الله.