بالطبع كان يوم اول امس الثلاثاء يوما محيرا ممزوجا بالحزن ، بسبب نبأ مرض الرئيس مام جلال ورقوده في مدينة الطب على اثر نوبة قلبية او دماغية المت به كما تضاربت الانباء .
ومثلما تضاربت الانباء في تشخيص مرضه ، تضاربت ايضا في حالته الصحية ، وبات الناس لا يعلمون هل هو على قيد الحياة ام انه فارقها ، لاسيما بعد خروج انباء وفاته بالتزامن تأكيدات رسمية ببقاءه على قيد الحياة .
بعض وسائل الاعلام اكدت وفاته بثقة تامة ، والمسؤولين الرسميين يصرحون بنفس الثقة ويؤكدون بقاءه على قيد الحياة مع ضبابية بطبيعة مرضه ، فكل الذين خرجوا الى الاعلام اكدوا بقاءه على قيد الحياة ، لكن ما هي حالته الصحية بالضبط هل هو في غيبوبة مستمرة ام متقطعة ، ام ان الرجل لا يقوى على مقاومة المرض بسبب سنه الكبير الذي يقارب الـ80 عاما .
لكن المثير في الموضوع ان المسؤولين الرسميين كانوا غاضبين على الاعلام الذي اعلن نبأ وفاته ، ولم يغضبوا على انفسهم لانهم تعاملوا بضبابية مع حالة الرئيس الحقيقية ، ولم يلوموا انفسهم لانهم حجبوا المعلومات الصحيحة عن الشعب العراقي الذي ينتظر باهتمام شديد على صحة رئيسه المهم .
اذن نحن امام مسلكين ، مسلك تبنته بعض وسائل الاعلام التي اكدت وفاته ، واخر تبناه المسؤولين (الغاضبون) على نبأ وفاته ، وفي هذه الحالة ، اما ان الاعلام الذي نقل نبأ وفاته هو اعلام مذنب ، واما ان المسؤولين هم المذنبون .
فلو تناولنا طبيعة الانباء التي تناولتها وسائل الاعلام التي اكدت موته ، لرأينا ان هذه الانباء لم تكن بمصادر شاخصة ومعروفة ، انما مصادر مبهمة ، مثل (قال مصدر مقرب من طالباني) او (قال مصدر مسؤول في اقليم كردستان) او او او … الخ
صحيح ان المصدر (بدون الكشف عن شخصيته) يمكن له ان يكون قابلا لعدة احتمالات ، الا انه بنفس الوقت في حالة مثل حالة طالباني لا يمكن تجاهله باعتبار ان قضية مرضه هي التي فرضت نفسها على المشهد الاعلامي ، ودفعت وسائل الاعلام الى ان تتسابق فيما بينها من اجل الفوز بالسبق الصحفي ، وهذا مشروع بطبيعة الحال.
هذه المصادر التي نقلت ، اتت كلها في وقت صمت شديد ومستغرب من قبل المصادر الرسمية ، التي لم تصرح بمجرد نقل الرئيس للمستشفى ، وهذه المصادر لم تتكلم الا بعد ان تناولت وسائل الاعلام نبأ وفاة الرئيس التي لربما تكون غير دقيقية ، بل ان المصادر الرسمية (من خلال تصريحاتها) ، لم تخرج الى الاعلام لتؤكد استقرار الحالة الصحية للرئيس ، انما خرجت لتوبخ الاعلام الذي نقل نبأ وفاته بسبب صمتهم .
بدليل انه لحد هذه اللحظة ، كل المصادر الرسمية التي اكدت على استقرار الحالة الصحية للرئيس ، لم تظهر للشارع العراقي الذي من حقه الاطمئنان على رئيسه ، حتى مقطع مصور او صورة فوتغرافية للرئيس وهو في فراش المرض ، ما يعني ان الرئيس فعلا يعيش ازمة صحية عصيبة ، وربما ان هذه الازمة ليست مستقرة كما يصورها السياسيون الغاضبون .
وعليه فاذا اتهمنا الاعلام الذي اعلن نبأ وفاته بانه غير دقيق ، فهذا الامر يمكن ان ينطبق على السياسيون الذين اعلنوا استقرار حالته الصحية ، فلا الاول يملك دليل على وفاته سوى تصريحات يخشى مطلقيها خروج اسمائهم في الاعلام ، ولا الثاني قدم دليلا واحدا على استقرار حالته الصحية …. ويمكن القول انه من المحتمل ان يكون الرئيس ميتا ، ويمكن ان تكون حالته الصحية مستقرة !!!
بل انه يمكن القول ان ذنب السياسيون الغاضبون ، هو اكبر من ذنب الاعلام الذي اذاع نبأ وفاته ، فالاعلام لا يملك مصالح سياسية مثل التي يملكها السياسيون ، ولا محذورات مثل التي يملكونها ، فازمة الرئيس هي ازمة تدفعهم بالضرورة الى كتم كل شيء يحيط به ، اذ انه يحتم عليهم الاتفاق على اختيار رئيس اخر بدلا لطالباني ، وهذا الرئيس لا يمكن ان يكون وفق الاليات الدستورية التي لطالما لم يأخذوا بها ، انما يحتاج الى التوافق ، وهذا التوافق يحتاج الى اتفاق في داخل حزب طالباني ، واذا اتفقوا يحتاج الى موافقة حزب رئيس الاقليم مسعود بارزاني الذي من المؤكد انه سيرفض اختيار بديل من حزب طالباني ، واذا اتفق الحزبان الكرديان فانه يحتاج الى قبول احزاب بغداد به …. وهذه العملية كبيرة وصعبة بل عصية انجازها في هذا الوقت القصير .
اذن الاولى بهم حجب الحالة الصحيبة الحقيقية للرئيس ، والاولى بالاعلام البحث عن الحقيقة .
وبهذا السياسيون هم الملامون ، والاعلام هو الفارس الشجاع الباحث على الحقيقة.